تعودت دوما، وما أسوأ العادات إذا لازمتنا في غير ميعادها.. أن أصحو علي طعام في فمي.. كبرت ولم تكبر معي عاداتي فأصبحت أتكاسل عن القيام بها بنفسي.. فقط أحتال علي عقلي واهما إياه أن وقت الطعام قد إقترب، فيحتال عليّ عقلي وتنفتح عيناي نصف فتحة، ويستيقظ جسدي نصف استيقاظ وأنطلق بنصف طاقة حتي أجد الطعام.. فإن وجدته دبت الطاقة وانتشرت وانطلقت بكامل طاقتي
عادات وعادات، وكيف الحياة إذا لم نتعود علي أشياء تميزنا عن غيرنا حتي وإن ظهرت غريبة!.
منذ صغري تعودت أن أكتب كل ما يحلو لي في ورق خاص .. أدسه في أوراقي ولا يراه أحد غيري .. ولا أتخلص منه أبدا .
في ذات مرة رأي أبي ورقة من تلك الاوراق الخاصة، وكان يرى.. يرحمه الله، أن كل ما يلهي عن الدراسة هو لهو قبيح يجب الإمتناع عنه، وكانت لعينيه لمعة وقتها لم أرها في عينيه من قبل، ثم ما لبث أن سألني:
- من كاتب هذه الورقة؟
فقلت له بخجل:
- أنه أنا!.
فابتسم وقبلها وأعطاني إياها بحنوٍ مبالغ فيه، وقال لي: أكتب كلما ضاق صدرك، فلربما.. وسكت مبتسما !!
راقبته بعدها طويلا حتي لاحظت حديثه مع أم اخواني في همس، ويبدوا أنه حدثها عني وعن ورقتي تلك، لم أسمع ماذا قال لها، ولكني رأيت في فمه وابتسامته وفرحة أمي الثانية ودموع عينيها ما جعلني أحدث نفسي دوما بفخر وابتسام وأقول .. ربما!
وصارت تلك الورقة في خواص خواص أوراقي، ومن كثرة قراءتي لها حفظتها.
كنت قد كتبتها حين لم أحصل علي التقدير المرجو في إحدي المواد، وحال ذلك بيني وبين توجه معين كنت قد تمنيت أن أتخصص فيه عند التخرج، فاستبد بي الحزن إلى أن أمسكت بتلك الورقة وكتبت:
“وينتهي بك الحال دوما إلى ما طبعت عليه وما سعيت إليه لا ما حلمت به وما تمنيته، وستتخيل وقتها أنه لو كنت فعلت كذا وقت كذا لكان كذا.. ولكنها دوائر القدر المخفية، ما إن دخلت إحداها حتي تكملها لنهايتها دون توقف، وغالبا البداية تكون منذ نعومة أظافرك لا منذ بداية إدراكك!.. فلتسعد بحالك حيث أنت الآن.. واطمئن، فطالما تحركت ستصل، ولا تفكر كثيرا فلعقلك حدود، ولا تحمل نفسك عناء الندم علي شيء لم يكن لك، فما ليس لك لن يصلك أبداً، وتفاءل بالخير دوما فلا يحول دوائر القدر إلّا حسن الظن بالمقدر والدعاء، وتحرك دائماً فالحركة حياة والحياة سعادة“
مرت السنون مسرعة وصرت أعشق الكتابة أكثر من عشقي لكل مواد الدراسة التي سهرت الليالي أردد فيها وأحفظها وأتباهي بمعرفتي تلك أمام قرنائي حتي أنهم كانوا يحسدونني علي ذاك الحفظ والتباهي، ويتمنون مصاحبتي حتي يتباهون بي ويستفيدون بهذا العلم حين يسألون!
التغيير مطلوب.. نعم، ولكن حاول أن تتغير دوما لترجع للأصل الطيب لا لتتحول إلي مستحدث عليك تنبذه روحك وفطرتك!
بدأت أظهر كتابات أوراقي الخاصة لمن أحب ومن أري في عيونهم حب، فصاروا لا يدارون تلك اللمعة التي لا تزال مضيئة في ذاكرتي من عيني أبي، وأصبح كل من يري ورقة يطلب الأخري ويتحدث بجمال ما رأي أمام أحبابه، فانتشر بين المقربين حبي للكتابة، بل وعشقي لها وانتشر صيتي بينهم ..ككاتب أو موهوب !!
من الأصدقاء دوما من تجده لا يسأل عن الوجهه التي تأخذه إليها إلّا إذا أخبرته بها، ومنهم من لا يتحرك من موضعه إلّا إذا أخبرته، ومنهم من يحاول أن يأخذ أقصي استفادة من تحركه معك، ومنهم من لا يتحرك معك مطلقا.. إلّا إذا أراد هو ذلك!.. وهناك من يري في عينيك رغبة الذهاب إلى مكان ما، فما يلبث أن يأخذك إليه من سبيل المفاجأة وفي سبيل إسعاد روحك التي يري أن من واجبه عليك كصديق إسعادها .. وكلهم أصدقاء !
وكالصنف الأخير، حمل أحد أصدقائي علي عاتقه تلك الرغبة التي رآها في عيني حين يذكر أحدهم أنه قام بنشر كتاب، فأخذ جميع ما كتبت وعرضه علي إحدي دور النشر والتي.. علي حد تعبيره.. انبهرت بما رأت وقررت نشر تلك المجموعه القصصية فور عرضها عليهم، وما أشد سعادتي وأنا أري أول إهداء علي أول كتاب يطبع باسمي، فكان لابد وأن أهديه لأول من لمعت عينيه إعجابا بما أكتب.. فكتبت علي غرة الكتاب كلمتين خفيفتين هما الدنيا جميعها لقلبي:
“إلي أبي.. “
كانت سعادتي بهذا الوليد الأول سعادة لا توصف، فقد تجمعت كل النسمات والضحكات والشقشقات والصفافير والورود والرياحين امام عيني وكأنني أصبحت أميرا متوجا علي الدنيا بأسرها، ولم يهمني وقتها أي شيء، فقد غطت فرحتي بظهور ذلك المولود للنور علي كل أهدافي الأخري وأحلامي التي ظهرت في عيني والتي لم تظهر، واحتفظ بها قلبي له وحده !
علمت أن الإستمرار نجاح والنجاح إستمرار، فكتبت الكتاب الثاني تلاه الثالث تلاه الرابع، ثم الرواية الأولي فالتانية فالثالثة، وصرت كمن كان صائما دهرا ولقي وليمة جهزها له حاتم الطائي!.. الي جانب العشرات من القصص القصيرة والمئات من المقالات في صحيفتنا القومية المنبر الإعلامي المطبوع الوحيد لكتاب العربية في بلدي
وأصبحت من الصفوة الذين ما إن طلبوا أجيبوا، وما إن ابتسموا نشرت ابتسامتهم علي وجود الجميع بلا تردد، فأصبحت كالعلامة المسجلة !..... حتي مات ابي !
أمسكت الورقة والقلم عشرات المرات وفي كل مرة يأبي القلم أن يكتب ما يدور في عقلي لعدم شعوره بملهمه بجواره فأحزن كثيرا وأتراجع ثم أعود، ظللت علي هذا الحال فترة حتي ظننت استحالة الكتابة، وفي ذات مرة جاءني هاتف بصوت أبي مبتسما وأنا ما بين صحوتي ونومي قائلا:
- اكتب كلما ضاق صدرك ياولدي.. أنسيت؟ فلربما!
شعرت وكأن هذا الصوت أحياني من جديد، وأمسكت القلم وبالفعل نجحت في الكتابة بشكل اكثر غزارة وكان الأقرب إلى قلبي من أعمالي رواية كأنها تحكي سيرتي أهديتها وكتبت الإهداء:
“يموت الأب ويبقي صوته! “
ومرت السنون ومرت، وشاب شعر رأسي وكبر عيالي وقاربت علي النهاية وإذ بالمفاجأة الأكبر في حياتي؛ في ساعة مبكرة جدا من إحدي أيام شهر ابريل والحر الشديد جاءني خطاب مسجل بلغة أجنبية ويظهر من الاختام والطوابع أنه بالغ الأهمية، حتي أن قلبي أخذ يدق دقا مبالغا فيه، وكاد يقفز أمامي من الإضطراب!
أخذته لمكتبي بروية، وفتحته بحرص، وأخذت أقرأ بقلب واجف وعقل حائر!
ما هذا.. إنه إسمي حقا، إنه أنا.. ما هذا.. يارباه؟!
لقد تحققت أمنية ظلت في القلب مختفية حتي ظننت أنها ذبلت وماتت مع شعرات رأسي الذابلة.
وانطلقت في المنزل كالمجنون أجري وأوقظ كل ما في طريقي مهللا، فقاموا جميعا فزعين مستفسرين:
- ماذا دهاك .. ماذا حدث؟؟
فجلست بعدما أفرطت في السعادة ولم أفكر في اعراضها علي قلبي الملجم بالأدوية مع كبر السن، وحاولت أن أسيطر علي مشاعري وحواسي وقلتها علي مراحل:
- ل ..قد ..فزت ..بها .. فزت بج..ائزة .. نووو..بل!!
وانغمرت في البكاء من فرط الفرحة التي لما أظنها ستأتي يوما.. ولكن لا مستحيل فعلا مع الله .. وأخذت أردد:
- الحمدلله ..الحمد لله.
سكت الجميع من هول المفاجأة وكأن علي رؤوسهم جميعا الطير، حتي أني لم أعد أسمع صوت تلك الحشرة الكريهة التي اعتدنا أن نسمع صوتها تأكل في الخشب ليلا وفي الساعات المبكرة من النهار!!
وقفوا بعدما أفاقوا من المفاجأة وتجمعوا كلهم حولي ليروا ما هو مكتوب تفصيلا في الجواب ويتأكدوا من أنه إسمي بالفعل .. وليعلنوا جميعا اني اول شخص يحصل علي علي هذه الجائزة في مجال الأدب في شرق افريقيا والثاني الحاصل علي نوبل بعد د/أبي أحمد علي رئيس الوزراء الإثيوبي، هذا الوسام العتيق، وما أعظمه من وسام.. فقد حصلت عليه منفردا في الآداب، والتكريم سيكون بعد أسبوعين في أوروبا في مقر تسليم الجوائز.
مرت ساعة وكلنا لا نستطيع تصديق أي شئ، وكأنه حلم مجمع مشترك بدأته أنا وأخذت أمر علي كل فرد من أفراد عائلتي السبعة أوقظه لأدخله في حلمي وهو نائم كما هو.. ياله من حلم مبهر.. ولكنه ليس حلما، بل حقيقة!.
بعد ساعتين إذ بالهاتف يحرك مشاعري ثانية برقم خاص غير ظاهر، انه رئيس الجمهورية، السيد / اسماعيل عمر جيله ياالهي.. هو نفس.. يهنئني باتصال سري لحين إعلان الجوائز الرسمية في الاحتفال، ويعد بتكريم آخر من الدولة كحق لي علي إعلاء شأنها كخامس مصري يفوز بهذا الوسام العالمي الفريد !
ماذا يحدث لي، أين أنت ياأبي لتري نتيجة لمعة عينيك الاولي، أين أنت لتجد ما خبأه لنا القدر، ومن يدري لعل ذلك استجابة لدعاء دعوته وقتما ابتسمت قائلا؛ فلربما!
يالها من لحظات.. أعرف أنك تشعر بي الآن وأنا في قمة نشوتي.. يارب أرسل له سلاما وعشقا وحبا يغمره ورحمة منك تشمله، ونعيما يفرحه بما يوازي فرحتي الآن.
انتفضت علي صوت أم العيال وهي تقول لي أصحى يا أبو أحمد أجلب للأولاد الكمامات ليذهبوا إلى الجامعة.
يا رب خلصنا من الكورونا
من الحلم الجميل بجائزة نوبل، إلى حقيقة رعب كرونا.
4 يونيو 2020
جمال أحمد ديني
(كاتب من جيبوتي)
عادات وعادات، وكيف الحياة إذا لم نتعود علي أشياء تميزنا عن غيرنا حتي وإن ظهرت غريبة!.
منذ صغري تعودت أن أكتب كل ما يحلو لي في ورق خاص .. أدسه في أوراقي ولا يراه أحد غيري .. ولا أتخلص منه أبدا .
في ذات مرة رأي أبي ورقة من تلك الاوراق الخاصة، وكان يرى.. يرحمه الله، أن كل ما يلهي عن الدراسة هو لهو قبيح يجب الإمتناع عنه، وكانت لعينيه لمعة وقتها لم أرها في عينيه من قبل، ثم ما لبث أن سألني:
- من كاتب هذه الورقة؟
فقلت له بخجل:
- أنه أنا!.
فابتسم وقبلها وأعطاني إياها بحنوٍ مبالغ فيه، وقال لي: أكتب كلما ضاق صدرك، فلربما.. وسكت مبتسما !!
راقبته بعدها طويلا حتي لاحظت حديثه مع أم اخواني في همس، ويبدوا أنه حدثها عني وعن ورقتي تلك، لم أسمع ماذا قال لها، ولكني رأيت في فمه وابتسامته وفرحة أمي الثانية ودموع عينيها ما جعلني أحدث نفسي دوما بفخر وابتسام وأقول .. ربما!
وصارت تلك الورقة في خواص خواص أوراقي، ومن كثرة قراءتي لها حفظتها.
كنت قد كتبتها حين لم أحصل علي التقدير المرجو في إحدي المواد، وحال ذلك بيني وبين توجه معين كنت قد تمنيت أن أتخصص فيه عند التخرج، فاستبد بي الحزن إلى أن أمسكت بتلك الورقة وكتبت:
“وينتهي بك الحال دوما إلى ما طبعت عليه وما سعيت إليه لا ما حلمت به وما تمنيته، وستتخيل وقتها أنه لو كنت فعلت كذا وقت كذا لكان كذا.. ولكنها دوائر القدر المخفية، ما إن دخلت إحداها حتي تكملها لنهايتها دون توقف، وغالبا البداية تكون منذ نعومة أظافرك لا منذ بداية إدراكك!.. فلتسعد بحالك حيث أنت الآن.. واطمئن، فطالما تحركت ستصل، ولا تفكر كثيرا فلعقلك حدود، ولا تحمل نفسك عناء الندم علي شيء لم يكن لك، فما ليس لك لن يصلك أبداً، وتفاءل بالخير دوما فلا يحول دوائر القدر إلّا حسن الظن بالمقدر والدعاء، وتحرك دائماً فالحركة حياة والحياة سعادة“
مرت السنون مسرعة وصرت أعشق الكتابة أكثر من عشقي لكل مواد الدراسة التي سهرت الليالي أردد فيها وأحفظها وأتباهي بمعرفتي تلك أمام قرنائي حتي أنهم كانوا يحسدونني علي ذاك الحفظ والتباهي، ويتمنون مصاحبتي حتي يتباهون بي ويستفيدون بهذا العلم حين يسألون!
التغيير مطلوب.. نعم، ولكن حاول أن تتغير دوما لترجع للأصل الطيب لا لتتحول إلي مستحدث عليك تنبذه روحك وفطرتك!
بدأت أظهر كتابات أوراقي الخاصة لمن أحب ومن أري في عيونهم حب، فصاروا لا يدارون تلك اللمعة التي لا تزال مضيئة في ذاكرتي من عيني أبي، وأصبح كل من يري ورقة يطلب الأخري ويتحدث بجمال ما رأي أمام أحبابه، فانتشر بين المقربين حبي للكتابة، بل وعشقي لها وانتشر صيتي بينهم ..ككاتب أو موهوب !!
من الأصدقاء دوما من تجده لا يسأل عن الوجهه التي تأخذه إليها إلّا إذا أخبرته بها، ومنهم من لا يتحرك من موضعه إلّا إذا أخبرته، ومنهم من يحاول أن يأخذ أقصي استفادة من تحركه معك، ومنهم من لا يتحرك معك مطلقا.. إلّا إذا أراد هو ذلك!.. وهناك من يري في عينيك رغبة الذهاب إلى مكان ما، فما يلبث أن يأخذك إليه من سبيل المفاجأة وفي سبيل إسعاد روحك التي يري أن من واجبه عليك كصديق إسعادها .. وكلهم أصدقاء !
وكالصنف الأخير، حمل أحد أصدقائي علي عاتقه تلك الرغبة التي رآها في عيني حين يذكر أحدهم أنه قام بنشر كتاب، فأخذ جميع ما كتبت وعرضه علي إحدي دور النشر والتي.. علي حد تعبيره.. انبهرت بما رأت وقررت نشر تلك المجموعه القصصية فور عرضها عليهم، وما أشد سعادتي وأنا أري أول إهداء علي أول كتاب يطبع باسمي، فكان لابد وأن أهديه لأول من لمعت عينيه إعجابا بما أكتب.. فكتبت علي غرة الكتاب كلمتين خفيفتين هما الدنيا جميعها لقلبي:
“إلي أبي.. “
كانت سعادتي بهذا الوليد الأول سعادة لا توصف، فقد تجمعت كل النسمات والضحكات والشقشقات والصفافير والورود والرياحين امام عيني وكأنني أصبحت أميرا متوجا علي الدنيا بأسرها، ولم يهمني وقتها أي شيء، فقد غطت فرحتي بظهور ذلك المولود للنور علي كل أهدافي الأخري وأحلامي التي ظهرت في عيني والتي لم تظهر، واحتفظ بها قلبي له وحده !
علمت أن الإستمرار نجاح والنجاح إستمرار، فكتبت الكتاب الثاني تلاه الثالث تلاه الرابع، ثم الرواية الأولي فالتانية فالثالثة، وصرت كمن كان صائما دهرا ولقي وليمة جهزها له حاتم الطائي!.. الي جانب العشرات من القصص القصيرة والمئات من المقالات في صحيفتنا القومية المنبر الإعلامي المطبوع الوحيد لكتاب العربية في بلدي
وأصبحت من الصفوة الذين ما إن طلبوا أجيبوا، وما إن ابتسموا نشرت ابتسامتهم علي وجود الجميع بلا تردد، فأصبحت كالعلامة المسجلة !..... حتي مات ابي !
أمسكت الورقة والقلم عشرات المرات وفي كل مرة يأبي القلم أن يكتب ما يدور في عقلي لعدم شعوره بملهمه بجواره فأحزن كثيرا وأتراجع ثم أعود، ظللت علي هذا الحال فترة حتي ظننت استحالة الكتابة، وفي ذات مرة جاءني هاتف بصوت أبي مبتسما وأنا ما بين صحوتي ونومي قائلا:
- اكتب كلما ضاق صدرك ياولدي.. أنسيت؟ فلربما!
شعرت وكأن هذا الصوت أحياني من جديد، وأمسكت القلم وبالفعل نجحت في الكتابة بشكل اكثر غزارة وكان الأقرب إلى قلبي من أعمالي رواية كأنها تحكي سيرتي أهديتها وكتبت الإهداء:
“يموت الأب ويبقي صوته! “
ومرت السنون ومرت، وشاب شعر رأسي وكبر عيالي وقاربت علي النهاية وإذ بالمفاجأة الأكبر في حياتي؛ في ساعة مبكرة جدا من إحدي أيام شهر ابريل والحر الشديد جاءني خطاب مسجل بلغة أجنبية ويظهر من الاختام والطوابع أنه بالغ الأهمية، حتي أن قلبي أخذ يدق دقا مبالغا فيه، وكاد يقفز أمامي من الإضطراب!
أخذته لمكتبي بروية، وفتحته بحرص، وأخذت أقرأ بقلب واجف وعقل حائر!
ما هذا.. إنه إسمي حقا، إنه أنا.. ما هذا.. يارباه؟!
لقد تحققت أمنية ظلت في القلب مختفية حتي ظننت أنها ذبلت وماتت مع شعرات رأسي الذابلة.
وانطلقت في المنزل كالمجنون أجري وأوقظ كل ما في طريقي مهللا، فقاموا جميعا فزعين مستفسرين:
- ماذا دهاك .. ماذا حدث؟؟
فجلست بعدما أفرطت في السعادة ولم أفكر في اعراضها علي قلبي الملجم بالأدوية مع كبر السن، وحاولت أن أسيطر علي مشاعري وحواسي وقلتها علي مراحل:
- ل ..قد ..فزت ..بها .. فزت بج..ائزة .. نووو..بل!!
وانغمرت في البكاء من فرط الفرحة التي لما أظنها ستأتي يوما.. ولكن لا مستحيل فعلا مع الله .. وأخذت أردد:
- الحمدلله ..الحمد لله.
سكت الجميع من هول المفاجأة وكأن علي رؤوسهم جميعا الطير، حتي أني لم أعد أسمع صوت تلك الحشرة الكريهة التي اعتدنا أن نسمع صوتها تأكل في الخشب ليلا وفي الساعات المبكرة من النهار!!
وقفوا بعدما أفاقوا من المفاجأة وتجمعوا كلهم حولي ليروا ما هو مكتوب تفصيلا في الجواب ويتأكدوا من أنه إسمي بالفعل .. وليعلنوا جميعا اني اول شخص يحصل علي علي هذه الجائزة في مجال الأدب في شرق افريقيا والثاني الحاصل علي نوبل بعد د/أبي أحمد علي رئيس الوزراء الإثيوبي، هذا الوسام العتيق، وما أعظمه من وسام.. فقد حصلت عليه منفردا في الآداب، والتكريم سيكون بعد أسبوعين في أوروبا في مقر تسليم الجوائز.
مرت ساعة وكلنا لا نستطيع تصديق أي شئ، وكأنه حلم مجمع مشترك بدأته أنا وأخذت أمر علي كل فرد من أفراد عائلتي السبعة أوقظه لأدخله في حلمي وهو نائم كما هو.. ياله من حلم مبهر.. ولكنه ليس حلما، بل حقيقة!.
بعد ساعتين إذ بالهاتف يحرك مشاعري ثانية برقم خاص غير ظاهر، انه رئيس الجمهورية، السيد / اسماعيل عمر جيله ياالهي.. هو نفس.. يهنئني باتصال سري لحين إعلان الجوائز الرسمية في الاحتفال، ويعد بتكريم آخر من الدولة كحق لي علي إعلاء شأنها كخامس مصري يفوز بهذا الوسام العالمي الفريد !
ماذا يحدث لي، أين أنت ياأبي لتري نتيجة لمعة عينيك الاولي، أين أنت لتجد ما خبأه لنا القدر، ومن يدري لعل ذلك استجابة لدعاء دعوته وقتما ابتسمت قائلا؛ فلربما!
يالها من لحظات.. أعرف أنك تشعر بي الآن وأنا في قمة نشوتي.. يارب أرسل له سلاما وعشقا وحبا يغمره ورحمة منك تشمله، ونعيما يفرحه بما يوازي فرحتي الآن.
انتفضت علي صوت أم العيال وهي تقول لي أصحى يا أبو أحمد أجلب للأولاد الكمامات ليذهبوا إلى الجامعة.
يا رب خلصنا من الكورونا
من الحلم الجميل بجائزة نوبل، إلى حقيقة رعب كرونا.
4 يونيو 2020
جمال أحمد ديني
(كاتب من جيبوتي)
Log into Facebook
Log into Facebook to start sharing and connecting with your friends, family, and people you know.
www.facebook.com