يرى فيورباخ أنه لا يتمُّ الكشف عن الاغتراب إلا من خلال فلسفة الدين؛ فالاغتراب أساسًا هو الاغتراب الديني، والاغتراب الديني هو أساس كل اغتراب فلسفي أو اجتماعي أو نفسي أو بدني. فإذا كان الاغتراب هو انقلاب الأنا إلى آخر فإن هذا الانقلاب يحدث أساسًا في تحوُّل الإنسان إلى الله قبل أن يتحوَّل الإنسان إلى عمل أو إلى نظام أو إلى مؤسسة أو إلى كون. فالاغتراب الديني هو أسهل اغتراب وأسرعه وأكثره مباشرة. فإذا ما حدث زلزال في كيان الإنسان وخلل في وجوده الشرعي ظهر ذلك في اللجوء إلى الله كسند وتعويض، وأصبح الإنسان في موقف زائف. فلسفة الدين إذن هي الميدان الذي يمكن من خلاله اكتشاف الاغتراب. فما هو الوضع الحالي لفلسفة الدين؟
هناك خطآن أساسيان في الفكر الديني؛ الأول: اعتبار الروايات الدينية والأخبار والقصص والآراء والأساطير وكل ما يرويه الرواة وتقصُّه النساء حقائق تاريخية تقابل شيئًا في الواقع، وهو خطأ الفلسفة الوضعية التي لا تفترق عن الفلسفة العامية الشعبية في شيء؛ والثاني: اعتبار قواعد الإيمان حقائق فلسفية يمكن البرهنة عليها عقلًا بالمنطق والدليل، وهو خطأ الفلسفة التأمُّلية التي حوَّلت العقائد إلى نظريات خاصة. وكانت النتيجة أن ضحَّت الفلسفة الوضعية بالفلسفة من أجل الدين كما ضحَّت الفلسفة التأملية بالدين من أجل الفلسفة. الأولى تجعل العقل ألعوبةً في يد المادية الشعبية، والثانية تجعل الدين ألعوبةً في يد التأمل الفلسفي. الأولى تجعل الدين يتحدَّث بدلًا عن العقل، والثانية تسمح للدين أن يقول ما تستطيع هي أن تقوله على نحو أفضل. الأولى عاجزة عن الوصول إلى حقائق الأشياء فتحيل الصور إلى وقائع، والثانية عاجزة عن الخروج عن نفسها والاتصال بالصور فتحيلها إلى أفكار ونظريات.
والحقيقة أن الفلسفة والدين شيء واحد على الرغم مما يبدو بينهما من خلاف لأن هناك وجودًا واحدًا مفكرًا يعبر عن فكره في صور وأشكال مختلفة لا تناقض بينها بل على مستويات مختلفة من التعبير الأدبي. فالقدرة الإلهية المطلقة كفكرة تعني المعجزات كصورةٍ ومُثُل، كما تعني البعث والنُّشور. ولا يظهر التناقض إلا بعد الفصل بين الإيمان والعقل وهو ما لا يقبله أي اتجاه مستنير في فلسفة الدين.
ويبدو فيورباخ هنا معتزليًّا يفسِّر اليدَ بالقُدرة، والعين بالعلم، ويحوِّل التشبيه إلى تنزيه بشرط أن يكون هذا العقل هو العقل الشامل. العقل الطبيعي الذي يتَّسق مع نفسه ويتَّسق مع الطبيعة وليس العقل الخاص عقل الإيمان، العقل هو القاعدة العامة، والإيمان هو الاستثناء الخاص؛ لذلك ارتبط الإيمان بعصر تاريخي معين، وبمكان محدد، وباسم خاص. التوحيد بين العقل والإيمان يذيب الإيمان ويحيله إلى عقل فيتحول الخاص إلى عام؛ فالخطيئة تعني أن الإنسان الطبيعي ليس كما ينبغي أن يكون، وهو ما يسلم به الناس جميعًا. لا يؤمن بالخطيئة الأولى إلا المعتقدون بها. مهمة الفكر إذن تحويل مضمون الإيمان إلى عقل. وهنا يبدو فيورباخ هيجليًّا صرفًا. يهدف من «جوهر المسيحية» إلى بيان هذه الحقائق الإنسانية البسيطة وراء الأسرار الخارجة على الطبيعة. ومع ذلك يبقى الدين والفلسفة متمايزين بالصورة. فالدين في جوهره مأساة، والله نفسه وجود مأساوي أي موجود شخصي. ومَن ينزع الصورة عن الدين ينتزع منه موضوعه ويتركه جثة هامدة لأن الصورة من حيث هي كذلك صورة شيء. ويعالج فيورباخ هذه الصور لا من حيث هي أفكار أو تدل على أفكار كما هو الحال في الفلسفة التأملية للدين لدى هيجل، ولا من حيث هي أشياء كما هو الحال في اللاهوت بل كصور. والصورة تعكس موقفًا نفسيًّا. فلا يستعمل فيورباخ اللاهوت كعلمٍ عملي صوفي كما هو الحال في الأساطير الدينية أو كأنطولوجيا كما هو الحال في الفلسفة التأملية، بل باعتباره مرضًا نفسيًّا يعبر عن اهتزاز شعوري وارتجاج في المخ وهلوسة واضطراب. لقد استطاعت الحرية والشخصية في العصر الحديث تناول الدين واللاهوت وابتلاعهما كلية. وانتهت التفرقة بين الروح القدس المنتجة والروح الإنسانية المستهلكة. وتم تحويل ما فوق الطبيعة إلى الطبيعة. ومع ذلك ظل العصر الحاضر عاجزًا أمام المسيحية كصورة، غير قادر على مواجهة هذا الشبح والحكم عليه بأنه مجرد وهم وخداع ذاتي. إن الأشباح ظلال الماضي؛ وبالتالي فإن تحليل الماضي يهدف إلى علاج الحاضر. يهدف فيورباخ إلى تأسيس علم الأمراض أو علم وظائف الأعضاء كمقدمة لعلم العلاج والعودة إلى طبائع الأشياء؛ إلى ماء الأيونيين عند طاليس وإلى نشأة الأشياء عند شيشرون عن طريق ممارسة شعار سقراط «اعرف نفسك بنفسك.» الاغتراب إذن هو موقف مَرَضي كما يصفه علم النفس. والقضاء عليه قضاء على المرض وجلب للشفاء. وهنا يبدو فيورباخ محلِّلًا نفسيًّا سابقًا على فرويد في كتابه المشهور «مستقبل وهم» The Future of Illusion. ويسمِّي فيورباخ منهج الكتاب منهج الكيمياء التحليلية أي تحليل النصوص من أجل إثبات نتائج التحليل وتأسيسها على نحوٍ موضوعي. فإذا صدمت النتائجُ مشاعرَ الناس فالمسئولية لا تقع على الباحث فيورباخ بل تقع على عاتق الموضوع ذاته، وكأن فيورباخ يريد تطبيق منهج تحليل المضمون على النصوص الدينية. والرجوع إلى النصوص الأصلية القديمة أفضل بكثير من الرجوع إلى المسيحية المعاصرة؛ فالنصوص القديمة هي الوحيدة الجديرة بالتأمُّل أما أقوال المعاصرين فسطحية حسية ينقصها الشجاعة، ويغلِّفها الجبن والنفاق. النصوص القديمة تكشف عن المسيحية وهي عذراء في حين أن أقوال المعاصرين فَقَدَت طهارتها وعفَّتها. كانت المسيحية القديمة غنيةً بكنوزها السماوية، فقيرةً بممتلكاتها الأرضية، في حين أن المسيحية المعاصرة فقيرةٌ بممتلكاتها السماوية غنيةٌ بكنوزها الأرضية. ولا توجد شواهد مسيحية معاصرة إلا هذه الشواهد الفقيرة التي لم توجدها المسيحية ذاتها بل التي أنتجتها العصور.
(يحاول فيورباخ إذن الكشف عن الاغتراب عن طريق تحليل النصوص القديمة وإثبات أن الثيولوجيا ما هي إلا أنثربولوجيا مقلوبة وأن ما يظنُّه اللاهوتي على أنه وصف لله هو في حقيقة الأمر وصف للإنسان؛ فاللاهوتي يصف نفسه ظانًّا أنه يصف الله. ويقوم بعملية خفية وهي تشخيص صفاته الخاصة ثم إخراجها وتثبيتها على آخر، شخص خاص هو الله.)
(يحاول فيورباخ أخذ النصوص القديمة عن الله وإعادة تحليلها تحليلًا نفسيًّا وجوديًّا ليكشف عن المضمون الإنساني لهذه النصوص. ويقوم بعملية تفسير جديد لها، وذلك بإعادة بناء الموقف الماضي على أساسٍ من الموقف الحاضر؛ وبالتالي يكون فيورباخ سابقًا على بولتمان وهيدجر وعلم التفسير الحديث في الكشف عن الواقعة الإنسانية الحية من خلال تحليل النصوص الدينية القديمة. الأنثربولوجيا هي سر الثيولوجيا، وتاريخ العقيدة أو تاريخ اللاهوت هو في حد ذاته نقد للعقيدة في اللاهوت. لقد كانت الثيولوجيا في تاريخها الطويل أنثروبولوجيا، وكان موضوعها وهو الله وصفًا للواقعة الإنسانية؛ وبالتالي يكون هيجل على حق في مهمته التاريخية في الكشف عن الروح في التاريخ، ولكن ما حاوله القدماء على نَحْو بَعْدي — بناء العقيدة في التاريخ — يحاوله فيورباخ على نحوٍ قَبْلي بإرجاع النصوص إلى الواقعة الإنسانية. الثيولوجيا إذن اغترابٌ للأنثروبولوجيا، وعالَم اللاهوت مغترب عن عالم الإنسان، والتفكير في الله اغتراب عن التفكير في الإنسان.)
*****
المصدر:
حسن حنفي، دراسات فلسفية (الجزء الثاني): في الفلسفة الغربية الحديثة والمعاصرة، ١٩٨٧
هناك خطآن أساسيان في الفكر الديني؛ الأول: اعتبار الروايات الدينية والأخبار والقصص والآراء والأساطير وكل ما يرويه الرواة وتقصُّه النساء حقائق تاريخية تقابل شيئًا في الواقع، وهو خطأ الفلسفة الوضعية التي لا تفترق عن الفلسفة العامية الشعبية في شيء؛ والثاني: اعتبار قواعد الإيمان حقائق فلسفية يمكن البرهنة عليها عقلًا بالمنطق والدليل، وهو خطأ الفلسفة التأمُّلية التي حوَّلت العقائد إلى نظريات خاصة. وكانت النتيجة أن ضحَّت الفلسفة الوضعية بالفلسفة من أجل الدين كما ضحَّت الفلسفة التأملية بالدين من أجل الفلسفة. الأولى تجعل العقل ألعوبةً في يد المادية الشعبية، والثانية تجعل الدين ألعوبةً في يد التأمل الفلسفي. الأولى تجعل الدين يتحدَّث بدلًا عن العقل، والثانية تسمح للدين أن يقول ما تستطيع هي أن تقوله على نحو أفضل. الأولى عاجزة عن الوصول إلى حقائق الأشياء فتحيل الصور إلى وقائع، والثانية عاجزة عن الخروج عن نفسها والاتصال بالصور فتحيلها إلى أفكار ونظريات.
والحقيقة أن الفلسفة والدين شيء واحد على الرغم مما يبدو بينهما من خلاف لأن هناك وجودًا واحدًا مفكرًا يعبر عن فكره في صور وأشكال مختلفة لا تناقض بينها بل على مستويات مختلفة من التعبير الأدبي. فالقدرة الإلهية المطلقة كفكرة تعني المعجزات كصورةٍ ومُثُل، كما تعني البعث والنُّشور. ولا يظهر التناقض إلا بعد الفصل بين الإيمان والعقل وهو ما لا يقبله أي اتجاه مستنير في فلسفة الدين.
ويبدو فيورباخ هنا معتزليًّا يفسِّر اليدَ بالقُدرة، والعين بالعلم، ويحوِّل التشبيه إلى تنزيه بشرط أن يكون هذا العقل هو العقل الشامل. العقل الطبيعي الذي يتَّسق مع نفسه ويتَّسق مع الطبيعة وليس العقل الخاص عقل الإيمان، العقل هو القاعدة العامة، والإيمان هو الاستثناء الخاص؛ لذلك ارتبط الإيمان بعصر تاريخي معين، وبمكان محدد، وباسم خاص. التوحيد بين العقل والإيمان يذيب الإيمان ويحيله إلى عقل فيتحول الخاص إلى عام؛ فالخطيئة تعني أن الإنسان الطبيعي ليس كما ينبغي أن يكون، وهو ما يسلم به الناس جميعًا. لا يؤمن بالخطيئة الأولى إلا المعتقدون بها. مهمة الفكر إذن تحويل مضمون الإيمان إلى عقل. وهنا يبدو فيورباخ هيجليًّا صرفًا. يهدف من «جوهر المسيحية» إلى بيان هذه الحقائق الإنسانية البسيطة وراء الأسرار الخارجة على الطبيعة. ومع ذلك يبقى الدين والفلسفة متمايزين بالصورة. فالدين في جوهره مأساة، والله نفسه وجود مأساوي أي موجود شخصي. ومَن ينزع الصورة عن الدين ينتزع منه موضوعه ويتركه جثة هامدة لأن الصورة من حيث هي كذلك صورة شيء. ويعالج فيورباخ هذه الصور لا من حيث هي أفكار أو تدل على أفكار كما هو الحال في الفلسفة التأملية للدين لدى هيجل، ولا من حيث هي أشياء كما هو الحال في اللاهوت بل كصور. والصورة تعكس موقفًا نفسيًّا. فلا يستعمل فيورباخ اللاهوت كعلمٍ عملي صوفي كما هو الحال في الأساطير الدينية أو كأنطولوجيا كما هو الحال في الفلسفة التأملية، بل باعتباره مرضًا نفسيًّا يعبر عن اهتزاز شعوري وارتجاج في المخ وهلوسة واضطراب. لقد استطاعت الحرية والشخصية في العصر الحديث تناول الدين واللاهوت وابتلاعهما كلية. وانتهت التفرقة بين الروح القدس المنتجة والروح الإنسانية المستهلكة. وتم تحويل ما فوق الطبيعة إلى الطبيعة. ومع ذلك ظل العصر الحاضر عاجزًا أمام المسيحية كصورة، غير قادر على مواجهة هذا الشبح والحكم عليه بأنه مجرد وهم وخداع ذاتي. إن الأشباح ظلال الماضي؛ وبالتالي فإن تحليل الماضي يهدف إلى علاج الحاضر. يهدف فيورباخ إلى تأسيس علم الأمراض أو علم وظائف الأعضاء كمقدمة لعلم العلاج والعودة إلى طبائع الأشياء؛ إلى ماء الأيونيين عند طاليس وإلى نشأة الأشياء عند شيشرون عن طريق ممارسة شعار سقراط «اعرف نفسك بنفسك.» الاغتراب إذن هو موقف مَرَضي كما يصفه علم النفس. والقضاء عليه قضاء على المرض وجلب للشفاء. وهنا يبدو فيورباخ محلِّلًا نفسيًّا سابقًا على فرويد في كتابه المشهور «مستقبل وهم» The Future of Illusion. ويسمِّي فيورباخ منهج الكتاب منهج الكيمياء التحليلية أي تحليل النصوص من أجل إثبات نتائج التحليل وتأسيسها على نحوٍ موضوعي. فإذا صدمت النتائجُ مشاعرَ الناس فالمسئولية لا تقع على الباحث فيورباخ بل تقع على عاتق الموضوع ذاته، وكأن فيورباخ يريد تطبيق منهج تحليل المضمون على النصوص الدينية. والرجوع إلى النصوص الأصلية القديمة أفضل بكثير من الرجوع إلى المسيحية المعاصرة؛ فالنصوص القديمة هي الوحيدة الجديرة بالتأمُّل أما أقوال المعاصرين فسطحية حسية ينقصها الشجاعة، ويغلِّفها الجبن والنفاق. النصوص القديمة تكشف عن المسيحية وهي عذراء في حين أن أقوال المعاصرين فَقَدَت طهارتها وعفَّتها. كانت المسيحية القديمة غنيةً بكنوزها السماوية، فقيرةً بممتلكاتها الأرضية، في حين أن المسيحية المعاصرة فقيرةٌ بممتلكاتها السماوية غنيةٌ بكنوزها الأرضية. ولا توجد شواهد مسيحية معاصرة إلا هذه الشواهد الفقيرة التي لم توجدها المسيحية ذاتها بل التي أنتجتها العصور.
(يحاول فيورباخ إذن الكشف عن الاغتراب عن طريق تحليل النصوص القديمة وإثبات أن الثيولوجيا ما هي إلا أنثربولوجيا مقلوبة وأن ما يظنُّه اللاهوتي على أنه وصف لله هو في حقيقة الأمر وصف للإنسان؛ فاللاهوتي يصف نفسه ظانًّا أنه يصف الله. ويقوم بعملية خفية وهي تشخيص صفاته الخاصة ثم إخراجها وتثبيتها على آخر، شخص خاص هو الله.)
(يحاول فيورباخ أخذ النصوص القديمة عن الله وإعادة تحليلها تحليلًا نفسيًّا وجوديًّا ليكشف عن المضمون الإنساني لهذه النصوص. ويقوم بعملية تفسير جديد لها، وذلك بإعادة بناء الموقف الماضي على أساسٍ من الموقف الحاضر؛ وبالتالي يكون فيورباخ سابقًا على بولتمان وهيدجر وعلم التفسير الحديث في الكشف عن الواقعة الإنسانية الحية من خلال تحليل النصوص الدينية القديمة. الأنثربولوجيا هي سر الثيولوجيا، وتاريخ العقيدة أو تاريخ اللاهوت هو في حد ذاته نقد للعقيدة في اللاهوت. لقد كانت الثيولوجيا في تاريخها الطويل أنثروبولوجيا، وكان موضوعها وهو الله وصفًا للواقعة الإنسانية؛ وبالتالي يكون هيجل على حق في مهمته التاريخية في الكشف عن الروح في التاريخ، ولكن ما حاوله القدماء على نَحْو بَعْدي — بناء العقيدة في التاريخ — يحاوله فيورباخ على نحوٍ قَبْلي بإرجاع النصوص إلى الواقعة الإنسانية. الثيولوجيا إذن اغترابٌ للأنثروبولوجيا، وعالَم اللاهوت مغترب عن عالم الإنسان، والتفكير في الله اغتراب عن التفكير في الإنسان.)
*****
المصدر:
حسن حنفي، دراسات فلسفية (الجزء الثاني): في الفلسفة الغربية الحديثة والمعاصرة، ١٩٨٧
Bei Facebook anmelden
Melde dich bei Facebook an, um dich mit deinen Freunden, deiner Familie und Personen, die du kennst, zu verbinden und Inhalte zu teilen.
www.facebook.com