نقلوا ما استطاعوا من متاع، في الحارة ترتطم الأجساد ذهابًا وإيابًا، لا وقت، الناس تتخطف من حولهم، تتعثر أقدامهم من تحتهم في الأرض المحفورة مقابر. حملوا الأحلام والأكفان. أسعدهم حظًا لحق بالسبنسة ومن تذيلوا قافلة الراحلين، حُشروا في عربة المواشي. تسلقت عيونهم الدامعة الشبابيك المسيجة بقضبان الحديد الصدئ. يودعون بيوتهم وذكرياتهم وقبور أحبائهم، الأم والأب مضغا وعود الحواة، فبدت لهما سوآتهما، وطفقا يخصفان على لحوم أطفالهما العارية، بما حملوه من أسمال .
يأتيهم صوت فيروز "أجراس العودة فلتقرع". رد أحدهم مُتهكمًا: ولكن من أين العودة يا فيروز؟.. خازوق دق ولن يُقلع.
في محطة الزقازيق فاصلوا العربجي طويلاً، ليحملهم بحنطوره إلى القرية، حاولوا استمالته، الرجل الفظْ لم يرق قلبه لحالهم: خمسة وعشرون قرشًا يا بلاش. تركوه. اغتاظ فض غشاء سرهم. صرف عينيه تلقاء عسكري الدورية وحيدًا في الشارع. علا صوته: ابقوا خليه ينفعكم!
دخلوا القرية ليلاً، استأنسوا بالعتمة، حملوا مثلها بين متاعهم. لمبة الجاز الوحيدة ادخروها لتدميس قدرة الفول. خُيروا: بون الجاز والنور أم كسرة خبز مغموسة بالمشي داخل الحيطان؟
نهارها قسوة وليلها عتمة، تغلق الأبواب بعد المغرب على الأنّات الحبيسة ووجع أطفال، عادوا لتوهم من جمع "اللطع" في حقول القطن البعيدة، تقوست ظهورهم كالمناجل، وخطّت عصا الخولي عليها حفرًا وأخاديد، ترتع البلهارسيا في أكبادهم، وتجري في عروقهم مجرى الدم. صبية يلهون بأكفانهم، ولا يدرون أنهم يختصرون المسافات إلى المقابر، تبًا للمجرمين!
على الترعة التي يتقاسم الناموس والذباب ملكيتها، تطل خشب مسندة. قالوا إنها هياكل مدرسة لم يدخلها أحد فأغلقتها القوارض الجائعة. ابتاعها حلاق القرية، أحالها إلى معالف للكباش والنعاج، فخرج الحكيم خائفًا يترقب "قال ربي نجني من القوم الظالمين".
أرسلوا العسس ليلاً إلى الغُرَز، دخان المعسل الممزوج بالحشيش يسد رئة المكان، عصير القصب البايت لفلف العقول بسوليفان التلذذ بالغيبوبة، غادر العسس وكتبوا: نام قرير العين.. أحلام سعيدة.
الناس في الشارع يتلفتون، يتخافتون. إذا ذكروا حاجتهم إلى إنارة القرية تحسسوا رقابهم، وتذكروا عظة الإمام الجمعة الماضية: دعوا الصناديق المحمولة داخل الرؤوس معتمة. نائب "الدايرة" لا يريد فتحها، سيصلبكم على جذوع النخل، وسيقطع أرجلكم وأيديكم من خلاف، فتح الشبابيك على كُتّاب الشيخ مصطفى يقض مضجعه. اللهم بلغت الله فاشهد
على الجسر وفي الطريق إلى بيت العائلة القديم والمهجور، تلفت تفقد من حوله، ثم همس في أذن زوجته: هلا علمت الآن لم خرج النحل الذي أرسلوه إلى التلال ولم يعد محملاً بالرحيق؟
شدوا مزلاج الباب، دلفوا إلى داخل الدار، ظل لسنوات في حراسة عفريت "بدرية" التي قيل إنها سقطت من أعلاه فماتت، دخلوه ولم يخرجوا.
يأتيهم صوت فيروز "أجراس العودة فلتقرع". رد أحدهم مُتهكمًا: ولكن من أين العودة يا فيروز؟.. خازوق دق ولن يُقلع.
في محطة الزقازيق فاصلوا العربجي طويلاً، ليحملهم بحنطوره إلى القرية، حاولوا استمالته، الرجل الفظْ لم يرق قلبه لحالهم: خمسة وعشرون قرشًا يا بلاش. تركوه. اغتاظ فض غشاء سرهم. صرف عينيه تلقاء عسكري الدورية وحيدًا في الشارع. علا صوته: ابقوا خليه ينفعكم!
دخلوا القرية ليلاً، استأنسوا بالعتمة، حملوا مثلها بين متاعهم. لمبة الجاز الوحيدة ادخروها لتدميس قدرة الفول. خُيروا: بون الجاز والنور أم كسرة خبز مغموسة بالمشي داخل الحيطان؟
نهارها قسوة وليلها عتمة، تغلق الأبواب بعد المغرب على الأنّات الحبيسة ووجع أطفال، عادوا لتوهم من جمع "اللطع" في حقول القطن البعيدة، تقوست ظهورهم كالمناجل، وخطّت عصا الخولي عليها حفرًا وأخاديد، ترتع البلهارسيا في أكبادهم، وتجري في عروقهم مجرى الدم. صبية يلهون بأكفانهم، ولا يدرون أنهم يختصرون المسافات إلى المقابر، تبًا للمجرمين!
على الترعة التي يتقاسم الناموس والذباب ملكيتها، تطل خشب مسندة. قالوا إنها هياكل مدرسة لم يدخلها أحد فأغلقتها القوارض الجائعة. ابتاعها حلاق القرية، أحالها إلى معالف للكباش والنعاج، فخرج الحكيم خائفًا يترقب "قال ربي نجني من القوم الظالمين".
أرسلوا العسس ليلاً إلى الغُرَز، دخان المعسل الممزوج بالحشيش يسد رئة المكان، عصير القصب البايت لفلف العقول بسوليفان التلذذ بالغيبوبة، غادر العسس وكتبوا: نام قرير العين.. أحلام سعيدة.
الناس في الشارع يتلفتون، يتخافتون. إذا ذكروا حاجتهم إلى إنارة القرية تحسسوا رقابهم، وتذكروا عظة الإمام الجمعة الماضية: دعوا الصناديق المحمولة داخل الرؤوس معتمة. نائب "الدايرة" لا يريد فتحها، سيصلبكم على جذوع النخل، وسيقطع أرجلكم وأيديكم من خلاف، فتح الشبابيك على كُتّاب الشيخ مصطفى يقض مضجعه. اللهم بلغت الله فاشهد
على الجسر وفي الطريق إلى بيت العائلة القديم والمهجور، تلفت تفقد من حوله، ثم همس في أذن زوجته: هلا علمت الآن لم خرج النحل الذي أرسلوه إلى التلال ولم يعد محملاً بالرحيق؟
شدوا مزلاج الباب، دلفوا إلى داخل الدار، ظل لسنوات في حراسة عفريت "بدرية" التي قيل إنها سقطت من أعلاه فماتت، دخلوه ولم يخرجوا.