تهامة رشيد - أول يوم في المدرسة

تمشي فتاة صغيرة بخطى ملتوية،فوق طريق ترابية متعرجة كثيرة الهفوات
كما ستكون عليه هذه الفتاة فيما بعد
تمشي وهي تخبئ تحت بنطالها وصدريتها الطويلة الم رجليها..
فلقد تعلمت القراءة والكتابة
وأكلت كذا خرطوم على رجليها بسبب حرف الواو
حيث لم تتمكن من تدويره رغم إتقانها لبقية الحروف
ومن يومها تكره التدوير
ولا تدري سر حب الرجال للدوائر.
تمشي تلك الطفلة القصيرة القامة - والتي سيتأخر لديها كل شيءحتى الطول(ستطول بعد ان تتوقف رفيقاتها عن النمو)-وتتذكر
كيف اخذها عمها الاصغر لمحل التصوير منذ عدة أيام لتتصور لأجل إضبارة المدرسة،وحملها على كتفيه لنصف المسافة.
وكانت هذه اول مرة يتمكنون فيها من تثبيتها عند المصور المخيف الذي تعذب كثيرا لالتقاط صورة لها لاتغمض فيها عيناها او لا تبكي.
وكانت تلبس طقما سكري اللون يشبه بدلات عمل الرجال وكندرة بيضاة
تحف كعب آخيل عندها ليفيض الدم على تراب الطريق..
وصلت المدرسة ترافقها اختا كبرى تدرس في مدرسة ملاصقة لتلك التي ستصبح مدرستها لاربع سنوات قادمة..
قالت اختها:بعد قليل سيدخلون الصف روحي
وارجعي بنهاية الدوام ألاقيك هنا على الباب..
وتركتها وحيدة وحيدة.
وكانت اختها تكبرها بسنتين ونصف وعشرة سنتمترات ووجه ابيض مشبع بخدين ورريين
أما هي تطل بوجه مربع نحيل وخدين خاسفين لأنها لا تأكل..وعينين خضراوين مشعتين لكن صغيرتين..
لم تعرف مالذي حدث... هجمت البنات ودخلن المدرسة ودخلت هي..
وفي صف يعج بفتيات
بعيون قذرة ..
وشعور مقملة وأظافر طويلة..
جلست كأوروبية تكتشف إفريقيا الإنسان الأول
أو كغريبة بين جموع لا تتكلم العربية
وطال الوقت لتكتشف أنهن فتيات تركمانيات
وانها هي وفردوس وضياء..
فقط عربيات هنا..
وتساءلت:أليس لديهن ماء وأم تحممهن..!؟
وهكذا بدأت أول المآسي باضطرارها لكتابة أسماء ٤٢ طالبة لا يعرفن الكتابة ولا اللغة العربية...
فلقد أسكن أبوها العائلة في حي التركمان رغما عن انف الأم..فالأجور هنا أرخص..
المأساة لها فصول،
وكان الفصل الأول أن انتهى الدوام ولم تعرف
ووقفت منتظرة اللاشيء.
وامتلأت المدرسة بالصبيان القساة
ورُكلت بالرجلين.
وضرب أحدهم بقبضته على صدرها الهش..
ودخل الصبيان بهمجية المغول...
وبعد ان كاد يغمى عليها من البكاء والخوف والدفاع عن نفسها بيديها ورجليها
انتشلها صوت ضاحك ووجه جميل يشبه(ليوناردو دي كابريو)
إنه اخوها الكبير:هههه
هيا.. روحي ع البيت
خلص دوام البنات..
ولك غبية ليش عم تبكي..
ردّت:لا أعرف طريق البيت...
وحملها على كتفه بخفة وأوصلها للطريق العامة..
وبعدها نحتت الطريق الترابي برجليها عائدة..
وأخفت دموعها عن الأبوين
وحكت فقط عن مدح المعلمة لها ولخطها
وعن أنهم جلبوا لها مقعداً
مخصصاً للمشلولين... (هكذا قالت الآنسة)
لأنها قصيرة جداً
قالت الأم: كلي كلي
ستطولين
ردّت خائفة: لدي درس
(ارسم بابا
ارسم ماما
بالألوان....
أحيا حراً أنا فنان)
قال الأب:حسناً اكتبي الدرس أولاً..


تهامةرشيد - من كتاب (حبال العنكبوت)



https://www.facebook.com/permalink.php?story_fbid=1055298542004824&id=100025740646876

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...