وضحكنا حتى سالت دموعنا أنا وهو..
سألته سؤالاً استنكارياً:
- ٥٥
فهز رأسه لأعلى وأسفل عدة مرات وعيناه مغمضتان ومن أنفه يطرطق الهواء المكتوم حتى لا يضحك..
وأستمر ضحكنا..ومسحت الدموع من عيني..ونظرت إليه وكان هو ينظر لي من طرف عينيه..ثم انفجرنا ضاحكين مرة أخرى..
غمغم:
- خمسة وخمسون..خمسة وخمسون..
قلت:
- اقتربت من الكولونيا..
فنظر لي ثم انفجرنا ضاحكين..فطرشت القهوة من فمي...
نهض وهو يقاوم الضحك..
- سأذهب..
واختفى..فغامرني الإحباط..أدركت أن كتابة القصص هي ما أوصلتني لما أناْ عليه..غير أنني لم أكن متنمراً مثله حين قال باعتداد:
- نهري كالطوفان..قبل الثلاثين سيكون لي شأن..
شعرت بالفزع حينها حتى أنني اعتقدت بأنني حسدته. كنا في بداية العشرين ونحن نقاوم الخوف من الفتيات الجميلات..كان أول مجتمع مختلط نعيش فيه...وها هو في الخامسة والخمسين وقد فقد حتى ذلك الخوف الجميل..
- في الدلتا قبل المصب الأخير..وأنا احدق في عيني امرأتي..والتي لم أعرف حتى اليوم كيف أصبحت زوجتي..هكذا فقط أصبحنا سوياً..
- لم تعد تهتم بنظافتك..أنظر لأظافرك..إنها طويلة وسوداء..
قالت ببطء وبحذر منح حديثها قيمة مرعبة لا أعرف سببها..
ربما تعني ذلك الشيء؟ أو ربما لا.. لا يهم..
ارتديت بنطالي وشبشبي وقبعتي المسطحة وخرجت دون أن أعرف إلى أين..
المنطقة هادئة والمنازل مشجرة، والسيارات الفارهة مبعثرة أمام البيبان..وهناك خفير وشرطي يتسامران باستمرار..كان كلاهما يحرسان أحد قصور الأغنياء..وحين انعطفت إلى ناصية الدكان شعرت بارتفاع نبضات قلبي وبجبهتي تتعرق، فاشتريت شراباً مٌحلّى، وعدت أدراجي مستلقيا على السرير، رأيت بقجة من وراء كرشي تذهب وتأتي فرفعت رأسي، كانت تربط رأسها بقطعة قماش..لا زالت في بداية الأربعين ولكنني أعتقد أنها لا تملك مؤهلات كافية للخيانة..وهذا ليس جيداً مع أمراض القلب والشرايين والسكر والضغط التي تعصف بي..غير أنها بدت مكتفية بشيء ما لا أعرفه. إذاً؛ فليس الأمر بالمهم.
-أين نحن..
- نحن في الدلتا قبل المصب الأخير..
قهقهت حين تذكرت وصفه هذا..لا أحد يتصور هذا العبور، إننا نُجمد وعينا بالزمن في اللحظة الراهنة..كيف يتسنّى لنا ذلك..هكذا نعدم فكرة الفناء باستمرار..وسمعت صوت مكتوماً..فقفزت من السرير...ورأيت البقجة تحت قدميَّ وجثتها هناك...
...
- أين نحن يا صديقي الآن؟
سألني فقلت:
- لا أعرف..لقد عشت طويلاً من بعدها.. تجاوزت المصب..تجاوزته بكثير..
- سبعون؟
أومأت برأسي.
كان ينظر لي بعينين رماديتين وداخلهما بقع المياه البيضاء..وفقدت أنا الكثير من الحروف بلساني..
سرنا ولم يكن هناك الخفير والشرطي ولا حتى القصر..
- كيف حدث هذا وأنت تبتلع تسعة أقراص دواء في اليوم..
هززت رأسي نصف هزة..ثم رأيت شابة تمر بقربي وهي خائفة..تحسبني مجنوناً لأنني أتحدث إلى نفسي..إن نفسي تأتي وتذهب باستمرار يا بنيتي..تأتي وتذهب باستمرار..ولا جديد في ذلك..
(تمت)..
سألته سؤالاً استنكارياً:
- ٥٥
فهز رأسه لأعلى وأسفل عدة مرات وعيناه مغمضتان ومن أنفه يطرطق الهواء المكتوم حتى لا يضحك..
وأستمر ضحكنا..ومسحت الدموع من عيني..ونظرت إليه وكان هو ينظر لي من طرف عينيه..ثم انفجرنا ضاحكين مرة أخرى..
غمغم:
- خمسة وخمسون..خمسة وخمسون..
قلت:
- اقتربت من الكولونيا..
فنظر لي ثم انفجرنا ضاحكين..فطرشت القهوة من فمي...
نهض وهو يقاوم الضحك..
- سأذهب..
واختفى..فغامرني الإحباط..أدركت أن كتابة القصص هي ما أوصلتني لما أناْ عليه..غير أنني لم أكن متنمراً مثله حين قال باعتداد:
- نهري كالطوفان..قبل الثلاثين سيكون لي شأن..
شعرت بالفزع حينها حتى أنني اعتقدت بأنني حسدته. كنا في بداية العشرين ونحن نقاوم الخوف من الفتيات الجميلات..كان أول مجتمع مختلط نعيش فيه...وها هو في الخامسة والخمسين وقد فقد حتى ذلك الخوف الجميل..
- في الدلتا قبل المصب الأخير..وأنا احدق في عيني امرأتي..والتي لم أعرف حتى اليوم كيف أصبحت زوجتي..هكذا فقط أصبحنا سوياً..
- لم تعد تهتم بنظافتك..أنظر لأظافرك..إنها طويلة وسوداء..
قالت ببطء وبحذر منح حديثها قيمة مرعبة لا أعرف سببها..
ربما تعني ذلك الشيء؟ أو ربما لا.. لا يهم..
ارتديت بنطالي وشبشبي وقبعتي المسطحة وخرجت دون أن أعرف إلى أين..
المنطقة هادئة والمنازل مشجرة، والسيارات الفارهة مبعثرة أمام البيبان..وهناك خفير وشرطي يتسامران باستمرار..كان كلاهما يحرسان أحد قصور الأغنياء..وحين انعطفت إلى ناصية الدكان شعرت بارتفاع نبضات قلبي وبجبهتي تتعرق، فاشتريت شراباً مٌحلّى، وعدت أدراجي مستلقيا على السرير، رأيت بقجة من وراء كرشي تذهب وتأتي فرفعت رأسي، كانت تربط رأسها بقطعة قماش..لا زالت في بداية الأربعين ولكنني أعتقد أنها لا تملك مؤهلات كافية للخيانة..وهذا ليس جيداً مع أمراض القلب والشرايين والسكر والضغط التي تعصف بي..غير أنها بدت مكتفية بشيء ما لا أعرفه. إذاً؛ فليس الأمر بالمهم.
-أين نحن..
- نحن في الدلتا قبل المصب الأخير..
قهقهت حين تذكرت وصفه هذا..لا أحد يتصور هذا العبور، إننا نُجمد وعينا بالزمن في اللحظة الراهنة..كيف يتسنّى لنا ذلك..هكذا نعدم فكرة الفناء باستمرار..وسمعت صوت مكتوماً..فقفزت من السرير...ورأيت البقجة تحت قدميَّ وجثتها هناك...
...
- أين نحن يا صديقي الآن؟
سألني فقلت:
- لا أعرف..لقد عشت طويلاً من بعدها.. تجاوزت المصب..تجاوزته بكثير..
- سبعون؟
أومأت برأسي.
كان ينظر لي بعينين رماديتين وداخلهما بقع المياه البيضاء..وفقدت أنا الكثير من الحروف بلساني..
سرنا ولم يكن هناك الخفير والشرطي ولا حتى القصر..
- كيف حدث هذا وأنت تبتلع تسعة أقراص دواء في اليوم..
هززت رأسي نصف هزة..ثم رأيت شابة تمر بقربي وهي خائفة..تحسبني مجنوناً لأنني أتحدث إلى نفسي..إن نفسي تأتي وتذهب باستمرار يا بنيتي..تأتي وتذهب باستمرار..ولا جديد في ذلك..
(تمت)..