أشرف دسوقي علي - لماذا يتواري المبدع العربي؟!

لفت انتباهي بعض المقالات التي كتبت عن الروائي التركي صاحب نوبل " أورهان باموك " , حيث تناولت هذه المقالات سيرته الذاتية , واستعراض لمؤلفاته , وكذلك حيثيات الحصول علي جائزة نوبل , وبعيدا عن التقارب أو التباعد في الافكار والمفاهيم _ فلست هنا بصدد مناقشة ذلك الان _ إلا أن ما أثار اهتمامي هو نقد الكثيرين للأسلوب الدعائي الذي يمارسه "باموك ", فهو يعلن عن أعماله في التليفزيون والصحف , بل تجاوز ذلك ‘إلي الإعلان عنها من خلال اللوحات المنتشرة في الطريق , وكأنه يعلن عن منظف جديد أو بناء مدينة سكنية , في أرقي الأحياء , وتوقف الكثيرون أمام ذلك , وتساءلوا :- هل يليق بالادب ان يشبه سلعة , يعلن عنها في الطرقات العامة , وأن نري فتاة إعلانات علي شاشة محطات المترو , بابتسامة عريضة , -في خلال الثلاثين ثانية _ تعلن عن رواية " للعشاق فقط "مثلا ؟ , وهل نقبل نحن أن نعلن عن كتاباتنا بهذا الشكل , كأن أقوم بحملة دعائية لأحد دواويني المعنون ب " وساوس والسبب ليلي " بنفس الطريقة ؟!
لقد تم الاعلان عن كل شئ في هذا العالم , لكن الادب ظل مهضوما , متخندقا في زوايا , محنطا في متاحف ,يكتبه البؤساء والمستضعفون _إلا قليلا _ ويتحدثون عنه في زوايا ضيقة وكأنه عمل سري , وحتي إذا ما راي النور إعلاميا , فإنه يراه خجولا كئيبا ,متواريا أكثر منه , معلنا عن نفسه , ولقد تساءلت ذات مرة , وقد لفت انتباهي , وأنا في احد المعارض التشكيلية , كيف أن التشكيليين متأنقين , وكانهم ليلة عيد أو ليلة عرس , في حين أن الندوات الشعرية, علي سبيل المثال , نجد الكثير منها , كأنه مكب للنفايات , لماذا يهمل الأديب والشاعر وصاحب الكلمة مظهره الشخصي , ويتكتم كلمته -رغم أن الكثير من هذه الكلمات لا يمس أحدا , كيف تكون مدينة كبيرة كالاسكندرية , دائمة الشكوي من عدم وجود وسيلة إعلامية تفتح طاقة من النور للابداعات الادبية والفكرية , وبالبحث والتقصي , كانت النتيجة الغريبة , أنه الكسل الازلي الذي ينتاب الشاعروالأاديب والمفكر , والصراعات غير المجدية , وترك اللباب الحقيقي للفكرة ,في حين يمكن لمجموعة أدباء الالتفاف حول مطبوعة بسيطة غير دورية , تصدر بأعداد محدودة , ولو نصف سنوية , يمكن أن تصل إلي العالم كله , يمكن من خلال النت أن يتواصل المرء مع الوجود في ثوان معدودات , دون أدني تكاليف , لقد غاب دور المثقف والكاتب بفعل فاعل ألا وهو المثقف نفسه , الذي يتنازل عن الفرص وأنصافها , تنازلا مجانيا , ليقف مكانه لاعنا كل شئ , مستمرءا دور المضطهد المظلوم , الذي يعاني اعتقادا منه , أن ذلك يثري التجربة!
هل يخطئ أمثال باموك عندما يديرون حملة دعاية كبري متنوعة تخاطب المثقف والناقد ورجل الشارع في ان ؟!
وهل يحتمل الأدب مثل هذه الحملات الدعائية , وهل هذا إحدي شيمه؟
اعتقد أن الأدب في حاجة لدعاية مكثفة , وجهد كبير , فرجل الشارع البسيط لن يتساءل عن أحدث ديوان شعري أو افضل رواية , لكن العمل الدعائي يمكنه من فعل ذلك , إن للسفارات في الخارج , واتحاد الكتاب والمواقع الأدبية والثقافية المختلفة منوط بها ذلك , ويقع الدور والعبء الأكبر علي صاحب القلم نفسه , حتي تتمكن الأجهزة المعنية من تسلم هذا الدور والقيام به , فنجيب محفوظ كان يمكنه الحصول علي نوبل قبل عشرين عاما من تاريخ الحصول عليها , لولا التقصير , وعدم الدعاية الكافية و الفرص القليلة المتاحة للترجمة , وكان بالامكان أن يكون لدينا عشرات الأدباء والشعراء الحاصلين علي كبري الجوائز لو أن الالة الإعلامية كانت قد اتخذت طريقها المناسب والمفترض, ولم تعد الدعاية الاعلامية نوعا من الترف أو الشهرة وتحقيق المكاسب الشخصية لمؤلف أو كاتب , بل هي مهمة للمجتمع كله , ولتعزيز الوجود في المجتمع الدولي والقضايا الساخنة , وحسم الصراعات , خاصة عندما يتحول الأدب الي لوبي قادر علي أن يقول كلمته .
نحتاج ككتاب عرب -أن نتواجد بقوة علي خارطة الكلمة في العالم - لابالدعاية وحدها بالطبع , لكن بالكتابات الجادة , والمراجعات الأدبية والتواصل مع كل ماهو جديد في العالم , مع الاحتفاظ بهوية خاصة لكل مبدع , دون الانسحاق تحت تيارات سائدة تحول كلمتنا إلي كلمة تابعة , وهو عكس مانرجو , وإذا كانت لدينا العقول الجادة , فان حاجتنا تكمن في التفعيل والاصرار والثقة بالنفس , وأننا نستحق , دون الضجيج الذي يحدثه البعض أحيانا , ودون انتظار أو السعي بطرق غير شريفة للجوائز العالمية , والتي قد تكون علي حساب أماني البلاد , الطريق ليس صعبا , لكنه يحتاج إلي الجادين , وهم ليسوا ببعيد.




تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى