د. سيد شعبان - حالة زهايمر!

ما أبحث عنه منذ فترة طويلة يلح على خاطري ، يترآى لي في منامي ، بل يتبع صحوي ، يذكرني بماضي أيامي، لم يعد في طاقتي صبر ، كثيرا ما تخفيت عنها ، غادرت سكني أكثر من مرة ، لا أعلم من الذي يخبرها بعنواني،لديها حاسة عجيبة تتبع أثري ، في تلك المرة أصررت على المواجهة ؛ ما عاد بي صبر على أفعالها تلك، إنها لا تمل ، صنف غريب هي، تعتبرني جزءا من ممتلكاتها، في الحقيقة إنها طيبة القلب ، يكفي أنها تترك لي بعض الجنيهات ؛ أكمل بها شهري، تساعدني بما أريد من كتب وأقلام ، لا تنسى أن تشتري لي ذلك النوع من الجوارب الصوفية ، في أحيان كثيرة تترك لي رسالة مطوية تحت عقب الباب، إنها زوجتي !
أتناسى كثيرا حالة مرض الزهايمر التى اجتاحت ذاكرتي ، كثيرا ما أصحو فأجد الطعام على المائدة ، أولادي يا للهول إنهم صاروا كبارا ، أما أنا فلازلت كما عرفت منذ ما يقارب العشرين عاما نسيت صفحة وجهي!
الأشياء تغيرت كثيرا ، ثمة جيران جدد يسكنون معنا في نفس البيت، يا لغرابة النسيان إنهم أحفادي يأتون لزيارتنا ، لكنهم على ما أظن سيمكثون هنا لفترة طويلة !
إنها تمتلك قلبا طيبا، ثمة حزن يخيم على وجهها، لم أحاول أن أسألها، أنا منهمك في التفكير ، هكذا كنت ألتمس لنفسي المبررات، كل ما أتذكره ذلك التعالي الذي سيطر علي ، اعتقدت أنني أمتلك حاسة أديب، جمعت كثيرا من الكتب، تخليت عن عالم البشر ، انزويت في حجرتي، ربما أولادي لم يشعروا بي ذات يوم، مثل خيال ظل كنت أبقى بالبيت، لا نفع من ورائي ، الكتابة !
يالشدة بلاهتي، كانت هي القاريء الوحيد !
كانت ترسل إلي بكثير من رسائل الإعجاب وتوقعها بأسماء مختلفة !
لقد زرعت في ذلك الشعور بأنني أمتلك موهبة الكتابة !
كم جنيت علي وهي لاتدري!
ليتها ما فعلت، ما ضرها لو صارحتني بحقيقة ما أفعل؟!
مجرد هاو عابث!
بل لعلني أقرب إلى الهذيان؛ثمة حقائق نتجاهلها ثم حين نقف مع أنفسنا ندرك بلاهتنا، حبها لي هو من فعل هذا،
حين تذكرت كل هذا، كان أول ما ارتد إلى ذاكرتي جمال وجهها، نعم كنت متشوقا إليها ، إنها ... لقد تذكرت الآن كانت زميلتي في الجامعة ، قبلت بي رغم الفقر الذي كنت عليه ، وجدت عندها القلب الطيب!
تقاسمنا نفس المباديء ، تعاطينا من نبع ذلك الرجل الرباني القيم، إنها قصة من حب المثل والقيم ، لم نكن واهمين ، العالم به ما يستحق الحياة به!
تعاطينا الحب مثل طائرين وديعين، بعض أرغفة كانت تكفينا، باعت ما ورثته من أبيها ،أنفقت كل ما امتلكت، ساعتها أصابتني مرارة ، اليوم بكيت عمري الضائع!
لو عاد بي الزمان ما تزوجتها، لقد ظلمتها، إنها أنانيتي وجدت في زواجي منها بعض تعويض، هي عرفت ذلك صبرت على نزقي، وجب علي الآن أن أترك لها حرية الاختيار!
قرار غريب البعض سيراني متهورا ، وهل بعد عشرين عاما يعد ذلك تسرعا!
حين يأتي المساء ،سأفضي إليها بقراري!
ما أخشاه هو أن تغضب ، لا صبر لي على فراقها، أي جنون أمسك بعقلي، إنه الهذيان يعاودني، سأمسك بالقلم ،ربما تكون تلك الرسالة ناطقة ومعبرة لكن ماذا أكتب؟!



تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...