وجد هليل نفسه وقد أصبح رئيسا للقسم الثقافي في إحدى الصحف المحلية، ولما جاء إليه شاب نحيل يحمل قصيدة عن القائد، طلب هليل من الشاب، أن يجلس أمامه حتى يقرأها ويبت بصلاحيتها، أنزعج هليل من المديح الزائف الذي اغدقه الشاب على شخصية القائد، أنت الشمس وأنت القمر مع أخطاء لغوية فادحة .. نهض هليل وسلم القصيدة الى الشاب ثم طلب منه أن يمزقها ويذهب الى أقرب مكتبة يشتري ديوان المتنبي ويقرأه عشر مرات قبل أن يكتب إي قصيدة، لكن الشاب بدلا من الذهاب الى شارع السعدون لشراء الديوان ذهب الى وزارة الاعلام، والى مكتب الوزير بالذات ..
في اليوم التالي، دخل شابان أنيقان، يرتديان بدلتين بلون رصاصي الى غرفة هليل في الجريدة، فسأله أحدهما " أنت هليل؟! " قال " نعم" بخوف وبلادة، فقال الآخر " تفضل معنا " .. ألتفت هليل الى الجدران يمينا وشمالا، لاأحد سواه في الغرفة، لا أحد أسمه هليل في الجريدة كلها، نهض عن كرسيه وسار بينهما بخطى ثقيلة، كان يتمنى أن لا يراه أحد من الزملاء، خصوصا نرجس، الفتاة الأنيقة الجميلة التي تأتي إليه كل يوم قبل ساعة من نهاية الدوام تبادله الضحكات والنقاش الجاد في المواد التي ينشرها وتستمع الى قصائده التي لايحبذ نشرها، وتحلق بخيالها في الاراء الفلسفية التي يقولها في الحياة والناس والسياسة والفن والموت، تشعر بسعادة بالغة وهي تستمع الى صوته العميق، الذي طالما، كان تنسيها نبراته الواثقة إي فكرة كانت تدور في بالها لمواصلة النقاش معه. ولما خرج هليل بين الأنيقين كانت هي الوحيدة التي لمحته، يمسكان به من ذراعيه باتجاه باب الخروج .
وعندما وصلوا الى بناية الامن العامة، أدخل هليل الى أحدى الغرف، حيث يجلس رجل في الاربعين من عمره ممتلئ لديه كفان عريضتان، يرتدي بدلة رصاصية أيضا، متجهم الوجه ينظر الى أوراق ملف أمامه على المنضدة، وبحركة من حاجبيه، أنصرف الانيقان بعد أن ضربا الارض باحذيتهما، نهض الاربعيني بهدوء شديد، ولما أقترب من هليل، صفعه على خده الايسر صفعة قوية اوقعته أرضا، نهض هليل وهو يقول في نفسه والله انفلكنا ، بعد دقيقة عندما أستعاد توازنه شعر أن حدسه لا يخطئ في أن ما يجري له الان، بسبب الشاب النحيل شاعر قصيدة " المسيرة الظافرة " الذي رفض نشرها يوم أمس، نهض هليل واضعا يده اليسرى على خده، سأله الضابط الكبير " هل تعلم لماذا انت هنا اليوم ؟ " أجاب بخوف " انفلكنا " صاح الضابط " شنو " ردد وهو يرتجف " لا أدري سيدي ، أنتم تعلمون لم أنا هنا " اراد أن يقول له بسبب القصيدة ، لكنه خاف من الصفعة الثانية، فقال الضابط " انت هنا لإنك ماسوني حقير " قال هليل في نفسه " انعدمنا والله " !!
وبعد أربع ساعات، من الإستجواب والتحقيق، والصفعات المدوية، أكتشف الضابط ، أن الشخص الذي أمامه مسكين بسيط يمتلك معرفة وعلم غزير أثارت أعجابه ودهشته في عدد من الاجابات. فقال الضابط " هل تستطيع أن تكتب قصيدة الان عن القائد المحبوب " شعر هليل إنه نجح في إقناع الضابط بإدعائه بأن البعض لايعرف كيف يكتب عن منزلة القائد الرفيعة كمنقذ للامة، والقصيدة التي رفضها هي أساءة بالغة الى شخصه، بدليل أن صاحبها الشاعر كتب عنوان قصيدته المسيرة الظافرة بالصاد " الضافرة " وهذا خطأ املائي كارثي، فضلا عن تشويه الذات الآلهية عندما قال الشاعر للبارئ عز وجل " لانريد شمسك أن تشرق علينا مادام قائدنا هو الشمس " .. هذه العبارة التي قالها هليل، جعلت خواطر الأعجاب تعصف في عقل الضابط لاحتقاره الشديد من الشعراء، كونهم أكثر الناس كذبا على القائد.
جلبوا كرسيا وأوراقا وقلما ووضعوها أمام هليل قال الضابط باريحية بالغة " هيا أكتب قصيدة عن القائد " وبالرغم من الضيق النفسي الذي يمر به أنفتحت قريحته وكتب ، خلال أقل من ربع ساعة، قصيدة عصماء قرأها على الضابط .
دس الضابط القصيدة بين أوراقه وذهب الى البيت بينما وُضع هليل في الحجز الإنفرادي، وطلب من ضباطه الصغار عدم تعذيبه، بل أمرهم الإهتمام به. أستقبلت زوجة الضابط الجميلة زوجها، ووجدته لأول مرة يدخل البيت باشا ضاحكا، قرصها من خدها الابيض، وحضنها من الخلف، فقالت " شنو القصة اليوم " فقال لها " أنت شاعرة كبيرة، بل عظيمة أعظم من كل الشعراء، سأرسل قصيدتك الى الجريدة، " لم تفهم زوجته ما الذي يجري ، لكن الضابط عند مائدة الغداء وضح لها كل شيء، وقال لها، حتى رسالتك للحصول على شهادة الدكتوراه يمكن أن يساعدنا بها " فرحت الزوجة فرحاً بالغاً، وأرتدت بعد الغداء ملابس أكثر إغراءً ، مارس الحب معها على الاريكة وهو يحلم بمكرمة القائد السخية .
بعد يومين ، نشرت القصيدة ، وأطلع عليها القائد، وهمش على الجريدة " تقابلني الشاعرة " ذهبت زوجة الضابط الى القصر الجمهوري، وهناك بعد أن تمت المقابلة خرجت من القصر بحصولها على سيارة مارسيدي وبيت وخمسة ملايين دينار .
كادت تفر روح الضابط من بين جنبيه وهو يستقبل خبر مكرمة القائد السخية لزوجته، وفي اليوم التالي ، عندما ذهب الى دائرته، كاد أن يقبل هليل من خديه المتورمتين بالصفعات لكن " الرزانة والصرامة مطلوبة " هكذا قال لنفسه وهو يتضاحك مع السجين المسكين، قال الضابط ودموع الفرح تطفر من عينيه، " سآخذك الى البيت، ملفك سأغلقه، ولكن يجب أن تمضي وقتا معنا في البيت كي تكتب رسالة زوجتي للحصول على الدكتوراه في الادب العباسي " لم يصدق هليل ما يجري له فقال جملته " اندهرنا دهيرة " صاح الضابط " شنو " .
أفرج عن هليل من الحبس، وصعد سيارة الضابط واتجه به الى بيته، أستقبلته زوجته أحسن استقبال وهو ينظر الى البلاط المرمري، لايريد أن ينظر الى وجه الزوجة الجميلة، التي عبرت تسريحة شعرها ووقوفها باسترخاء وميلان رأسها على جنبها الايمن، وأبتسامة ساحرة، عن غنج وميوعة واضحة.
أطلّع هليل على أوراق رسالتها ، فوجد اخطاء بالغة في النحو والصرف والاملاء وطريقة تقديم وتأخير الفصول ، أنهمك بحدود سبع ساعات في التصحيح والكتابة ، وكانت الزوجة كلما غاب زوجها عن الصالة تنفرد به لتجلس بجانبه تلصق فخذها بفخذه وتسأله العديد من الاسئلة، ذلك لانها أحبت صوته وهو يتحدث معها، وكان لعابها يسيل كلما شرع في الحديث، حتى دب الارهاق والتعب في مفاصله وذهنه، تناول العشاء معهما، وأوصل الضابط هليل الى بيته، وفي اليوم التالي يجلبه بعد الدوام ليمضي بحدود سبع او ثمان ساعات، وبقي الحال هكذا طوال شهر حتى أكتملت الرسالة، وتبرع هليل بإرسالها الى باب المعظم لتطبع عند صديقه الشاعر الشعبي المعروف .
نالت زوجة الضابط درجة الدكتوراه ثم عاد هليل الى وظيفته ، رئيسا للقسم الثقافي في الجريدة ، معززا مكرما ، ولما جاء الشاعر النحيل ثانية وبيده قصيدة جديدة ، قرأها هليل وفي كل بيت يصيح الله الله ، ما هذا الجمال، صحح له بعض الاخطاء ونشرها له ، وعاش هليل عيشة سعيدة .
في اليوم التالي، دخل شابان أنيقان، يرتديان بدلتين بلون رصاصي الى غرفة هليل في الجريدة، فسأله أحدهما " أنت هليل؟! " قال " نعم" بخوف وبلادة، فقال الآخر " تفضل معنا " .. ألتفت هليل الى الجدران يمينا وشمالا، لاأحد سواه في الغرفة، لا أحد أسمه هليل في الجريدة كلها، نهض عن كرسيه وسار بينهما بخطى ثقيلة، كان يتمنى أن لا يراه أحد من الزملاء، خصوصا نرجس، الفتاة الأنيقة الجميلة التي تأتي إليه كل يوم قبل ساعة من نهاية الدوام تبادله الضحكات والنقاش الجاد في المواد التي ينشرها وتستمع الى قصائده التي لايحبذ نشرها، وتحلق بخيالها في الاراء الفلسفية التي يقولها في الحياة والناس والسياسة والفن والموت، تشعر بسعادة بالغة وهي تستمع الى صوته العميق، الذي طالما، كان تنسيها نبراته الواثقة إي فكرة كانت تدور في بالها لمواصلة النقاش معه. ولما خرج هليل بين الأنيقين كانت هي الوحيدة التي لمحته، يمسكان به من ذراعيه باتجاه باب الخروج .
وعندما وصلوا الى بناية الامن العامة، أدخل هليل الى أحدى الغرف، حيث يجلس رجل في الاربعين من عمره ممتلئ لديه كفان عريضتان، يرتدي بدلة رصاصية أيضا، متجهم الوجه ينظر الى أوراق ملف أمامه على المنضدة، وبحركة من حاجبيه، أنصرف الانيقان بعد أن ضربا الارض باحذيتهما، نهض الاربعيني بهدوء شديد، ولما أقترب من هليل، صفعه على خده الايسر صفعة قوية اوقعته أرضا، نهض هليل وهو يقول في نفسه والله انفلكنا ، بعد دقيقة عندما أستعاد توازنه شعر أن حدسه لا يخطئ في أن ما يجري له الان، بسبب الشاب النحيل شاعر قصيدة " المسيرة الظافرة " الذي رفض نشرها يوم أمس، نهض هليل واضعا يده اليسرى على خده، سأله الضابط الكبير " هل تعلم لماذا انت هنا اليوم ؟ " أجاب بخوف " انفلكنا " صاح الضابط " شنو " ردد وهو يرتجف " لا أدري سيدي ، أنتم تعلمون لم أنا هنا " اراد أن يقول له بسبب القصيدة ، لكنه خاف من الصفعة الثانية، فقال الضابط " انت هنا لإنك ماسوني حقير " قال هليل في نفسه " انعدمنا والله " !!
وبعد أربع ساعات، من الإستجواب والتحقيق، والصفعات المدوية، أكتشف الضابط ، أن الشخص الذي أمامه مسكين بسيط يمتلك معرفة وعلم غزير أثارت أعجابه ودهشته في عدد من الاجابات. فقال الضابط " هل تستطيع أن تكتب قصيدة الان عن القائد المحبوب " شعر هليل إنه نجح في إقناع الضابط بإدعائه بأن البعض لايعرف كيف يكتب عن منزلة القائد الرفيعة كمنقذ للامة، والقصيدة التي رفضها هي أساءة بالغة الى شخصه، بدليل أن صاحبها الشاعر كتب عنوان قصيدته المسيرة الظافرة بالصاد " الضافرة " وهذا خطأ املائي كارثي، فضلا عن تشويه الذات الآلهية عندما قال الشاعر للبارئ عز وجل " لانريد شمسك أن تشرق علينا مادام قائدنا هو الشمس " .. هذه العبارة التي قالها هليل، جعلت خواطر الأعجاب تعصف في عقل الضابط لاحتقاره الشديد من الشعراء، كونهم أكثر الناس كذبا على القائد.
جلبوا كرسيا وأوراقا وقلما ووضعوها أمام هليل قال الضابط باريحية بالغة " هيا أكتب قصيدة عن القائد " وبالرغم من الضيق النفسي الذي يمر به أنفتحت قريحته وكتب ، خلال أقل من ربع ساعة، قصيدة عصماء قرأها على الضابط .
دس الضابط القصيدة بين أوراقه وذهب الى البيت بينما وُضع هليل في الحجز الإنفرادي، وطلب من ضباطه الصغار عدم تعذيبه، بل أمرهم الإهتمام به. أستقبلت زوجة الضابط الجميلة زوجها، ووجدته لأول مرة يدخل البيت باشا ضاحكا، قرصها من خدها الابيض، وحضنها من الخلف، فقالت " شنو القصة اليوم " فقال لها " أنت شاعرة كبيرة، بل عظيمة أعظم من كل الشعراء، سأرسل قصيدتك الى الجريدة، " لم تفهم زوجته ما الذي يجري ، لكن الضابط عند مائدة الغداء وضح لها كل شيء، وقال لها، حتى رسالتك للحصول على شهادة الدكتوراه يمكن أن يساعدنا بها " فرحت الزوجة فرحاً بالغاً، وأرتدت بعد الغداء ملابس أكثر إغراءً ، مارس الحب معها على الاريكة وهو يحلم بمكرمة القائد السخية .
بعد يومين ، نشرت القصيدة ، وأطلع عليها القائد، وهمش على الجريدة " تقابلني الشاعرة " ذهبت زوجة الضابط الى القصر الجمهوري، وهناك بعد أن تمت المقابلة خرجت من القصر بحصولها على سيارة مارسيدي وبيت وخمسة ملايين دينار .
كادت تفر روح الضابط من بين جنبيه وهو يستقبل خبر مكرمة القائد السخية لزوجته، وفي اليوم التالي ، عندما ذهب الى دائرته، كاد أن يقبل هليل من خديه المتورمتين بالصفعات لكن " الرزانة والصرامة مطلوبة " هكذا قال لنفسه وهو يتضاحك مع السجين المسكين، قال الضابط ودموع الفرح تطفر من عينيه، " سآخذك الى البيت، ملفك سأغلقه، ولكن يجب أن تمضي وقتا معنا في البيت كي تكتب رسالة زوجتي للحصول على الدكتوراه في الادب العباسي " لم يصدق هليل ما يجري له فقال جملته " اندهرنا دهيرة " صاح الضابط " شنو " .
أفرج عن هليل من الحبس، وصعد سيارة الضابط واتجه به الى بيته، أستقبلته زوجته أحسن استقبال وهو ينظر الى البلاط المرمري، لايريد أن ينظر الى وجه الزوجة الجميلة، التي عبرت تسريحة شعرها ووقوفها باسترخاء وميلان رأسها على جنبها الايمن، وأبتسامة ساحرة، عن غنج وميوعة واضحة.
أطلّع هليل على أوراق رسالتها ، فوجد اخطاء بالغة في النحو والصرف والاملاء وطريقة تقديم وتأخير الفصول ، أنهمك بحدود سبع ساعات في التصحيح والكتابة ، وكانت الزوجة كلما غاب زوجها عن الصالة تنفرد به لتجلس بجانبه تلصق فخذها بفخذه وتسأله العديد من الاسئلة، ذلك لانها أحبت صوته وهو يتحدث معها، وكان لعابها يسيل كلما شرع في الحديث، حتى دب الارهاق والتعب في مفاصله وذهنه، تناول العشاء معهما، وأوصل الضابط هليل الى بيته، وفي اليوم التالي يجلبه بعد الدوام ليمضي بحدود سبع او ثمان ساعات، وبقي الحال هكذا طوال شهر حتى أكتملت الرسالة، وتبرع هليل بإرسالها الى باب المعظم لتطبع عند صديقه الشاعر الشعبي المعروف .
نالت زوجة الضابط درجة الدكتوراه ثم عاد هليل الى وظيفته ، رئيسا للقسم الثقافي في الجريدة ، معززا مكرما ، ولما جاء الشاعر النحيل ثانية وبيده قصيدة جديدة ، قرأها هليل وفي كل بيت يصيح الله الله ، ما هذا الجمال، صحح له بعض الاخطاء ونشرها له ، وعاش هليل عيشة سعيدة .