صابر العبسي - جنرال يسبح في النهر

علَى صخْرةٍ جلسَ الجنرالُ كعَادتِه
واضعًا ساقَه،
فوْقَ ساقٍ
لكيْ لا يفكّر،
بل كيْ يدخّنَ غلْيونَه
فجْأة...
رَاحَ ينْزعُ بدْلتَهُ العسْكريّةَ،
ثمّ ارْتمَى داخلَ النهْرِ
كيْ يتطهّرَ
منْ عرَقِ الإثْم،
كُلّ التّماسيح ماتتْ
ومَاتَ جميعُ السّمكْ
والطحَالبُ كفّتْ عن الإخْضرارِ تُولْولُ
فيمَا العَصافيرُ
تلْك التي شرّدتْها المَدينةُ،
تلك التي لمْ تطلْها رَصاصاتُه السّودُ بعد،
العصافيرُ حطّتْ،
وطارتْ بكلّ مَلابسهِ العسْكريّةِ
طارتْ...
وألْقتْ بهَا فِي مصبّ النّفاياتِ
مُنْشدةً غدَها واخْتفتْ،
فعَوى الجِنرالُ
عَوى مُكْفهرّا
سَأقتصُّ
أقْتصُّ منْكِ
فيمَا المياهُ من النهْرِ جفّتْ،
وكلُّ الشُجيرَاتِ أوْراقُها شَرعتْ في النّواحاتِ
والثلْجُ غطّى
ببرْنسِه العوْسجيّ البراريِ الفسيحةَ
والنّهرُ كالقبْرِ
راحَ يضيقُ
يَضيقُ
فنطّ إلَى البرّ
منْ يوْمِها
لمْ يعدْ قادرًا،
أنْ يرَى نفْسَه قمَرًا
لمْ يعدْ قادرًا،
أنْ يرَى نفْسَهُ بشَرًا
لمْ يَعدْ قادرًا،
أنْ يرَى
لمْ يعدْ قادرًا
أنْ يعودَ إلَى عرْشهِ
........
........
........
بعْدَ شهْرٍ من التّيهِ
والبرْقِ
والرّيح
قدْ بثّتِ الشّاشةُ الزئْبقيّةُ
عوْدتَه عاريًا
والجماهيرُ راقصة
بالقواريرِ
بالطوب والبيْضِ ترْشقَهُ
.....
.....
.....
بيْد أنّ العصافيرَ
قدْ عثرُوا في الضّواحي عليها
منتفة الريش
دون رؤوس ممزقة
رغْم ذلك
قالَ المؤرّخُ : ظلّت تغنّي

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...