صابر العبسي

الماء يغسل وجْهَهُ،أثْوابَه، أطرافه بمسامك النخل يحني هامه أعذاقه لعبورك الورْدُ يفْقدُ في البراري لوْنه، أنفاسه ما إن يشمّ من البعيد عبيرك البحر ملء البحر منتحبا على قدميك ينسجُ موجَه سجّادة لصلاتك من أين أبدأ وصفك وأنا جنوب يلتقي بشماله مهجورة كل المنازل تستحيلُ مضاءةٌ بظلالك فقّاعةُ الصّابون...
إلى الشاعر منصف الوهايبي هوذا الهنيْهةَ ههنا يأِتي ويذْهبُ في الممرّاتِ الخَبيئةِ بيْن طَاولةٍ منَ الإبلنْز والشبَّاكِ علْبتُه من الكبْريتِ غرفتُه الفسيحةُ هذه أمْ أنّها الرّحمُ الضّريحُ؟ زُجاجةُ الماغُون في يدِه لأرْحَبُ من بلاَدِ الله، أرْحبُ منْ قلوبِ النّاسِ، يأْتي حينَ يذْهبُ ثُمّ يذْهبُ...
العَصَافيرُ والورْدُ والشمْسُ والرّيحُ في البدْء جَاؤُوا جَميعًا يدًا بيدٍ جَلسُوا القرْفُصَاءَ قُبالةَ مدْفأتي حوْلَ مائدتي الخشبيّة واقْتسَمُوا الخبْز، والتبْغَ، والخمْر، والبرْتقالةَ، واحْتفلُوا راقصينَ إلىَ مطلع الفجْرِ وافْترقُوا فاخْتفُوا فلاَ الوردُ عادَ إلىَ حقْلهِ ولاَ الشمْسُ...
مِن الصعْبِ جدّا مِن الصعْب أنْ يذْرفَ الجِنرالُ الدّموعَ علَى كائنٍ بشريّ على أيّ شيء ولوْ كانَ منْ صُلْبهِ القُدُسي ولوْ كانَ في خلْوَة وحْدَه فَهلْ قدّ منْ حجَرٍ أمْ منَ المَعْدنِ الماورائيّ للآلهة ولكنّه اليْومَ فِي شَاشةِ التلْفزَةْ بكَى الجِنرالُ،بكَى جاثمًا كَالأراملِ ينْدبُ مِنْ شدّةِ...
وإنْ غنَموا التاجَ والعرْشَ موْتىَ بمحْضِ حمَاقاتِهم منذُ أنْ فكّروا بالفتوحَات أوْسِمةً منْذُ أنْ فكّروا بالنّجومِ ترصّع أكتافَهم منذُ أنْ فكّروا آخرَ الليْل ها إنّهم دخلوا القرْية الآن مثل الصّراصيرِ قدْ أتلفُوا لمْبة الضّوْءِ طاولتي سَحلُوها كمثِلِ حِصانٍ علَى العتبَةْ ردَموا البئْر واقتطعُوا...
ومَا لعزازيلَ طفْلُ السباسب هذا الشقيُّ الكحُوليّ في الأرْض منْ ترْبةٍ أوْ ثَرى وطنٍ غيْر آدم من غيْر ذاكرةٍ غيْر آدم من غيْر أجنحةٍ غيْر آدم منْ غيْر ربّ ولكنّه الآن في الركْنِ من وحْشَة القفْر بين رحَى الكشْفِ والحجْب من ألْفِ عَام قُبيْلَ الولادةِ متّهمٌ بمحاولةِ الطيران بعيدا عن الطبْل...
والنّارُ منْ بَالوعةِ الأوْهامِ والأحْلام والأعْوام، ما أبقتْ هنَا، شيْئًا عَدا نُصْبَ المُجاهدِ هادمِ اللذّات والآفاتِ أبّهة المفدّى عاليًا ملء التّحايَا زنْبقًا في الشّارِع المَلْهَاةِ يحْمِلُ إسْمَه في الشّارع الملْهَاةِ كالمِخْلاةِ للْحَشراتِ، تحْتَ السّاعةِ الخَازوقِ حيْثُ مِهادُه...
المتاه الجنون العذاب الجراح وأنت بكلّ بهائك كنهك هذا المحيّر أخّاذة الذيل ولْهى كجنّية كسّرت قيد قمقمها تتبختر في هدأة الليل فوق بساط من المخْمل القرمزيّ على جذع خرّوبة مثلما الآن تخلع أفعى مجلجلة جلدها الوبري على مهل تخْلعين بكلّ حنوّ ملابسك الداخليّة مسْرجة الضوء حاسرة خجلا أتْلفت نفسها يشهق...
خلعتْ كلّ أزْرارِ فسْتانِها اللاّزورْديّ قفّازَها والحذاءَ الخرافيَّ، جوربَها الأحْمرالمخْمليّ ، الأسَاورَ والسّاعةَ الذّهبيّةَ، حمّالةَ النّهدِ والقرْط والقبَّعه، ثمَّ ألْقتْ بهَا كلّها كالتّحايا إلى سلّةِ المُهْملات، فمنْ عادةِ المرْأةِ الأُحْجيه، عنْدمَا تتجرّدُ من أيّ شيء رفيع الفخامة يبْلَى...
علَى صخْرةٍ جلسَ الجنرالُ كعَادتِه واضعًا ساقَه، فوْقَ ساقٍ لكيْ لا يفكّر، بل كيْ يدخّنَ غلْيونَه فجْأة... رَاحَ ينْزعُ بدْلتَهُ العسْكريّةَ، ثمّ ارْتمَى داخلَ النهْرِ كيْ يتطهّرَ منْ عرَقِ الإثْم، كُلّ التّماسيح ماتتْ ومَاتَ جميعُ السّمكْ والطحَالبُ كفّتْ عن الإخْضرارِ تُولْولُ فيمَا العَصافيرُ...
البيْتُ دونَ نافذةٍ كعادته يُعْرب التُّونِسيُّ يشيّد بيتا على التلّ من جهة البحْر لكنّه مثلما العشّ من غير ولولة الرّيح يسْقط، يسْقط في الحال لم يدْرك السرّ لم يدرك السرّ قال: لعلّ إذا ربّما كنْه أحْجار أرْكانه كلُّها هشّةٌ غيْرُ مصْقولةٍ في مواقعها جيّدا والمكان الذي أبْتني فوْقَه سبْخةٌ رخْوة،...
إلى الشاعر جميل عمامي مريضا من الحبّ حبّك طبع الطبيعة، والله، والخلق و اللّغة البكر لو أنّ ما بي من الشّوق يُتلى، على جبل لتصدّع ! لو أنّ ما بي من الفقد يُتلى على شجر يابس لتهدّل بالزّهر! لو أنّ ما بي من الصمت يُتلى، على قمر لتشظّى! و ها أنذا الآن، إسفنجة تتقرحّ ساقي إلى السّقف أعلى ورأسي كما...
الثورة لا تنجب شعراء بل الشّعراء هم ينجبون الثّورة. هذا سؤال يصدر عن وعي سكوني أحادي شمولي عن وعي قبلي تقليدي إحيائي لا يخرج عن كون الأيديولوجي محددا أساسيا للشعر دونه لا يلقى حفاوة من قبل السلطة مما يحيلنا مباشرة إلى المفاضلات على نحو يرسخ مقولة الشاعر الأوحد والكاتب الأوحد والمفكر الأوحد...
الكأسُ طافحةٌ بأشْهى الزّقزقات مرارةً الكأسُ تسْقط فَجْأةً الكأسُ تسقطُ من يدي كالابْتسَامة منْ شِفاهك لاحظي كيف الزّجاجُ على الرّخامِ مُخَضَّبًا بدمي كمثْل قُماشَةٍ متشظّيًا مِلْحا يحزُّ أصابعي وأنا أهمُّ بجمْع كلّ كُسُورِها لأظلَّ مُحْتفظا بمَا رَسمتْ شِفاهُك فوْق حافّتها !
قالوا له: قالوا الذين سيولدون عن الولادة أضربوا فتبخروا هربا إلى إيطاليا قطط المزابل لم تعد محمومة لهفى تموء وأبحرت هربا إلى إيطاليا الجرذان جرذان المغاور أسلمت واستسلمت هربا إلى إيطاليا المفتي كذلك والأئمة في القوارب كلهم صلوا صلاة جماعة وتسابقوا هربا إلى إيطاليا كلّ المدارس أقفرت إن التلامذة...

هذا الملف

نصوص
24
آخر تحديث

كتاب الملف

أعلى