صابر العبسي - والنّارُ منْ بَالوعةِ الأوْهامِ

والنّارُ منْ بَالوعةِ الأوْهامِ
والأحْلام والأعْوام،
ما أبقتْ هنَا،
شيْئًا عَدا نُصْبَ المُجاهدِ
هادمِ اللذّات والآفاتِ
أبّهة المفدّى عاليًا ملء التّحايَا زنْبقًا
في الشّارِع المَلْهَاةِ يحْمِلُ إسْمَه
في الشّارع الملْهَاةِ كالمِخْلاةِ للْحَشراتِ،
تحْتَ السّاعةِ الخَازوقِ حيْثُ مِهادُه الأصْليُّ
طالعهُ ابنُ خلْدون المُكسّر
قبْره تمْثالَه الطينيّ
وهو يئنُّ
ـ من نَكدِ الحياةِ بأن أرَاك على الحِصانِ
موشّحًا ومُقلّدا بطلاً خُرافيًّا
بشتّى القهْقهَات من النّياشين العُلى والأوْسِمةْ
أمّا أنَا شبَحًا أرَاني
عنْدَ منْخفضِ الحديقةِ
في الحَضيضِ من الدّوار
تمرّبي قطعانُك الغوْغاءُ
هَائجةً،
ومائجةً،
ومائعةً،
تمرُّ ولاَ تمرُّ بخاطري
إلاّ المسُوخُ الآدميّةُّ مثلمَا الجِرْذانُ
جرذانُ الفظاعة والوضَاعةِ،
وهْيَ تنْهشُ خصْيتيّ
ونصْلِيَ الذكريّ تكْسرُه
ولكنْ لِي عَزائي أنّنِي
أحْيا هنَا ملءَ المَدائنِ كلَّها
فوْقَ العُصورِ محلّقا
أحيْا
هُنا
أعْلى القَصيدةِ واقفًا
أحْيْا أمامَ سِياج بَابِ كنيسةِ الرّومانِ
أظفرُ كلَّ سبْتٍ
بالنّساءِ الآلهاتِ من الفَواكهِ والنّبيذِ
دمَ المحبّة والمسيح معتّقًا
فيما أراكَ على الحصانِ من الدّخانِ
أمَامَ هاويةِ الجحيم رهانك الأسْمى
الحضَارةُ ليْسَ مدْجنةً،
ولاَ نُصْبًا،
ولاَ متْرُو،
ولاَهيَ آلةُ التعْذيبِ رهْن مشيئةِ الجلاّد،
غمْغمَ فارِسُ الفرْسانِ
غمْغمَ هادمُ اللذّات والآفاتِ
يبْحَثُ حوْلَه،
في الأفْقِ عنْ عكّازهِ،
حتّى يَهشَّ الآن كالأفْعَى عليْهِ
لمْ يجدْهُ،
رَاحَ يبْصقُ
لاَعنًا نحّاتَه
فيمَا ابنُ خلدون المبلّلُ
بالدّماء وبالدّموعِ،خَطا بعيدًا خطوتين
إلَى الورَاءِ مقهْقهًا ومُصّفقًا
في الشّارع التّابوتِ للفُقراء،
غمْغمَ هادمُ اللذّات والآفاتِ:
أيْنَ الجنْدُ والحرّاسُ،
والشعْبُ المُصفّقُ لي أبًا؟
عاشَ الزّعيمُ أنَا هُنا،
من شيّدَ الإنْسانَ علّمَهُ الكِتابَةَ والقِراءةَ
مثلما حرّرْتُه،
منْ قمْلِه،
منْ قيْدِه،
أخْرجْتُه منْ كهْفه،
من جُحْرهِ،
علّمتُه الأسْماءَ والسيْر البطيءَ علَى الرّصيف لكيْ يَرَى
علّمتُه الأسْماءَ كيْ يهْجُو وكيْ يرْثي
وكي ينْسَى ولاَ ينْسَى فيمْدحني
فأين الجنْدُ والحرّاسُ والشعْبُ المصفّق لي؟
فقاطعه ابنُ خلدون انْتظرْ
لاَ لسْتَ ربًّا نعبدكْ
أسْماؤُك الحسْنَى هي الزنْزَانَةُ السعْلاةُ
قدْ ضَاقتْ،
وقدْ صدئتْ،
وقدْ تلفتْ،
وقدْ مَاعتْ،
ألا تبّتْ يداكْ
هلاّ تركتَ حصانك الصوّانَ
فهْوَ نِكايةٌ بكَ قَابلٌ للاشْتعالِ
نِكَايةٌ بكَ في الهَواءِ وبي
تعالَ معي
لماذا لمْ يكنْ
في حِظوةِ الجلاّز قبْرك
هذه المَدنيّةُ الشمْطاءُ نعشُك
لستَ ربّا،
لستَ ربّا نعْبُدَكْ
لا، لسْت ربًّا
كيْ نُناشدَ مَا يؤجّلُ مصْرعكْ
لا، لست ربًّا للحقائق والرؤى
لنبايعكْ...
صنَمًا على أكْتافنَا،
صنمًا على أنفاسنا،
هيّا مَعي اتْبعْنِي
نغيّر وجْهةَ المتْرو
فإذْ بالنّارِ قدْ قطعتْ
عنِ الجمْهورِ هذي المسْرحيّةَ،
في فضَاءِ المسْرح البلديّ
في الديكورِ شبّتْ،
في كَواليسِ الإضَاءةِ
والظلال،
وفي السّتارِ،
تَعالتِ الأْصْواتُ ضَارعةً
أمَا مِنْ منْقذٍ؟
ألأنّنا كنّا مغاربةَ البسيطةِ
لا نبيّ لَنا؟
إلاَهي لاَ نُحبُّ من النّبوّةِ
سيْفَها وجيادَها
بل نورَها وسلامَها






1638802524136.png

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى