صابر العبسي - البجعه

خلعتْ كلّ أزْرارِ فسْتانِها اللاّزورْديّ
قفّازَها والحذاءَ الخرافيَّ،
جوربَها الأحْمرالمخْمليّ ،
الأسَاورَ والسّاعةَ الذّهبيّةَ،
حمّالةَ النّهدِ والقرْط والقبَّعه،
ثمَّ ألْقتْ بهَا كلّها كالتّحايا إلى سلّةِ المُهْملات،
فمنْ عادةِ المرْأةِ الأُحْجيه،
عنْدمَا تتجرّدُ من أيّ شيء
رفيع الفخامة يبْلَى
وإنْ لبستْه ولو لحْظةً مَا
على الرغْمِ منْهُ
يُعانقُ في الركْن مصْرعَه
وانْبرتْ مثْلَ منْ يتمشّى الهُويْنَى
علَى قشْر بيْضِ اليَمامِ اسْتوتْ
بأناةٍ على مقْعدٍ خشَبيٍ قُبالتهُ
خصْرُها الرحْبُ أضْيقُ من خَاتمٍ،
فمها الكرزيُّ زُمرّدَةٌ
صدْرُها العذْبُ ركْحٌ لمسْرحِ قَرْطاجَ
أمْ قبّةُ القدْسِ
أمْ مهْبطٌ للصّعُود
إلى سدْرةِ المُنْتَهَى؟
شعْرُها المَاعِزُ الجبَليُّ
على السّفْح يرْعَى
كما الليّلُ مُرْخًى
إلَى المُلْتَقَى المَرْمَريّ
منَ القَمرِ المُشْتَهى
أسْفلَ السرّةِ الكأْسِ
يحْجبُه كفّها واهبُ الشّهْدِ
والرّجْفةِ الآهِ والتعْتَعَهْ
وهْيَ واضعةً ركبةً فَوقَ أخْرى
بِعيْنينِ منْ غنَجٍ كَوْكَبيّ
تُقشّره مثْل فُسْتُقَةٍ تتأَكّلُه
بيْنَمَا هُوَ مُنْشغلٌ بالتّفَكّرِ
كيْفَ سَيقْنعُهَا
أنْ تُرَافقَه كالْمَهَا فِي المَسَاءِ
إلَى البحْرِ أوْ قاعةِ السّينمَا محْضَ عاريةٍ
إنَّ شَتَّى القَداسَات أضْرحةٌ
وتوابيتُ للرّوحِ مثْلَ المَلابسِ أقْنِعَه
ثمَّ كيْف سَيقْنعُها بالإقَامَةِ
منْ دُون تأْشيرَةٍ
بالإقَامَة في بَلدٍ، لا أسَاطيرَ،
لا شمْسَ،لا آلهاتٍ،
ولاَ وقْت للْحُلمِ فيه سِوى القَاعِ
يطْفَرُ بالمسْخ والوحْلِ
كيْفَ سَيُقنعُها
أنّ كأْسًا منَ الخمْرِ
أرْحَبُ منْ عالمٍ لاَيكفُّ عَنِ الغُفْلِ
أرْحب من عالم لايكفّ عن القتْل
أرْحبُ منْ أيّ موْعظةٍ أوْ كِتَابٍ
بعيدًا
بعيدًا
عن الشهْقةِ البكْرِ في الطّفْلِ
يهْدِمُ مَا يبْتَنِي
كيْفَ منْهَا سَيُنْجِبُه
دُونَ شَمّ
وضَمّ
ولثْمٍ
ورجْرَجةٍ لترائبَ أصْقاعِها المُتْرَعَهْ
كيْف يقْنعها
أنّ حرْفًا من الجرّ في فمِها الجرْحِ أفْصحُ
منْ أيّ قافيةٍ في معلّقة الجَاهليّ وأحْلى
من العسل الحرّ
منْ مطْلق الأغْنيات وأعْلى
من النخْل في ساحة الأوبّرا
كيف يقْنعها
أنّ حرْفا من اللّين في كفّها النبْع أبْقى
من الخيْل والسيْفِ
أبْقَى من الكُتب الصفْر
أبقى من التّاج والعرْش والصوْمعَه
وهي واضعةً فَخذا فوْق آخر
من فرْط مَا انْتظرتْ
نهضَتْ مُترنّحةً
وعلَى بطنِها فوْق قطْن السّرير ارْتختْ
كالقُطيطةِ مضْطجِعَهْ
ملْء لهْفتِها في سُعَارٍ
تموءُ قبَالته
عاضّةً أسْفل الشّفةِ القُرْمزيّةِ مُضْرمةً
في شَرايينه،
في ملابسِه،
في ملاحفه النّارَ،
والنّارُ من طبْعِها
منْ مفاتِنها
كمْ تَعوذُ بهَا
صفّقَ البابُ
واشْتعل الفلُّ في المزْهريّةِ
والأسْطوانةُ دَارتْ بِمُفْرَدِها
تلْطمُ النّافذَهْ
بينَما هو لمّا يزلْ هائِمًا
في طفُولاتِه
كيْف يُقْنعها أنّ كنْه الطّبيعَةِ
لا المدنيّة منْزَعُه
كيْف يضْبط إيقاعَها
دونَما عثْرةٍ
دونَما أيَّ عضْوٍ
من المسْك والطّيبِ في حضْنها
إذْ يُعانقها
لاَ يغادِرُ من شدّةِ الدفْء موْضِعَهُ
كيْف حقًّا سيقنعها أنّ أسْوأ يوْمٍ
لدَى البشريّةِ
يومَ ولدنا التقينا هو الجمُعه
يكون به الجَانُ والإنْسُ
والحانُ والمسْرحُ البلديُّ
المشافي، المحاكم، والبرلمان،
المواخير، والعاشقون المرايا سكَارى بأدمعهم
والشّياطينُ في عطْلةٍ،
مَا عدا الإبْتهالاتُ تعْلُو وتعْلُو
منَ الشيْخ في خطْبة الجعْجعه
كيْف يقْنعها أنّ إصْبعَه قلمٌ
والمداد الرؤى دمُه
ماله دونَ مرْمرِ نسْرينِها دفْترٌ
والممَاحي العمَى
ما تقولُ الشرائعُ
لا ما تقولُ رغائبُنا
كيْف يحْضنها دُونَ أنْ تتَحوّل بيْنَ يديْه
إلَى شبْه قوْقَعةٍ؟
كيْفَ يأسرُها دُونَ هدْهدَةٍ
أوْ مُداعبَةٍ
أوْ صَدَى أزّةٍ؟
حينَ ينْهضُ منْ موْتِه في غياباَتِها
أبد الدّهرِ مسْتَأثرا برحيقِ مباهجها وحْدَه
دُونَها الأرْضُ كالاسْتعارةِ فرْقعه
دونها الأرضُ مبْولةٌ
شامتًا بالكواكبِ
بالشّهبِ الجنرَالات
مسْتهزئا بطيور الأبَابيل
والطّائرات المُغِيرة والمدفعيّة
مستهزئا بالعبابيث والغُول
والجانّ والرّخّ والآلهه
بالخليقة يتْركُها كلّها
هكَذا دُون أسماء
يتْركها في العراء
على هذه الأرْض عجْفاءَ دُونَ سَماءٍ
هي الآن ضيّفتُه
مثْل سائحةٍ
في أعَالي البنَايةِ
داخلَ حجْرته الضيّقَه
محض سفْر من الأحْجيات الرؤى
خرجت من عُرى رأْسه الآن
همّ بها فاخْتفتْ
لم ينلْ من مفاتنِها
غيْرَ قهْقَهة
ثمّ عَادتْ لتظهَر
فارتسَمتْ داخل اللّوحة البجعه
حينَها لمْ يجدْ
من شِباكٍ سوى الكلمات مُشعشعةً
قد رمَاها وأبْقى يديْه على مدْيةٍ
من مقابرهم أيْ مناماتهم
هرَع الأهْلُ جيرانُه، الصحفيّون،
والشّرطةُ الوطنّية طبْعًا
كما آخر الفيلْم تأْتي مدويّةً أبدًا
هرعوا كلّهم
بعد أنْ سمعُوا
في الضّواحي البعيدة صيْحتَه الزوْبعَهْ
خلعُوا البَابَ وانْدفعوا
وجدُوه على القَاع في دمِه يتخّبطُ
داخَل ما نسجتْه يدَاه
من أجمل ما فيك لا يقبل الترجمة








تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى