على مقربة من نهر مدينتي الذي أعشق السير حافيًا على ضفافه ساعة المغيب .. وبينما أنا منشغل بصوت جريان مياهه .. تعثرت بشيء .. كانت جثة طائر السامون ..
توقفت وكأنها المرة الأولى التي أشاهد فيها طائر مقتول .. ليس منظره وهو ميت من أثارني .. بل تلك النظرة في عينيه والتي بثت الحزن في قلبي لأجدني لا أقوى على الحركة ..
ألقيت بجسدي قريبًا منه .. حملته بين يدي .. فردت جناحيه اللتان فقدت بعضًا من ريشهما .. قلت لنفسي وأنا أحاول أن أعثر على بقايا حياة فيه: يا ترى ما الذي كان يفكر فيه هذا الطائر قبل أن يموت بلحظات ؟؟ كيف للموت أن يكون هكذا قاسيًا ؟؟.. رفعت رأسي نحو السحب التي اجتمعت فوق النهر قبل أن أقول لنفسي بيأس: من أين لي معرفة ذلك ؟؟
النهر ساعة المغيب يثير كل ما في الأرض من حزن اختبأ فيها منذ بدء الخليقة .. نظرت إلى الطائر الذي ما زالت جثته دافئة .. في تلك اللحظة شعرت بالرغبة في الفرار من هذا العالم .. من ذاتي العتيقة التي منذ زمن سحيق باتت مسكنًا للألم والمعاناة والتي بعدها ستركن إلى الموت .. ماذا لو أجرب الهرب منها لأصبح ذاتًا أخرى .. تعبتُ من الأوهام التي ساقتني في طريق حلزوني .. تعبت من انتظار إللا شيء !! ماذا لو أتحرر منها باتجاه السماء لعلي هناك أعثر على المعنى .. وأنا أمسح بكفي على ظهر الطائر .. جال في بالي هاجس كبير وجدت نفسي أنساق خلفه .. سأمنح روحي لهذا الطائر .. سأنهي رحلة السفر الطويل الذي لم ألاقي منه سوى الظمأ ..
أغمضت عينيّ وأنا أراقب روحي تتسرب من بين أصابعي .. تزحف ببطء لتنفذ داخل جسده .. خيط رفيع كأنه ممر للضياء ربط بيني وبينه .. أحسست بنعيم خجلت الكلمات من وصفه .. جسدي الذي أرهقني عناده .. الآن .. لا أثر فيه لأي شيء سوى الحقيقة التي تتفجر منه كما الماء حينما يتفجر من نبعه ساعة السحر .. استسلامه جعلني ابتسم من الداخل وأتساءل: هل حقًا أن جسدي كان مصدر عذاباتي ؟.. كأني أولد من جديد .. لكن هذه المرة ولادة إلى الداخل ..
.........................................................................
عند الفجر .. استيقظ الطائر الصغير من غفوته ليجد نفسه يزحف ببطء قبل أن يفرد جناحيه عاليًا .. النسائم الملامسة للنهر أنعشت روحه وجعلته يردد مع نفسه:
وكأنني أراه لأول مرة .. أمواجه لم تأتيني بهذا الصفاء من قبل .. أشعر بها متلهفة للقائي وكأنها تريد أن تقول: لقد كنت في انتظارك .. صوت الزوارق وهي تشق الماء متأرجحة أشعرتني بسكون أعماقه التي يحاول بها أن يخفف من قلق الضفاف وخوفها ..
بدأ الطائر يحدث نفسه المنشتية بما حولها : شيء غريب يحصل لي .. بدأت الآن في إدراك ذاتي و إدرك روح كل ما من حولي .. لماذا لم انتبه لكل هذه الأشياء من قبل ؟؟ .. ثم وهو ينظر إلى لون السماء الزرقاء والشجيرات الداكنة الخضرة المتناثرة على ضفتي النهر والشمس الذهبية التي نشرت أشعتها لتترك ظلالًا سوداء على ما يقع تحتها ..
قال مستغربًا : ما الحكمة من كل هذه الألوان ؟؟ لكن ماذا لو كانت جميعها بلون واحد ؟؟ وما هذا السحر الذي يحيطني والتي بدأت خيوطه تلفني وتحكم وثاقها عليّ لتلقي بيّ عند أبواب البهاء ونوافذ الجمال .. بدأت استمع لغناء كل ما حولي أنا الذي لم أعرف من قبل فن الإصغاء ..
بينما كانت الأفكار تتلاعب في رأس الطائر قال لنفسه:
ليلة البارحة كانت أسوأ ليلة تمر عليّ منذ أن أبصرت النور .. الغريب أنني أتذكر الألم لكنني فقدت الشعور به !!
اعترته رجفة داخلية كأنه يولد من جديد قبل أن يستمع لصوت من داخله يطلب منه الوقوف على غصن شجرة الدردار الفتية المختبئة بين الصخور .. كانت هذه هي المرة الأولى التي يسمع ذلك الصوت .. هوالذي لم يصغِ يومًا إلى نفسه .. شعر بالخواطر تتدفق عليه من السماء .. من أعماق النهر ومن جذور الشجر .. حتى تلك التلال التي تظهر له قممها من بعيد كان يسمع حديثها ..
الغريب أنه لم يعد مضطربًا كما السابق ..
بينما بدأ النهار يذوب من حوله والشمس تحترق في كرامة ناشرة ثوبها الأرجواني على النهر الشاحب .. أحس بحب الوجود ينفذ إلى عينيه ليسير مع دمه ثم يستقر في أعمق نقطة في فؤاده الذي لم يعد يفرق في حبه بين مخلوق وآخر ..
روحه المستيقظة هي التي تربط بينه وبين كل ما حوله ..
لم أعد أتذكر أحلامي وامنياتي .. لم أعد أشعر سوى بالسخرية منها منذ أن ارتفعت بجناحي الجديدين أعلى من ذي قبل فبدا لي العالم متكاملًا لكنه غير قابل للفناء .. ردد هذه الكلمات مستغربًا من نفسه قبل أن يلتفت صوب صخرة تحتها جثة رجل بلل النهر ثيابه .. وقف على صدره محدقًا في وجهه قبل أن يرفع رأسه صوب القمر الذي بدأ في البزوغ قائلًا :
- سأحلق صاعدًا إلى آمال أخرى ..
حلق الطائر عاليًا وهو ينظر صوب الجثة التي حملتها أمواج النهر دون ان تترك لها أي أثر على الضفاف .
توقفت وكأنها المرة الأولى التي أشاهد فيها طائر مقتول .. ليس منظره وهو ميت من أثارني .. بل تلك النظرة في عينيه والتي بثت الحزن في قلبي لأجدني لا أقوى على الحركة ..
ألقيت بجسدي قريبًا منه .. حملته بين يدي .. فردت جناحيه اللتان فقدت بعضًا من ريشهما .. قلت لنفسي وأنا أحاول أن أعثر على بقايا حياة فيه: يا ترى ما الذي كان يفكر فيه هذا الطائر قبل أن يموت بلحظات ؟؟ كيف للموت أن يكون هكذا قاسيًا ؟؟.. رفعت رأسي نحو السحب التي اجتمعت فوق النهر قبل أن أقول لنفسي بيأس: من أين لي معرفة ذلك ؟؟
النهر ساعة المغيب يثير كل ما في الأرض من حزن اختبأ فيها منذ بدء الخليقة .. نظرت إلى الطائر الذي ما زالت جثته دافئة .. في تلك اللحظة شعرت بالرغبة في الفرار من هذا العالم .. من ذاتي العتيقة التي منذ زمن سحيق باتت مسكنًا للألم والمعاناة والتي بعدها ستركن إلى الموت .. ماذا لو أجرب الهرب منها لأصبح ذاتًا أخرى .. تعبتُ من الأوهام التي ساقتني في طريق حلزوني .. تعبت من انتظار إللا شيء !! ماذا لو أتحرر منها باتجاه السماء لعلي هناك أعثر على المعنى .. وأنا أمسح بكفي على ظهر الطائر .. جال في بالي هاجس كبير وجدت نفسي أنساق خلفه .. سأمنح روحي لهذا الطائر .. سأنهي رحلة السفر الطويل الذي لم ألاقي منه سوى الظمأ ..
أغمضت عينيّ وأنا أراقب روحي تتسرب من بين أصابعي .. تزحف ببطء لتنفذ داخل جسده .. خيط رفيع كأنه ممر للضياء ربط بيني وبينه .. أحسست بنعيم خجلت الكلمات من وصفه .. جسدي الذي أرهقني عناده .. الآن .. لا أثر فيه لأي شيء سوى الحقيقة التي تتفجر منه كما الماء حينما يتفجر من نبعه ساعة السحر .. استسلامه جعلني ابتسم من الداخل وأتساءل: هل حقًا أن جسدي كان مصدر عذاباتي ؟.. كأني أولد من جديد .. لكن هذه المرة ولادة إلى الداخل ..
.........................................................................
عند الفجر .. استيقظ الطائر الصغير من غفوته ليجد نفسه يزحف ببطء قبل أن يفرد جناحيه عاليًا .. النسائم الملامسة للنهر أنعشت روحه وجعلته يردد مع نفسه:
وكأنني أراه لأول مرة .. أمواجه لم تأتيني بهذا الصفاء من قبل .. أشعر بها متلهفة للقائي وكأنها تريد أن تقول: لقد كنت في انتظارك .. صوت الزوارق وهي تشق الماء متأرجحة أشعرتني بسكون أعماقه التي يحاول بها أن يخفف من قلق الضفاف وخوفها ..
بدأ الطائر يحدث نفسه المنشتية بما حولها : شيء غريب يحصل لي .. بدأت الآن في إدراك ذاتي و إدرك روح كل ما من حولي .. لماذا لم انتبه لكل هذه الأشياء من قبل ؟؟ .. ثم وهو ينظر إلى لون السماء الزرقاء والشجيرات الداكنة الخضرة المتناثرة على ضفتي النهر والشمس الذهبية التي نشرت أشعتها لتترك ظلالًا سوداء على ما يقع تحتها ..
قال مستغربًا : ما الحكمة من كل هذه الألوان ؟؟ لكن ماذا لو كانت جميعها بلون واحد ؟؟ وما هذا السحر الذي يحيطني والتي بدأت خيوطه تلفني وتحكم وثاقها عليّ لتلقي بيّ عند أبواب البهاء ونوافذ الجمال .. بدأت استمع لغناء كل ما حولي أنا الذي لم أعرف من قبل فن الإصغاء ..
بينما كانت الأفكار تتلاعب في رأس الطائر قال لنفسه:
ليلة البارحة كانت أسوأ ليلة تمر عليّ منذ أن أبصرت النور .. الغريب أنني أتذكر الألم لكنني فقدت الشعور به !!
اعترته رجفة داخلية كأنه يولد من جديد قبل أن يستمع لصوت من داخله يطلب منه الوقوف على غصن شجرة الدردار الفتية المختبئة بين الصخور .. كانت هذه هي المرة الأولى التي يسمع ذلك الصوت .. هوالذي لم يصغِ يومًا إلى نفسه .. شعر بالخواطر تتدفق عليه من السماء .. من أعماق النهر ومن جذور الشجر .. حتى تلك التلال التي تظهر له قممها من بعيد كان يسمع حديثها ..
الغريب أنه لم يعد مضطربًا كما السابق ..
بينما بدأ النهار يذوب من حوله والشمس تحترق في كرامة ناشرة ثوبها الأرجواني على النهر الشاحب .. أحس بحب الوجود ينفذ إلى عينيه ليسير مع دمه ثم يستقر في أعمق نقطة في فؤاده الذي لم يعد يفرق في حبه بين مخلوق وآخر ..
روحه المستيقظة هي التي تربط بينه وبين كل ما حوله ..
لم أعد أتذكر أحلامي وامنياتي .. لم أعد أشعر سوى بالسخرية منها منذ أن ارتفعت بجناحي الجديدين أعلى من ذي قبل فبدا لي العالم متكاملًا لكنه غير قابل للفناء .. ردد هذه الكلمات مستغربًا من نفسه قبل أن يلتفت صوب صخرة تحتها جثة رجل بلل النهر ثيابه .. وقف على صدره محدقًا في وجهه قبل أن يرفع رأسه صوب القمر الذي بدأ في البزوغ قائلًا :
- سأحلق صاعدًا إلى آمال أخرى ..
حلق الطائر عاليًا وهو ينظر صوب الجثة التي حملتها أمواج النهر دون ان تترك لها أي أثر على الضفاف .