1
إلى (الباص) يصعد أطفال بابل :
مثل الشياطين
مثل المساكين
لا يدفعون النقود
ولكنهم يملأون مؤخرة ( الباص)
لا يدفعون النقود
وهم يصعدون معاً
يهبطون معاً
يحتمون ببعضهم
مثل الشياطين
مثل المساكين
لا يدفعون النقود !!.
2
وفي ذات ظهيرة
رأيت فتاة
على الأرض
تعرض للبيع تمراً رديئاً
ووجهاً جميلاً
.....
وقفت حيالَ الفتاة الجميلة منبهراً
كنت أرغب أن اشتري التمر
لكنني كنت ظمآن للوجه ..
تلك الظهيرة
....
ومرت دقائق
فوجئت أن الفتاة اختفت !!.
3
ووسط المدينة
عشر من الفتيات الصغيرات
كل ضحى يفترشن الرصيف
يواجهن أكبر مكتبة في المدينة
يعرضن( خبز البيوت) بأطباقهن الصغيرةِ
....
هل ثَّمَّ ما يربط الخبز بالكتْبِ
" مَنْ يشتري الخبز؟ "-
لم تكُ واحدةٌ ذات يومٍ رأت صفحة في كتابٍ
سوى صفحة الخبز والناسِ
." مَنْ يشتري الخبز؟ "-
....
كان غبار المشاة يلوّح أوجههن الصغيرةَ
يستلّ منهن ماء الحياة الجميلة
" مَنْ يشتري الخبز؟ مَنْ ؟ "-
" آه ، لو كنتُ في المدرسة ! " -
....
وتعبرهن اللواتي يرحن إلى المدرسة
وتعبرهن اللواتي يعدن من المدرسة
ويمضين لا يلتفتن
وقد يلتفتن ويمضين
هل ثَمَّ ما يربط الخبز بالكتْبِ
" مَنْ يشتري الخبز ؟ "-
مَنْ يلمس الخبز كي يفهم الكتب ؟!
مَنْ يقرأ الكتبَ كي يعرف الخبز؟!
....
"؟ مَنْ يشتري الخبز؟ مَنْ "-
- " آه - صبحةُ - لو كنتُ في المدرسة ! ".
بابل1973
(1) كتب "مهدي " هذه القصائد حين كان مدرساً في مدينة الحلة.وقبله ساهم الشاعر عبد الكريم كاصد عبر قصائده التي كان ينشرها في الصفحة الثقافية لجريدة طريق الشعب بقصائد عدة له في كتابة ما سمي حينه بـ"القصيدة اليومية" ، وكذلك مصطفى عبد الله الذي نشر قصيدة( أولاد الحيانية) وخصها الشاعر الكبير سعدي يوسف بمقدمة محتفياً بها وبهذا التوجه الشعري الذي عده" جديداً ومؤثراً في الشعرية العراقية"، وقد استفزت قصيدة مصطفى كثير من قبل الجهات الثقافية- السلطوية، و تم مهاجمتها في البصرة، من قبل أدباء السلطة بقسوة وبغضاضة، منطلقين في أن هذا التوجه وكتابة هذا النوع من الشعر لا يرى في الراهن العراقي غير السلبيات فقط، ومَنْ يكتبه يتنكر لمنجزات النظام(الكبيرة)، وكذلك الشاعر كاظم الحجاج والذي نشر قصائد في هذا المنحى. قصائد (لقطات من مدينة تعانق النهر)، في هذا الاتجاه،وثمة قصائد أخرى لمهدي نشرها وكتب عنها عدد من الشعراء والنقاد، وشخص الناقد الغساني فيها ما ذكره في رسالته إلى مهدي:" بالإمكان القول بأن خطاً جديداً صحياً للشعر العراقي في طور الظهور الآن". في الذكرى الأولى لغياب " مهدي محمد علي "نستطيع أن نؤكد بأن جميع ما كتبه مهدي من قصائد في دواوينه المتعددة " أن أشدّ ما يميّزها هو احتفاؤها باليوميّ في الحياة ، لا للتوقف عنده بل من أجل تجاوزه إلى نقيضه من حلم ،وطفولة، وأساطير"، ومهدي كان في شعره يتناول بوضوح تفصيلات الواقع المعتادة، التي ربما لا تثير الناقد العجول والسلطوي بالذات ، لكن مهدي كان مأخوذاً بما يتجاوز هذه التفصيلات. ولم يمارس مهدي هذا بفطنته وقدراته الشعرية فقط ، بل بموقفه و بوعيه الفكري للواقع وتناقضاته، مدركاً انّه جزء من توجهات وحركة شعرية، بدأت بالتبلور والعطاء ، وهمها الانحياز إلى الضعفاء ، والأقل تمثيلاً في المجتمع، ومَنْ يعانون من النسيان و التجاهل ، من دون حصر الشعر في إطارٍ ما، لأن تلك الحركة كما ذكر" عبد الكريم كاصد" في حواره المطول مع الشاعر والكاتب والمثقف المغربي اللامع عبد القادر الجموسي والذي صدر في كتاب بعنوان "الشاعر خارج النص/ حوار الفكر والشعر مع الحياة" : تلك الحركة كانت بلا إطار ما، لكنها من جهة أخرى كانت بعمق الواقع وتجدده الدائم وغناه وسعته ، حيث الجوهر عصيّ على الإمساك إن لم تسعفه ثقافة شعرية وخبرة حياتية عميقتان ، وموقف إنساني واضح ، ومؤكداً فيه على ما ذكره"فرناندو بيسوا": كن شاعراً في كل في كل ما تفعله، مهما يكن بسيطاً وقليل الشأن. كن شاعراً خارج النص قبل أن تكون شاعراً فيه.
إلى (الباص) يصعد أطفال بابل :
مثل الشياطين
مثل المساكين
لا يدفعون النقود
ولكنهم يملأون مؤخرة ( الباص)
لا يدفعون النقود
وهم يصعدون معاً
يهبطون معاً
يحتمون ببعضهم
مثل الشياطين
مثل المساكين
لا يدفعون النقود !!.
2
وفي ذات ظهيرة
رأيت فتاة
على الأرض
تعرض للبيع تمراً رديئاً
ووجهاً جميلاً
.....
وقفت حيالَ الفتاة الجميلة منبهراً
كنت أرغب أن اشتري التمر
لكنني كنت ظمآن للوجه ..
تلك الظهيرة
....
ومرت دقائق
فوجئت أن الفتاة اختفت !!.
3
ووسط المدينة
عشر من الفتيات الصغيرات
كل ضحى يفترشن الرصيف
يواجهن أكبر مكتبة في المدينة
يعرضن( خبز البيوت) بأطباقهن الصغيرةِ
....
هل ثَّمَّ ما يربط الخبز بالكتْبِ
" مَنْ يشتري الخبز؟ "-
لم تكُ واحدةٌ ذات يومٍ رأت صفحة في كتابٍ
سوى صفحة الخبز والناسِ
." مَنْ يشتري الخبز؟ "-
....
كان غبار المشاة يلوّح أوجههن الصغيرةَ
يستلّ منهن ماء الحياة الجميلة
" مَنْ يشتري الخبز؟ مَنْ ؟ "-
" آه ، لو كنتُ في المدرسة ! " -
....
وتعبرهن اللواتي يرحن إلى المدرسة
وتعبرهن اللواتي يعدن من المدرسة
ويمضين لا يلتفتن
وقد يلتفتن ويمضين
هل ثَمَّ ما يربط الخبز بالكتْبِ
" مَنْ يشتري الخبز ؟ "-
مَنْ يلمس الخبز كي يفهم الكتب ؟!
مَنْ يقرأ الكتبَ كي يعرف الخبز؟!
....
"؟ مَنْ يشتري الخبز؟ مَنْ "-
- " آه - صبحةُ - لو كنتُ في المدرسة ! ".
بابل1973
(1) كتب "مهدي " هذه القصائد حين كان مدرساً في مدينة الحلة.وقبله ساهم الشاعر عبد الكريم كاصد عبر قصائده التي كان ينشرها في الصفحة الثقافية لجريدة طريق الشعب بقصائد عدة له في كتابة ما سمي حينه بـ"القصيدة اليومية" ، وكذلك مصطفى عبد الله الذي نشر قصيدة( أولاد الحيانية) وخصها الشاعر الكبير سعدي يوسف بمقدمة محتفياً بها وبهذا التوجه الشعري الذي عده" جديداً ومؤثراً في الشعرية العراقية"، وقد استفزت قصيدة مصطفى كثير من قبل الجهات الثقافية- السلطوية، و تم مهاجمتها في البصرة، من قبل أدباء السلطة بقسوة وبغضاضة، منطلقين في أن هذا التوجه وكتابة هذا النوع من الشعر لا يرى في الراهن العراقي غير السلبيات فقط، ومَنْ يكتبه يتنكر لمنجزات النظام(الكبيرة)، وكذلك الشاعر كاظم الحجاج والذي نشر قصائد في هذا المنحى. قصائد (لقطات من مدينة تعانق النهر)، في هذا الاتجاه،وثمة قصائد أخرى لمهدي نشرها وكتب عنها عدد من الشعراء والنقاد، وشخص الناقد الغساني فيها ما ذكره في رسالته إلى مهدي:" بالإمكان القول بأن خطاً جديداً صحياً للشعر العراقي في طور الظهور الآن". في الذكرى الأولى لغياب " مهدي محمد علي "نستطيع أن نؤكد بأن جميع ما كتبه مهدي من قصائد في دواوينه المتعددة " أن أشدّ ما يميّزها هو احتفاؤها باليوميّ في الحياة ، لا للتوقف عنده بل من أجل تجاوزه إلى نقيضه من حلم ،وطفولة، وأساطير"، ومهدي كان في شعره يتناول بوضوح تفصيلات الواقع المعتادة، التي ربما لا تثير الناقد العجول والسلطوي بالذات ، لكن مهدي كان مأخوذاً بما يتجاوز هذه التفصيلات. ولم يمارس مهدي هذا بفطنته وقدراته الشعرية فقط ، بل بموقفه و بوعيه الفكري للواقع وتناقضاته، مدركاً انّه جزء من توجهات وحركة شعرية، بدأت بالتبلور والعطاء ، وهمها الانحياز إلى الضعفاء ، والأقل تمثيلاً في المجتمع، ومَنْ يعانون من النسيان و التجاهل ، من دون حصر الشعر في إطارٍ ما، لأن تلك الحركة كما ذكر" عبد الكريم كاصد" في حواره المطول مع الشاعر والكاتب والمثقف المغربي اللامع عبد القادر الجموسي والذي صدر في كتاب بعنوان "الشاعر خارج النص/ حوار الفكر والشعر مع الحياة" : تلك الحركة كانت بلا إطار ما، لكنها من جهة أخرى كانت بعمق الواقع وتجدده الدائم وغناه وسعته ، حيث الجوهر عصيّ على الإمساك إن لم تسعفه ثقافة شعرية وخبرة حياتية عميقتان ، وموقف إنساني واضح ، ومؤكداً فيه على ما ذكره"فرناندو بيسوا": كن شاعراً في كل في كل ما تفعله، مهما يكن بسيطاً وقليل الشأن. كن شاعراً خارج النص قبل أن تكون شاعراً فيه.