مؤشراتٌ عديدة، تؤكد إقبال نسبة كبيرة من الشباب خصوصا، والقراء عموما، على فن الرواية اليوم، ولا غرابة في ذلك، فنحن عبر الزمن ومنذ القدم «أبناء الحكي»، نروي ونسهب ونسرد واقعنا بالقص، فتتناثر بنا وحولنا القصص في المقهى والشارع والبيت. ومع الانتشار الكبير لفن الرواية حاليا أصبح واجبا أن يعود «فن النقد» إلى الرشد!.
لا يبدو هذا التعبير مبالغا أو متجنيا، في ظل ما نشهده من واقع النقد الأدبي حاليا، إذ يميل كثيرٌ من النقاد عند مناقشتهم الأدب عموما إلى استعراض «مصطلحات مستعصية» على القارئ العادي، يستحضرونها من كتب ومجلدات المدارس الأدبية والمذاهب النقدية، حتى يكاد القراء يكرهون النقد والأدب معا، مع أن الأصل في النقد الجاد الواثق أن ينير للقارئ معالم الطريق في الرواية أو العمل الأدبي، فيلقي الأضواء الكاشفة على جمالياته أو سلبياته، موضحا خفايا النص ومنعطفاته، نحو القمة أو القاع، لا بأس، لكن بتيسير وتفسير، لا إعسار واستعراض.
ومن هذا النوع الأخير من النقد الجاد والبسيط في آن، صدر كتاب جديد للناقد الدكتور محمد أبو السعود الخياري، الذي تعمد اختيار عنوان جاذب للقارئ غير المتخصص، هو «كرسي في البلكونة»، مع عنوان آخر تفسيري؛ «تأملات في الرواية العربية». ويؤكد الخياري في كتابه، الصادر عن دار غراب للنشر، أن خطًّا من النقد يحاول الالتزام به، يقوم في الأساس على اعتبار الناقد يمتلك مخيلة فنان وضمير قاض ودهشة طفل.
ويضم الكتاب عددا من الدراسات حول ظواهر روائية، ومنها العلاقة بين الرواية والثورة، التي يصفها بأنها «علاقة تَعجب لها التاريخ»، بدءًا من أول ثورة في التاريخ، وهي ثورة المصريين القدماء على الملك بيبي الثاني في أواخر الأسرة السادسة، لتظهر الحكايات والسرود العظيمة التي تأثر بها الأدباء على مر التاريخ بعد ذلك في الدولتين الوسطى والحديثة، ومن أهم هذه النصوص قصة «القروي الفصيح»، قبل أن تقدم الدولة الوسطى القصة الواقعية الاجتماعية «سنوهي» وقصة «نجاة الملاح».
ومرورا بتاريخ الثورات الأمريكية والفرنسية والبلشفية، والأدب الذي عبر عنها متمثلا في أعمال خالدة، طهاها روائيون عظام على نار هادئة، يصل الكاتب إلى رصد الروايات التي يقول إنها مهدت للثورة في مصر وتونس، مثل رواية «أجنحة الفراشة» لمحمد سلماوي الصادرة في ديسمبر 2010، التي تتنبأ بحصول ثورة في ميدان التحرير، ورواية «نساء البساتين» للحبيب السالمي في تونس، ثم ظهرت روايات أخرى بعد ذلك، ومنها «7 أيام في التحرير» لهشام الخشن في أبريل 2011، بينما جاءت «أجندة سيد الأهل» لأحمد صبري أبو الفتوح في النصف الثاني من عام 2011 في صورة تنويعة على فكرة حصاد الثورة.
ويقدم الكتاب أيضا دراسة حول «فخ العالمية» وتأثيره على أساليب بعض الروائيين، الذين يتجهون بالسرد إلى شكل غير واضح المعالم، ظنا أنهم بهذا يخاطبون القارئ في كل مكان من العالم، ودراسة أخرى حول ظاهرة انتشار الرواية التاريخية، مؤكدا على التفريق بين أمرين، هما أولا: التضحية بالفن لصالح التاريخ، وثانيا: تحقيق الخلطة البارعة لاستعراض التاريخ عبر الفن، وذلك بالتطبيق على روايتي «حروب الرحماء» لإبراهيم عيسى و«واحة الغروب» لبهاء طاهر.
أسماء عديدة سوف يجدها القارئ في رحلته خلال قراءة الكتاب، وعلى مدى الرحلة سوف يتَّبع مسار الإضاءات الكاشفة التي يقدمها الكاتب عارضا آراءه بصدق حول المنتج الأدبي لأصحاب هذه الأسماء، ومنهم - دون ألقاب أو ترتيب- نجيب محفوظ وإبراهيم عبد المجيد، وسهير المصادفة وسعود السنعوسي ويوسف إدريس، ومصطفى محمود وسراج منير ومحمد المنسي قنديل، وأمير تاج السر وأحمد خالد توفيق، وعلي عطا ويوسف زيدان وأحمد فضل شبلول.
وأخيرا.. يشير الدكتور محمد أبو السعود الخياري إلى ظاهرة تغول الفن الروائي، مطلقا لقب «الندَّاهة» على الرواية، التي جذبت إليها شعراء وأكاديميين وسياسيين، تركوا مجالاتهم الأصلية لأجلها. وها هي «الندَّاهة» أيضا تجذب إليها المؤلف ذاته، نقدًا لا سردًا، ولكن بأسلوب أدبي بسيط يجذب القارئ الباحث عن المتعة والمعرفة، ولا ينفِّره، وهو ما استدعى أن يغادر الناقد - بكتابته- مقعد الأكاديمي المتخصص إلى «كرسي في البلكونة».
لا يبدو هذا التعبير مبالغا أو متجنيا، في ظل ما نشهده من واقع النقد الأدبي حاليا، إذ يميل كثيرٌ من النقاد عند مناقشتهم الأدب عموما إلى استعراض «مصطلحات مستعصية» على القارئ العادي، يستحضرونها من كتب ومجلدات المدارس الأدبية والمذاهب النقدية، حتى يكاد القراء يكرهون النقد والأدب معا، مع أن الأصل في النقد الجاد الواثق أن ينير للقارئ معالم الطريق في الرواية أو العمل الأدبي، فيلقي الأضواء الكاشفة على جمالياته أو سلبياته، موضحا خفايا النص ومنعطفاته، نحو القمة أو القاع، لا بأس، لكن بتيسير وتفسير، لا إعسار واستعراض.
ومن هذا النوع الأخير من النقد الجاد والبسيط في آن، صدر كتاب جديد للناقد الدكتور محمد أبو السعود الخياري، الذي تعمد اختيار عنوان جاذب للقارئ غير المتخصص، هو «كرسي في البلكونة»، مع عنوان آخر تفسيري؛ «تأملات في الرواية العربية». ويؤكد الخياري في كتابه، الصادر عن دار غراب للنشر، أن خطًّا من النقد يحاول الالتزام به، يقوم في الأساس على اعتبار الناقد يمتلك مخيلة فنان وضمير قاض ودهشة طفل.
ويضم الكتاب عددا من الدراسات حول ظواهر روائية، ومنها العلاقة بين الرواية والثورة، التي يصفها بأنها «علاقة تَعجب لها التاريخ»، بدءًا من أول ثورة في التاريخ، وهي ثورة المصريين القدماء على الملك بيبي الثاني في أواخر الأسرة السادسة، لتظهر الحكايات والسرود العظيمة التي تأثر بها الأدباء على مر التاريخ بعد ذلك في الدولتين الوسطى والحديثة، ومن أهم هذه النصوص قصة «القروي الفصيح»، قبل أن تقدم الدولة الوسطى القصة الواقعية الاجتماعية «سنوهي» وقصة «نجاة الملاح».
ومرورا بتاريخ الثورات الأمريكية والفرنسية والبلشفية، والأدب الذي عبر عنها متمثلا في أعمال خالدة، طهاها روائيون عظام على نار هادئة، يصل الكاتب إلى رصد الروايات التي يقول إنها مهدت للثورة في مصر وتونس، مثل رواية «أجنحة الفراشة» لمحمد سلماوي الصادرة في ديسمبر 2010، التي تتنبأ بحصول ثورة في ميدان التحرير، ورواية «نساء البساتين» للحبيب السالمي في تونس، ثم ظهرت روايات أخرى بعد ذلك، ومنها «7 أيام في التحرير» لهشام الخشن في أبريل 2011، بينما جاءت «أجندة سيد الأهل» لأحمد صبري أبو الفتوح في النصف الثاني من عام 2011 في صورة تنويعة على فكرة حصاد الثورة.
ويقدم الكتاب أيضا دراسة حول «فخ العالمية» وتأثيره على أساليب بعض الروائيين، الذين يتجهون بالسرد إلى شكل غير واضح المعالم، ظنا أنهم بهذا يخاطبون القارئ في كل مكان من العالم، ودراسة أخرى حول ظاهرة انتشار الرواية التاريخية، مؤكدا على التفريق بين أمرين، هما أولا: التضحية بالفن لصالح التاريخ، وثانيا: تحقيق الخلطة البارعة لاستعراض التاريخ عبر الفن، وذلك بالتطبيق على روايتي «حروب الرحماء» لإبراهيم عيسى و«واحة الغروب» لبهاء طاهر.
أسماء عديدة سوف يجدها القارئ في رحلته خلال قراءة الكتاب، وعلى مدى الرحلة سوف يتَّبع مسار الإضاءات الكاشفة التي يقدمها الكاتب عارضا آراءه بصدق حول المنتج الأدبي لأصحاب هذه الأسماء، ومنهم - دون ألقاب أو ترتيب- نجيب محفوظ وإبراهيم عبد المجيد، وسهير المصادفة وسعود السنعوسي ويوسف إدريس، ومصطفى محمود وسراج منير ومحمد المنسي قنديل، وأمير تاج السر وأحمد خالد توفيق، وعلي عطا ويوسف زيدان وأحمد فضل شبلول.
وأخيرا.. يشير الدكتور محمد أبو السعود الخياري إلى ظاهرة تغول الفن الروائي، مطلقا لقب «الندَّاهة» على الرواية، التي جذبت إليها شعراء وأكاديميين وسياسيين، تركوا مجالاتهم الأصلية لأجلها. وها هي «الندَّاهة» أيضا تجذب إليها المؤلف ذاته، نقدًا لا سردًا، ولكن بأسلوب أدبي بسيط يجذب القارئ الباحث عن المتعة والمعرفة، ولا ينفِّره، وهو ما استدعى أن يغادر الناقد - بكتابته- مقعد الأكاديمي المتخصص إلى «كرسي في البلكونة».
Log into Facebook
Log into Facebook to start sharing and connecting with your friends, family, and people you know.
www.facebook.com