محمد عارف مشّة - قصتان قصيرتان / محمد عارف مشّه

اجتماع سّري
( 1 )


جهّزت الحمّام لزوجها . أخرجت من الدولاب الخشبي ( قمباز الروزا الأصفر ) ، رشت العطر على الحطة والعباءة ذات اللون العجمي . بحثت عن زوج جرابات غير مثقوب . حكّت جبينها بإصبعيها تحاول تذكّر ما نسيته .
تنحنح الزوج دلالة الانتهاء من الاستحمام . أسرعت نصرة لاستقبال زوجها تحثّه على الاسراع كي يلتحق بالاجتماع المنوي عقده في بيت المختار ، وهو الاجتماع الذي يدعى إليه غصاب لأول مرة ، اعترافا من المختار بأن غصابا قد أصبح من الوجهاء ، بامتلاكه خمسين رأسا من الغنم وقطعتي أرض .

أسرعت نصرة بوضع قدمي زوجها في الحذاء ، تأكدت من وضع العقال والحطة . شدّت العباءة قليلا لتسويّ وضع العباءة بشكل أنسب ، وتمتمت بأدعية أن يحفظ الله لها زوجها وهيبته أمام الرجال وغيرة النساء .
نظر غصاب نحو مرآة الدولاب ، ليتأكد من إتمام كل شيء . اتجه بخطوات واثقة باتجاه باب الدار اخترق حوش الدار ، تبعثرت الدجاجات ، نبح الكلب وهزّ ذيله ، عبّر الديك عن دهشته بالصياح وقت العصر .. وصل غصاب باب الحوش ، أسرعت نصرة نحو الباب كي تفتحه لغصاب . نظر لها غصاب مختالا ورسم على شفتيه شبه ابتسامة . دارت نصرة خجلها واحمرار وجنتيها بزغرودة ، انطلقت لتعلن فرحها وحبها لغصاب .
سار غصاب نحو بيت المختار ، معلنا في سيره أنه أحد وجهاء الحي ، وفي نفسه رغبة أن تبدأ نسوة الحي بإطلاق الزغاريد احتفاء بمروره من الحي . وتحديدا عطوة تلك المرأة الأرملة والتي تسكن مع طفليها في زاوية الشارع الترابي ، بالقرب من بيت المختار وفي حمايته ، كما يزعم رجالات المختار . لكن بعض الهمسات كانت تخرج بين الحين والآخر ، بأن هناك علاقة تجمع بين عطوة والمختار .
نفت خديجة الزوجة الخامسة للمختار وبشكل قاطع أن يفكر المختار بزوجة أخرى غيرها ، لتيقنها من حبه لها ، ثم رددت العبارة المعهودة عنها في كل حديث ( بعد خديجة لا طويلة ولا قصيرة ) وابتسمت.

طرق غصاب باب بيت المختار ، فجاء له صوت من الداخل خشن أجشن : من بالباب ؟

ــ أنا غصاب يا مختار
*غصاب ؟ من غصاب هذا ؟
ــ أنا غصاب يا مختار ، لقد تلقيت دعوة لاجتماع الوجهاء وجئت لحضور ال.. .

*اجتماع ؟ اجتماع ماذا ومن وجّه لك الدعوة لحضور الاجتماع ؟
ــ أنت يا مختار
*من أخبرك أنك من الوجهاء ؟ أنا لم أوجه لك الدعوة ، ارجع إلى بيتك واغلق الباب على نفسك ولا تخرج منه .

نظر غصاب نحو الباب . كتم غيظه . بصق . عاد إلى بيته . أغلق باب بيته ونام .

( 2 )
سيادة الرئيس
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
لم يحدث شيء على أرض المطار . لم يلتفت له أحد . هبطت الطائرة بسلام . ترجّل منها . سار في أرض المطار . لم يعرفه رجال الأمن . لم يؤد له أحد التحية . امتعض قليلا لكنه ابتسم في سرّه . فقد تم إتقان إخفاء ملامح وجهه . دخل الصالة .وقف في طابور الخائفين . دفعة جاءت له من الخلف . لم يعتذر له . ظنّ أن السر في النظارة التي لم تكشف هويته وملامح وجهه . خلع النظارة عن وجهه . لم يحدث شيء . ولم يعرفه أحد . ثارت زوبعة غضب في فنجان هدوئه فقمعها . حاول أن يخرج من الطابور ، فنهره العسكري بفجاجة . تراجع عن غواية الكشف عن هويته . اصطف في الطابور صامتا .
وقف جوار الحاجز أمام العسكري . أعطاه جواز السفر . أخذه منه متأففا وبلا مبالاة .
ــ ما اسمك ؟ قال العسكري بفظاظة
*اسمي مكتوب في جواز السفر . أجابه بامتعاض وأضاف ألا تعرف القراءة؟
ــ سألتك عن اسمك . قال العسكري بنبرة عالية

كاد أن يجيبه باسمه الحقيقي . تراجع عن غواية الكشف عن اسمه والتزم الصمت .
ألا تعرف اسمك ؟ قال العسكري بحدة .
تمنى أن يصفع العسكري ويقول له : أنا رئيس الدولة أيها الغبي . تراجع عن غواية بطش الحاكم بالمحكوم وصمت .
مدّ العسكري إصبعه وضغط فخرج صفير حاد لفت الأنظار . تراكض العسكر نحو مصدر الصفير يشهرون أسلحتهم . تشابكت البنادق . تقدم أحدهم وشدّه من ياقة قميصه . آخر دفع به من الخلف بقوة . تمنى لو يستطيع القول أنه كان رئيس الدولة ........... أصاب الرئيس خرس، قاده العسكري إلى حيث لا يعرف الرئيس.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...