اشتد البرد وضاق الصدر فارتدى ملابسه وأحكم معطفه حول جسده وخرج يمشي بين أشجار تكاد تُجتث من عصف الريح. شعر بقدميه تفارقان الأرض، نظر إلى أسفل فوجد جسده آخذا في الصعود.. خفق قلبه لشدة الطيران.. انخلعت نعلاه واحدة تلو الأخرى.. سقطتا بقوة.. تلاهما معطفه.. ثم هوى سرواله.. الملابس تهوي في سرعة وتختفي.. صار كيوم ولدته أمه.. ازدادت سرعة الطيران، خفق قلبه بشدة حين انفصلت ساقه اليمنى وهوت وتلتها اليسرى، لم يشعر بألم لانفصالهما بل شعر براحة حين تخفف من ثقلهما، فازدادت سرعة العروج، ثم أخذ جلد الجذع يتقشر شيئا فشيئا ويهوي ويتلوه اللحم، ظهرت الأمعاء وجميع الأعضاء، أخذت تتساقط وتهوي بسرعة فيخف وزنه ويزداد سرعة في العروج. طارت الذراعان.. نظر بعينيه إلى أسفل فلم يجد سوى قلبه مثبتا تحت العنق ومن فوقه الرأس، مالت الرأس شيئا فشيئا ففقدت اتزانها وانحدرت وهوت لثقلها بقوة وتركت القلب وحده يواصل العروج.. نبتت للقلب عينان تقودانه في ظلمات الطريق وقد ازداد وجيبه، شق السماوات شقا حتى رأى النور، ثم كساه الله لحما وأنبت له ساقين وذراعين ولم يزل هناك يتنزه بين الحدائق والأنهار.