أرسل أبو القاسم الشابي في ربيع الأول سنة 1348ه الموافق لشهر أوت 1929م، من توزر رسالة الى صديقه محمد الحليوي يعلمه فيها بطبع كتابه (الخيال الشعري): (لقد أعلمني الأخ مصطفى خريف أن الكتاب قد أنجزت أعماله وأنه قدّم نسختين الى «المحافظة» لتأذن له في ترويجه ولكنها مازالت تسوِّفه وتضرب له الوعود الكاذبة اثر الوعود، ولا أدري ما الذي تعني بذلك، وانّ غدا لناظره قريب. ثم وجه إلي الأخ زين العابدين السنوسي نسخة من الكتاب اشعارا بإنهائه).
ثم قال له: (بما أنني بعيدٌ بتوزر فانني سأكلف مصطفى خريف بأنْ يوجه اليكم بمجرد ما يتسلم الاذن من المحافظة بذلك 28 نسخة من كتاب «الخيال الشعري عند العرب»نسخة هدية اليكم هدية ودٍّ واخاء وصداقة والبقية 15 نسخة للذين أشركتموهم وأنتم في بني خلاد على مقتضى الجذر الذي سلمتوه الي، وال12 الباقية للسادة الذين أعلمتموني في كتابكم الكريم بأنهم اشتركوا في الكتاب بالقيروان..)
وفي حاشية رسالته التي أرسلها اليه من تونس العاصمة في ربيع الأول سنة 1348 ه الموافق لشهر أوت 1929 م يقول له: (بما أن النسخ سيتولى توجيهها اليكم الأخ مصطفى خريف فستصلكم سبع وعشرون نسخة من طرفه، وأما نسخة الهدية فسأوجهها اليكم من توزر اذ من الواجب أن أكتب كلمة الاهداء بيميني).
وقد أرسل اليه نسخة عليها كلمة الاهداء التالية مكتوبة بيمينه: (تذكار الصداقة الخالدة والاخاء الصميم لحضرة الأديب الكبير صديقي الأخ محمد الحليوي. تونس 4/5/ 48 (13ه )
وعندما اطلعتُ على صورة الصفحة الأولى لهذه الوثيقة في المجلد السادس لمجموعة آثار الشابي والوثائق المتعلقة به التي أشرف على اعدادها للطبع أبو القاسم محمد كرو في الطبعة التي نشرتها (مؤسسة جائزة البابطين للابداع الشعري) في صفحات: 116/118 رأيت في أسفلها، كلمة (مطبعة العرب بتونس) وفوقها (سنة 1348)، بينما لا يوجد هذا التاريخ في نسختي، وهذا ما جعلني أظن أن الكتاب سُحِبَ مرتين، أو طبع على دفعتين.
وأود أن أشير الى أن نسختي المستعملة توجد بها مجموعة من التعليقات بقلم الرصاص مكتوبة بخط مغربي يشبه خطوط (العدول)، وبعدها تعليقات قليلة باللغة الفرنسية بالحبر الأخضر.
وأعتقد أن الورق «الرسمي» الجيد لم تُطبع عليه الا 300 نسخة حسب ما قال الشابي في رسالته الى صديقه محمد الحليوي حيث قال: (وقد أعلمني الأخ مصطفى خريف بأنه بذل كل الجهد هو والأخ زين العابدين في اقتناء الورق اللماع حتى يطبع عليه «رسمي» ولكن أبَى القدرُ ذلك فإنهم، بعد كل مجهود، لم يمْكنهم أن يطبعوا على ذلك الورق الا ثلاثمائة، وأما البقية من نسخ الكتاب فقد اضطروا الى طبعها على الورق الذي طبع منه الكتاب، والأمر لله من قبلُ ومن بعدُ). ولست أدري أيَّ النسختين طبعت على هذا الورق، وأكبر الظن أن النسخة التي أهداها الى الحليوي مطبوعة على الورق الممتاز الذي سماه «الرسمي» لأن اللياقة تقتضي ذلك.
وبعد حوالي شهر من ارسال تلك النسخ الى الحليوي اتصل الشابي منه برسالة يعلمه فيها بأنه تمَّ بيعها اذ أنه أجابه من القيروان في 2 سبتمبر 1929 برسالة قال له في حاشيتها: (يصلك داخل هذا حوالة بها فرنكات 136 وهي ثمن سبع عشرة نسخة من كتاب «الخيال الشعري» وأما النسخ الخاصة بالقيروان فسوف أبلغها الى أصحابها والى الملتقى القريب..).
واذا قمنا بعملية حسابية بسيطة عرفنا ثمن النسخة الواحدة من «الخيال الشعري» قد كان في ذلك الوقت، 8 مليمات، لأن 136 فرنكا مقسومة على 17 نسخة يساوي 8 عندما كانت للفرنك صولة ودولة.
وقوله: «وأما النسخ الخاصة بالقيروان فسوف أبلغها الى أصحابها» فيقصد به النسخ المدفوعة الثمن مسبقا عن طريق الاشتراك الذي ساهموا به في طبع الديوان ليتسلموه عند طبعه، فقد طبع الشابي (مقتطعات) أو (توصيلات) قام ببيعها أو توزيعها على الراغبين في اقتناء ديوان (أغاني الحياة) اتصل الشابي بالرسالة السابقة التي يعلمه فيها بأنه قد باع 17 نسخة وأرسل إليه بالبريد ثمنها المذكور.
ونلاحظ أن الصفحة الأخيرة من «الخيال الشعري» تحمل هذا الاعلان: (يظهر قريبا «أغاني الحياة» وهو الديوان الذي يضم شعر: أبي القاسم الشابي) أي أن الاعلان عن نشره بذلك العنوان قد وقع سنة 1929 قبل وفاته بستة أعوام، وقبل أن يكتب الشابي معظم قصائده الجيدة التي نشرت فيه بعد وفاته بواحد وعشرين عاما سنة 1955، في القاهرة كما كانت رغبة الشابي، ولكن في غير الظروف التي أرادها صاحبه.
وأود أن أذكِّرَ بأن جلال ابن أبي القاسم أطلعني على جميع ما كتب والده من شعر بخطه في نسختي (المسودات) وفي (المبيضات) وقد أشرفتُ على نشرهما، متبوعتين بالنصوص النثرية التي تحمل عنوان «الدموع الحائرة»، وذلك سنة 2009 بمناسبة احتفال تونس بذكرى مرور مائة سنة على ميلاده سنة 1909.
لقد كنا جميعا: وزارةً وناشرًا ومحققًا وورثة ً، عازمين على أن نُتْبِعَ تلك النشرة المصورة عن المخطوطة بنشرة مطبوعة مماثلة لها ليتمكن القراء والدارسون من مقارنة هذه بتلك مقارنة دقيقة.
وأختم كلمتي بالاشارة الى الأطروحة التي تُعِدُّها طالبة يشرف عليها الشاعر الدكتور منصف الوهايبي حول أشعار الشابي المخطوطة، مع مقارنتها بشعره المنشور في ديوانه (أغاني الحياة) في طبعاته المتعددة والمختلفة المضامين، شاملة تارة ومقتصرة على ما اختاره الشابي من شعره لينشر في ديوان (أغاني الحياة)، فمتى تعمل وزارة الثقافة على نشر شعره المخطوط في نسخ مطبوعة مساوية لها للغرض المذكور آنفا؟
نور الدين صمود
نشر في الشروق يوم 18 - 11 - 2012
ثم قال له: (بما أنني بعيدٌ بتوزر فانني سأكلف مصطفى خريف بأنْ يوجه اليكم بمجرد ما يتسلم الاذن من المحافظة بذلك 28 نسخة من كتاب «الخيال الشعري عند العرب»نسخة هدية اليكم هدية ودٍّ واخاء وصداقة والبقية 15 نسخة للذين أشركتموهم وأنتم في بني خلاد على مقتضى الجذر الذي سلمتوه الي، وال12 الباقية للسادة الذين أعلمتموني في كتابكم الكريم بأنهم اشتركوا في الكتاب بالقيروان..)
وفي حاشية رسالته التي أرسلها اليه من تونس العاصمة في ربيع الأول سنة 1348 ه الموافق لشهر أوت 1929 م يقول له: (بما أن النسخ سيتولى توجيهها اليكم الأخ مصطفى خريف فستصلكم سبع وعشرون نسخة من طرفه، وأما نسخة الهدية فسأوجهها اليكم من توزر اذ من الواجب أن أكتب كلمة الاهداء بيميني).
وقد أرسل اليه نسخة عليها كلمة الاهداء التالية مكتوبة بيمينه: (تذكار الصداقة الخالدة والاخاء الصميم لحضرة الأديب الكبير صديقي الأخ محمد الحليوي. تونس 4/5/ 48 (13ه )
وعندما اطلعتُ على صورة الصفحة الأولى لهذه الوثيقة في المجلد السادس لمجموعة آثار الشابي والوثائق المتعلقة به التي أشرف على اعدادها للطبع أبو القاسم محمد كرو في الطبعة التي نشرتها (مؤسسة جائزة البابطين للابداع الشعري) في صفحات: 116/118 رأيت في أسفلها، كلمة (مطبعة العرب بتونس) وفوقها (سنة 1348)، بينما لا يوجد هذا التاريخ في نسختي، وهذا ما جعلني أظن أن الكتاب سُحِبَ مرتين، أو طبع على دفعتين.
وأود أن أشير الى أن نسختي المستعملة توجد بها مجموعة من التعليقات بقلم الرصاص مكتوبة بخط مغربي يشبه خطوط (العدول)، وبعدها تعليقات قليلة باللغة الفرنسية بالحبر الأخضر.
وأعتقد أن الورق «الرسمي» الجيد لم تُطبع عليه الا 300 نسخة حسب ما قال الشابي في رسالته الى صديقه محمد الحليوي حيث قال: (وقد أعلمني الأخ مصطفى خريف بأنه بذل كل الجهد هو والأخ زين العابدين في اقتناء الورق اللماع حتى يطبع عليه «رسمي» ولكن أبَى القدرُ ذلك فإنهم، بعد كل مجهود، لم يمْكنهم أن يطبعوا على ذلك الورق الا ثلاثمائة، وأما البقية من نسخ الكتاب فقد اضطروا الى طبعها على الورق الذي طبع منه الكتاب، والأمر لله من قبلُ ومن بعدُ). ولست أدري أيَّ النسختين طبعت على هذا الورق، وأكبر الظن أن النسخة التي أهداها الى الحليوي مطبوعة على الورق الممتاز الذي سماه «الرسمي» لأن اللياقة تقتضي ذلك.
وبعد حوالي شهر من ارسال تلك النسخ الى الحليوي اتصل الشابي منه برسالة يعلمه فيها بأنه تمَّ بيعها اذ أنه أجابه من القيروان في 2 سبتمبر 1929 برسالة قال له في حاشيتها: (يصلك داخل هذا حوالة بها فرنكات 136 وهي ثمن سبع عشرة نسخة من كتاب «الخيال الشعري» وأما النسخ الخاصة بالقيروان فسوف أبلغها الى أصحابها والى الملتقى القريب..).
واذا قمنا بعملية حسابية بسيطة عرفنا ثمن النسخة الواحدة من «الخيال الشعري» قد كان في ذلك الوقت، 8 مليمات، لأن 136 فرنكا مقسومة على 17 نسخة يساوي 8 عندما كانت للفرنك صولة ودولة.
وقوله: «وأما النسخ الخاصة بالقيروان فسوف أبلغها الى أصحابها» فيقصد به النسخ المدفوعة الثمن مسبقا عن طريق الاشتراك الذي ساهموا به في طبع الديوان ليتسلموه عند طبعه، فقد طبع الشابي (مقتطعات) أو (توصيلات) قام ببيعها أو توزيعها على الراغبين في اقتناء ديوان (أغاني الحياة) اتصل الشابي بالرسالة السابقة التي يعلمه فيها بأنه قد باع 17 نسخة وأرسل إليه بالبريد ثمنها المذكور.
ونلاحظ أن الصفحة الأخيرة من «الخيال الشعري» تحمل هذا الاعلان: (يظهر قريبا «أغاني الحياة» وهو الديوان الذي يضم شعر: أبي القاسم الشابي) أي أن الاعلان عن نشره بذلك العنوان قد وقع سنة 1929 قبل وفاته بستة أعوام، وقبل أن يكتب الشابي معظم قصائده الجيدة التي نشرت فيه بعد وفاته بواحد وعشرين عاما سنة 1955، في القاهرة كما كانت رغبة الشابي، ولكن في غير الظروف التي أرادها صاحبه.
وأود أن أذكِّرَ بأن جلال ابن أبي القاسم أطلعني على جميع ما كتب والده من شعر بخطه في نسختي (المسودات) وفي (المبيضات) وقد أشرفتُ على نشرهما، متبوعتين بالنصوص النثرية التي تحمل عنوان «الدموع الحائرة»، وذلك سنة 2009 بمناسبة احتفال تونس بذكرى مرور مائة سنة على ميلاده سنة 1909.
لقد كنا جميعا: وزارةً وناشرًا ومحققًا وورثة ً، عازمين على أن نُتْبِعَ تلك النشرة المصورة عن المخطوطة بنشرة مطبوعة مماثلة لها ليتمكن القراء والدارسون من مقارنة هذه بتلك مقارنة دقيقة.
وأختم كلمتي بالاشارة الى الأطروحة التي تُعِدُّها طالبة يشرف عليها الشاعر الدكتور منصف الوهايبي حول أشعار الشابي المخطوطة، مع مقارنتها بشعره المنشور في ديوانه (أغاني الحياة) في طبعاته المتعددة والمختلفة المضامين، شاملة تارة ومقتصرة على ما اختاره الشابي من شعره لينشر في ديوان (أغاني الحياة)، فمتى تعمل وزارة الثقافة على نشر شعره المخطوط في نسخ مطبوعة مساوية لها للغرض المذكور آنفا؟
نور الدين صمود
نشر في الشروق يوم 18 - 11 - 2012