في الكون أسرار أهل الطريق لديهم منها الكثير لا يبوحون بها إلا لمن خلصت نيته، يعرفونهم بسيماهم، يتناثرون في الوادي والدلتا عقود جمان، يمشون بها، يفكون بعض ألغازها، شيخ مبارك يجوب الحارة عند منتصف الليل، يطرق الأبواب الغافية وراء السكون، يمسك بمفتاح منقوش عليه " لا غالب إلا الله" مخطوط من جلد عنزة شهباء به أسماء الصالحين ممن سيدخلون من باب القلعة الأيمن من جهة "حارة المغاربة" يذكر الله كثيرا، يصيح في النائمين: هبوا في الرحلة أوشكت على نهايتها!
أتداخل في فراشي، أتكور في غطائي، أغوص من فزعي، يوشك جسدي أن يدخل الحائط، يومها كنت صغيرا، أتخيله رجلا يحمل جراب الزمن، محني الظهر، لحيته بيضاء، يدب بعصاه، يهتف:
رب سائل لا يرد!
هل كان حكيما جاءنا؟
جدتي تقول: إنه يعيش في البرزخ؛ ولي من أولياء الله الصالحين، لا نعرف من أين جاء، كل ما نعرفه عنه أوراده وتجلياته، يزور حارتنا كل عام شهرا، لا ينام، الأشرار يتهمونه بأنه رجل السلطة؛ في ثياب زاهد، لم يره أحد من قبل؛ على وجهه قناع، يبدو أن وراءه سرا، في ليلة شاتية والريح تلطم الأبواب فتنتحب في فزع، اشتعل حريق، تطاير الحمام؛ وللنار شيطان من خراب ينفخ في الأسطح فيحيلها بركانا يتطاير شظى؛ رأته جدتي، في كبد السماء، ينثر قطرات ماء فيخمد اللهب، يتمتم ببعض كلمات فتتساقط الأمطار، تقسم إنه ولي الله الخضر.
نعلم أنها تختزن الحكايات، ذاكرتها نقش فوق حجر، تأتي بأدق الأجزاء، تروي كل ليلة، نلتف حولها، نتعارك حول القرب منها، نتسلل إلى فراشها بعد المغرب حين تأوي الأبقار والعنزات إلى حظائرها.
أم هاشم تسكن المحروسة؛ جاءت برأس سيدنا الحسين تحمله، تعطره بدم الغزال، نبكي حين منعوا عنه الماء، نتوسل يا الله !
نتساءل: ابن بنت رسول الله؟
تسكت ثم تكمل، تمساح كبير جاء في النيل؛ أخرج من بطنه الشيخ المبارك، يتملكنا الرعب؛ هل يحرس مقامات آل البيت؟
نسل يزيد يتوالى في كل مكان.
أتمنى أن أكون هناك مع الحسين، صغيرا ما أزال، ثيابي ممزقة، جسدي واهن كما عود قش تلقي به الريح، مجعد الشعر، حافي القدمين، لا أعرف الطريق تاهت الأماكن من ذاكرتي، يأتي طائر أبيض، يحملني إلى هناك، ألتمس نوره، ألف حارس يمنعني منه، يزيد يلهو بعصاه، يضرب أسنانه، أغرز نابي في رقبته، أحاول نزع قلبه، أفعل به ما فعلت هند بكبد حمزة.
سيف يقطر دما، أبواب المحروسة مغلقة بأقفال من حديد، تعوي الذئاب في نواحيها، كسرة خبز وشربة ماء، يمنعونهما الحسين.
أرتجف من برد الشتاء، أعلم أنهم هنا يبحثون عمن يحب الحسين، يتقفون آثار أولياء الله؛ خيولهم كل ليلة تضرب الأرض، يتسللون كما الجراد، ما يزال جب يوسف في البرية ينتظر، الريح تدوي والجدة تروي؛ تمعن في السرد، حكاية وراء أخرى؛ إبراهيم الخليل يؤمر أن يذبح وليده، هاجر تفزع، يأتي كبش أقرن يحمله جبريل؛ أسألها؛ ولم ترك الحسين ؟
عندنا عنزات وشياه وأبقار؛ ليتها كانت له فداء!
أسمع صوت الشيخ المبارك: سر خفي.. في المحروسة جلي!
حي حي!
أتسلل من مكاني، أنظر إليه، يحمل كتابا يقرأ فيه، تتساقط كلمات منه، تكون جملة " ولله في الكون سر خفي"..
فزعت إلى كوة بجدار بيتنا اللبني، ترسل الشمس دفأها، يترك الولي بعض ماء في ماعون نحاسي، أتوضأ منه، أجري خلفه؛ يتعثر خطوي، أحمل جرابه، أعلق مسبحته، تنثال الحكمة من فمي، أردد أذكاره، أحرس مقام الحسين، تأتي جموع تحمل الفول النابت وأرغفة الخبز، يسكن هنا جوعى وعراة، تتقارب المقامات بين السيدة والحسين ستنا نفيسة، مولانا الشافعي، مجرى العيون ماؤه مالح؛ يقهقه يزيد كل مرة، ينثر دم نسل الحسين، وعلى الآرائك حاشية تلوك الفتاوى، وللشيطان غربان تنعق، ولي الله الخضر يطوف بالمحروسة، يتمتم ويغرس النخيل فيأتي برطب جني!
تعدني جدتي بحكاية لما تكتمل بعدها، عن رجل جاء حارتنا، يحمل مصباحا في النهار، يوزع الماء في حارة السقايين، تساءلت وهل هو ولي من أولياء الله؟
انفتح سرداب طويل، بابه مخفي كما سر ولي الله، خرجت منه بقرة حمراء يتبعها قط أبيض، مربوط في عنقها حبل أصفر تتدلى منه تميمة زرقاء، كف أخضر، كلما ماء القط تحرك الكف، والبقرة عاقر، وجدتي ليس عندها تأويل ما رأيت في منامي؛ غير أن هاتفا صاح في حارتنا: زمن الحسين مطوي في اللوح المحفوظ حتي يأتي صاحب الزمان!
أتداخل في فراشي، أتكور في غطائي، أغوص من فزعي، يوشك جسدي أن يدخل الحائط، يومها كنت صغيرا، أتخيله رجلا يحمل جراب الزمن، محني الظهر، لحيته بيضاء، يدب بعصاه، يهتف:
رب سائل لا يرد!
هل كان حكيما جاءنا؟
جدتي تقول: إنه يعيش في البرزخ؛ ولي من أولياء الله الصالحين، لا نعرف من أين جاء، كل ما نعرفه عنه أوراده وتجلياته، يزور حارتنا كل عام شهرا، لا ينام، الأشرار يتهمونه بأنه رجل السلطة؛ في ثياب زاهد، لم يره أحد من قبل؛ على وجهه قناع، يبدو أن وراءه سرا، في ليلة شاتية والريح تلطم الأبواب فتنتحب في فزع، اشتعل حريق، تطاير الحمام؛ وللنار شيطان من خراب ينفخ في الأسطح فيحيلها بركانا يتطاير شظى؛ رأته جدتي، في كبد السماء، ينثر قطرات ماء فيخمد اللهب، يتمتم ببعض كلمات فتتساقط الأمطار، تقسم إنه ولي الله الخضر.
نعلم أنها تختزن الحكايات، ذاكرتها نقش فوق حجر، تأتي بأدق الأجزاء، تروي كل ليلة، نلتف حولها، نتعارك حول القرب منها، نتسلل إلى فراشها بعد المغرب حين تأوي الأبقار والعنزات إلى حظائرها.
أم هاشم تسكن المحروسة؛ جاءت برأس سيدنا الحسين تحمله، تعطره بدم الغزال، نبكي حين منعوا عنه الماء، نتوسل يا الله !
نتساءل: ابن بنت رسول الله؟
تسكت ثم تكمل، تمساح كبير جاء في النيل؛ أخرج من بطنه الشيخ المبارك، يتملكنا الرعب؛ هل يحرس مقامات آل البيت؟
نسل يزيد يتوالى في كل مكان.
أتمنى أن أكون هناك مع الحسين، صغيرا ما أزال، ثيابي ممزقة، جسدي واهن كما عود قش تلقي به الريح، مجعد الشعر، حافي القدمين، لا أعرف الطريق تاهت الأماكن من ذاكرتي، يأتي طائر أبيض، يحملني إلى هناك، ألتمس نوره، ألف حارس يمنعني منه، يزيد يلهو بعصاه، يضرب أسنانه، أغرز نابي في رقبته، أحاول نزع قلبه، أفعل به ما فعلت هند بكبد حمزة.
سيف يقطر دما، أبواب المحروسة مغلقة بأقفال من حديد، تعوي الذئاب في نواحيها، كسرة خبز وشربة ماء، يمنعونهما الحسين.
أرتجف من برد الشتاء، أعلم أنهم هنا يبحثون عمن يحب الحسين، يتقفون آثار أولياء الله؛ خيولهم كل ليلة تضرب الأرض، يتسللون كما الجراد، ما يزال جب يوسف في البرية ينتظر، الريح تدوي والجدة تروي؛ تمعن في السرد، حكاية وراء أخرى؛ إبراهيم الخليل يؤمر أن يذبح وليده، هاجر تفزع، يأتي كبش أقرن يحمله جبريل؛ أسألها؛ ولم ترك الحسين ؟
عندنا عنزات وشياه وأبقار؛ ليتها كانت له فداء!
أسمع صوت الشيخ المبارك: سر خفي.. في المحروسة جلي!
حي حي!
أتسلل من مكاني، أنظر إليه، يحمل كتابا يقرأ فيه، تتساقط كلمات منه، تكون جملة " ولله في الكون سر خفي"..
فزعت إلى كوة بجدار بيتنا اللبني، ترسل الشمس دفأها، يترك الولي بعض ماء في ماعون نحاسي، أتوضأ منه، أجري خلفه؛ يتعثر خطوي، أحمل جرابه، أعلق مسبحته، تنثال الحكمة من فمي، أردد أذكاره، أحرس مقام الحسين، تأتي جموع تحمل الفول النابت وأرغفة الخبز، يسكن هنا جوعى وعراة، تتقارب المقامات بين السيدة والحسين ستنا نفيسة، مولانا الشافعي، مجرى العيون ماؤه مالح؛ يقهقه يزيد كل مرة، ينثر دم نسل الحسين، وعلى الآرائك حاشية تلوك الفتاوى، وللشيطان غربان تنعق، ولي الله الخضر يطوف بالمحروسة، يتمتم ويغرس النخيل فيأتي برطب جني!
تعدني جدتي بحكاية لما تكتمل بعدها، عن رجل جاء حارتنا، يحمل مصباحا في النهار، يوزع الماء في حارة السقايين، تساءلت وهل هو ولي من أولياء الله؟
انفتح سرداب طويل، بابه مخفي كما سر ولي الله، خرجت منه بقرة حمراء يتبعها قط أبيض، مربوط في عنقها حبل أصفر تتدلى منه تميمة زرقاء، كف أخضر، كلما ماء القط تحرك الكف، والبقرة عاقر، وجدتي ليس عندها تأويل ما رأيت في منامي؛ غير أن هاتفا صاح في حارتنا: زمن الحسين مطوي في اللوح المحفوظ حتي يأتي صاحب الزمان!