بات يدير في عقله ألف فكرة، تتزاحم الصور في مخيلته لفتيات يتمايلن أنوثة، عيونهن تضج بسحر وإغراء عجز أن يقاومه؛ ينظر مرة إلى صورة وجهه في المرآة وقد دهمه قطار العمر الذي لا ينتظر أحدا؛ في بلاد تعاند الجمال وترسم بإبرة صدئة وجوها وأقنعة مستعارة؛ ترك الزمن بصمة تجاعيده التي لن تمحى؛ أدلة اتهامه ماثلة في جسده شعر رأسه وارتعاشة أصابعه، حتى نزق الأنثى ما عاد يراوده.
ما الذي أصابه؟
يفر إلى شاشة التلفاز عله يمضى وقتا يخرجه من تلك الرتابة؛ قناة الأغاني تبث أثيرها الراقص، هؤلاء يجددن ماء الحياة في ظهره المحاط بخريف يمتد؛ يختال جرذان في صفقة على قرن الغزلان؛ تعدو الكلاب في الخارج على حمامة وديعة؛ خرجت لتأتى بوعاء لبن فتستباح بكارتها، يضع يده في فمه يتقيأ؛ تسرع إليه؛ تتحسسه؛ حرارة جسده تقارب الأربعين!
يسأل نفسه: هل تبدلت الأرض بغيرها؟
ربما تجاوزه الزمن بمراحل، كل الذين عرفهم بدلوا أزياءهم وغيروا أسماءهم؛ فهذا زئفي وآخر ليفي، وتلك سارة وهذه إستير بل رفقة وجدها جدعون، عاد يوسف إلى بئر سبع؛ يربض الذئب في البرية وعواءه يخيف الأطفال، يتحرق قلب يعقوب عيناه ضربهما العمى مرة أخرى.
يداهمه الصمت المغلف بإطار من موات؛ يعود مسرعا إلى كتبه وأقلامه وأوراقه، سكنت العناكب السطور واغتالت الحروف فبدت الكلمات مشوهة مثقوبة لا تنبيء بغير الهذيان.
يسخر من ذاته؛ تشرذمت الأماكن وتغيرت المسميات، كم كان هذا الشاعر حالما حين قال: على هذه الأرض ما يستحق الحياة!
وهل ظل رقم بطاقة هويته "خمسون ألفا"؟
لن يسجل التاريخ غير تلك المخازي والهزائم.
فيما مضى كان يشتم رائحة أبيه؛ قميصه وقد مزقته المخالب من دبر، غادر إلى وجهة بعيدة؛ من له بالسيارة يحملونه معهم؟
أزكمت الأنوف بعطن الخرابة يسكنها ثعلب ماكر.
لقد سرق حجية البيت الكبير؛ ادعى أن الطيب وهبه إياه؛ عيانا وجدت أمه أن بطنها حملت ذات يوم بقابيل؛ في العراء يلقى الصغار؛ كذا الأبناء يدلسون، ترفع يديها تستجلب سهام القدر!
يحتال على النوم فيتأبى، إنه مسكون بالخوف، لم يبق غير ثيابه يمزقونها؛ يشعلون النار في أرضه؛ تدب كائنات غريبة في الممرات تسرق النهر وتهدم البنايات العتيقة؛ اليتم أدمى قلبه، انكسار خاطره تعجز المرافيء أن تؤويه عجز المنافي يحاصره.
يفتح النافذة فيتسلل النور وقد أجهده ظلام ليل شتوي؛ اختفى القمر وراء تلك الأسداف، يرتبك حين يجد العربة المحاطة بأقنعة واقية؛ تتوجه العيون صوب نافذته؛ تنطلق أوامر بأن يغلق كوته؛ يستجيب في ذعر؛ يشتهي أن يجلس أمامها؛ يمسك بريشة ألوانه ويرسم لها صورة تفوق رائعة دافنشي؛ عيناها بحر من مرمر؛ شفتاها حبة عنب؛ شعرها وقد سابق الرياح.
تناهى إلى أذنه صوت يشدو: عيرتني بالشيب وهو وقار؛ ليتها عيرتني بما هو عار!
مايزال إخوة يوسف حول الجب يبكون!
؛ لقد صار وجهة الحالمين بمقاعد عندها يعاقرون الخمر المعتقة؛ ويضاجعون ذوات النهود والخصور؛ وحده هنا في تلك البناية أبلاها العطن وسكنها الموت.
تتابع أقدام هؤلاء القادمين من بلاد البرتقال والياسمين؛ يبحثون عن تلك الخريطة التي احتفظ بها؛ قبل أن يرتحل الطيب إلى العالم الآخر ترك وصيته؛ دسها في خزانته العتيقة، هل وشت به تلك الراهبة حين طالع سفر الرؤيا؟
مؤكد أن هذا قد حدث بالفعل؛ ففي زمن السقوط في بئر السبع تتوالى هزائمه.
يطول به الليل؛ هجرته أليفته كان أشبه بجذع شجرة ضربه الجفاف، لم تسمع كلمة تطرب لها، تشتهي أن تتزين، خزانة ملابسها ضربها العطن وسرحت فيها العثة، يهرب إلى كتبه فيجدها بلا عنوان؛ فقد تهرأت وصارت كومة لا نفع يرتجى منها.
ما الذي أصابه؟
يفر إلى شاشة التلفاز عله يمضى وقتا يخرجه من تلك الرتابة؛ قناة الأغاني تبث أثيرها الراقص، هؤلاء يجددن ماء الحياة في ظهره المحاط بخريف يمتد؛ يختال جرذان في صفقة على قرن الغزلان؛ تعدو الكلاب في الخارج على حمامة وديعة؛ خرجت لتأتى بوعاء لبن فتستباح بكارتها، يضع يده في فمه يتقيأ؛ تسرع إليه؛ تتحسسه؛ حرارة جسده تقارب الأربعين!
يسأل نفسه: هل تبدلت الأرض بغيرها؟
ربما تجاوزه الزمن بمراحل، كل الذين عرفهم بدلوا أزياءهم وغيروا أسماءهم؛ فهذا زئفي وآخر ليفي، وتلك سارة وهذه إستير بل رفقة وجدها جدعون، عاد يوسف إلى بئر سبع؛ يربض الذئب في البرية وعواءه يخيف الأطفال، يتحرق قلب يعقوب عيناه ضربهما العمى مرة أخرى.
يداهمه الصمت المغلف بإطار من موات؛ يعود مسرعا إلى كتبه وأقلامه وأوراقه، سكنت العناكب السطور واغتالت الحروف فبدت الكلمات مشوهة مثقوبة لا تنبيء بغير الهذيان.
يسخر من ذاته؛ تشرذمت الأماكن وتغيرت المسميات، كم كان هذا الشاعر حالما حين قال: على هذه الأرض ما يستحق الحياة!
وهل ظل رقم بطاقة هويته "خمسون ألفا"؟
لن يسجل التاريخ غير تلك المخازي والهزائم.
فيما مضى كان يشتم رائحة أبيه؛ قميصه وقد مزقته المخالب من دبر، غادر إلى وجهة بعيدة؛ من له بالسيارة يحملونه معهم؟
أزكمت الأنوف بعطن الخرابة يسكنها ثعلب ماكر.
لقد سرق حجية البيت الكبير؛ ادعى أن الطيب وهبه إياه؛ عيانا وجدت أمه أن بطنها حملت ذات يوم بقابيل؛ في العراء يلقى الصغار؛ كذا الأبناء يدلسون، ترفع يديها تستجلب سهام القدر!
يحتال على النوم فيتأبى، إنه مسكون بالخوف، لم يبق غير ثيابه يمزقونها؛ يشعلون النار في أرضه؛ تدب كائنات غريبة في الممرات تسرق النهر وتهدم البنايات العتيقة؛ اليتم أدمى قلبه، انكسار خاطره تعجز المرافيء أن تؤويه عجز المنافي يحاصره.
يفتح النافذة فيتسلل النور وقد أجهده ظلام ليل شتوي؛ اختفى القمر وراء تلك الأسداف، يرتبك حين يجد العربة المحاطة بأقنعة واقية؛ تتوجه العيون صوب نافذته؛ تنطلق أوامر بأن يغلق كوته؛ يستجيب في ذعر؛ يشتهي أن يجلس أمامها؛ يمسك بريشة ألوانه ويرسم لها صورة تفوق رائعة دافنشي؛ عيناها بحر من مرمر؛ شفتاها حبة عنب؛ شعرها وقد سابق الرياح.
تناهى إلى أذنه صوت يشدو: عيرتني بالشيب وهو وقار؛ ليتها عيرتني بما هو عار!
مايزال إخوة يوسف حول الجب يبكون!
؛ لقد صار وجهة الحالمين بمقاعد عندها يعاقرون الخمر المعتقة؛ ويضاجعون ذوات النهود والخصور؛ وحده هنا في تلك البناية أبلاها العطن وسكنها الموت.
تتابع أقدام هؤلاء القادمين من بلاد البرتقال والياسمين؛ يبحثون عن تلك الخريطة التي احتفظ بها؛ قبل أن يرتحل الطيب إلى العالم الآخر ترك وصيته؛ دسها في خزانته العتيقة، هل وشت به تلك الراهبة حين طالع سفر الرؤيا؟
مؤكد أن هذا قد حدث بالفعل؛ ففي زمن السقوط في بئر السبع تتوالى هزائمه.
يطول به الليل؛ هجرته أليفته كان أشبه بجذع شجرة ضربه الجفاف، لم تسمع كلمة تطرب لها، تشتهي أن تتزين، خزانة ملابسها ضربها العطن وسرحت فيها العثة، يهرب إلى كتبه فيجدها بلا عنوان؛ فقد تهرأت وصارت كومة لا نفع يرتجى منها.