أمل الكردفاني- لعنة بلدة كوناباكي- قصة قصيرة

لم تشهد بلدة مثل ما شهدته بلدة كوناباكي من لعنة، بل كابوس حط على رقاب أهلها. كوناباكي هي بلدة إفريقية تقع على ساحل من سواحل إفريقيا شديد التعرج ولذلك كان ساحلاً مهجوراً؛ إذ لا تقربه السفن بسبب تضاريسه القاسية الوعرة. وبالمعنى الحرفي فقد حطت اللعنة على رقاب أهالي تلك البلدة. وبدأت القصة حينما سقط الطبيب أومان وهو يتلوى محاولاً بفزع بالغ أن ينزع مخالب طائرٍ أسود ضخم انقض على رقبته وغرز مخالبه في لحمها الطري. كان ذلك وسط السوق الكبير، فتجمهر الناس وتمكن بعضهم من قطع سيقان الطائر، الذي صرخ صرخة رهيبة ثم تحجر في مكانه حيث سقط. أما الطبيب أومان فقد جحظت عيناه ومات فور قطع سيقان الطائر. وهذه القصة تكررت مرتين أخرتين، إذ كانت تلك الطيور السوداء الضخمة تنقض على رقاب البعض، وما أن يتخلص الواحد منها حتى يموت. لذلك فقد سارع عمدة البلدة إلى استجلاب علماء لفهم ما يحدث، ومعرفة نوع تلك الطيور الغريبة، وسبب موت ضحاياها وكيفية التخلص منها. وقد تبين أن مخالب الطائر تفرز سماً زعافاً إذا تم انتزاعها من رقبة من تنغرس فيه. أما الطائر نفسه فلم يعرف أي أحد نوعه.
بعد ستة حوادث أخرى ازدادت هجمات تلك الطيور السوداء الملعونة، فانغرست في رقاب جميع أهل البلدة الذين فضلوا تركها على موتهم، إلى حين أن تجد لهم الحكومة المركزية مصلاً من السم، وهكذا سار كل واحد من أهالي تلك البلدة وفي رقبته طائر أسود يلازمه في كل مكان..في الشارع، وغرفة النوم، والحمام، في العمل، والنزهة، وكان ذلك مشهداً غريباً. وعندما انتشر الخبر في البلدات المجاورة، عزلوا بلدة كوناباكي، وحجروها. فلا يدخل منها أحد ولا يخرج منها أحد.
كانت مخالب الطائرة الحادة مؤلمة جداً ولكن الألم أفضل من الموت.
الفتى نويرو نقل دعوة العمدة لأهالي البلدة لاجتماع عاجل. فهرعوا إليه في ميدان البوصلة النحاسية.
كان العمدة يجلس والطائر الأسود في عنقه، وعلى جانبيه جلس الكاهن سانسير وكبير التجار ديان كوناباكي، وقد أسميت البلدة على جده صن بان كوناباكي، وهو أحد المناضلين ضد الاستعمار قبل خمسة عقود، كما جلس على المنصة الرئيسية كل من السيد أشتين وهو من بقايا الاستعمار المهجنين، والسيدة روز التي كانت جنرالا في الجيش قبل أن تتقاعد بعد إصابتها بأمراض عديدة. كلهم جلسوا على المنصة وفوق رقابهم انتصبت الطيور السوداء الضخمة وهي واجمة لا تصدر صوتاً. كذلك كان حشد باقي أهل البلدة الساحلية. فأصبح المشهد مثيراً للضحك لمن يراه من الغرباء، لذلك كان من الجيد عدم وجود غرباء.
كان الحنق بادياً على ملامح العمدة الذي كان يرفع نظره إلى أعلى ليرى الطائر القابض من خلفه على رقبته، ثم يعود العمدة لينظر إلى الجماهير وهو يكاد يبكي.
- أرجوكم هدوء..
قال العمدة، فهدأت الجماهير قليلاً.
- إنه كابوس حقيقي.. والمركز لم يهتم بنداءاتنا المتكررة له ليعجل لنا بالمصل..بالطبع يبررون تأخرهم بالحجر المضروب علينا ولذلك فهم لا يستطيعون الدخول لأخذ عينات من السم ليفحصوه. البارحة فقط أرسلوا قارورة مصل سم عادي عبر الحمام الزاجل، وقد حقنت بها أحد المساجين، لكن المسكين مات بعد أربعين ثانية من أخذه له. أرسلت لهم رسالة بالواقعة ولم يردوا. وأخشى ما أخشاه أن اعيش طيلة حياتي وهذا الطائر المشؤوم فوق رأسي..الشيء الجيد أنه طائر هادئ جداً، فبمجرد أن تنغرس مخالبه في رقبتك حتى يظل جامداً..لقد أرسلت صورته إلى المركز وهم بدورهم -بحسب كلامهم- أرسلوه إلى علماء كبار حول العالم، غير أنهم لم يتلقوا رداً شافياً.. قال أحد العلماء أنه طائر يعيش في إحدى الجزر في المحيط الهندي..غير أن عالِماً آخر أنكر ذلك..باختصار يا سادة لا أحد يعرف طبيعة هذا الطائر متبلد الإحساس.. وقد يستمر هذا الوضع لسنين..
امتقع وجه الكاهن سانسير فجأة حين رأى الماما جوزيفا تدخل وهي تتلفت باحثة عن مقعد وعلى رقبتها الطائر، فظل كظيم الوجه. وحين جلست غمغم:
- هذه هي سبب لعنة البلد..
اتسعت عينا الماما وقالت:
- ماذا تقصد أيها الكاهن المنافق..
قال وهو يلف نصف جسده العلوي إلى اليمين:
- لم أقل شيئاً..
وصمت الجميع حين قالت:
- ألم تكن تعرف دفء أحضاني قبل تكهنك..
صاح وهو يكاد يبكي:
- كاذبة..
همست الجنرال روز:
- كلنا كنا نعرف ذلك فاصمت..
قال الكاهن معترضاً:
- كاذبون.. ما كنت لألمس هذه المومس أبداً..
قهقهت الماما وقالت:
- أتراهن أمام كل هؤلاء الناس بألف بلشان..
دارت عيناه في محجريهما..فصاحت الجماهير:
- راهن..نعم راهن.. هيا أيها الكاهن..
فقال الكاهن والعرق يتصبب من جبينه:
- كان ذلك قبل الهداية...
فصاحت الماما جوزيفا:
- إذاً من الأفضل لك أن تصمت كما قالت الجنرال..
بعد هذا، ظل الكاهن صامتاً وجسده منحنٍ لأسفل ورأسه مطاطئ.
قال كبير التجار:
- هناك شيء غريب في الماما جوزيفا.. إن طائرها ليس أسوداً.. إنه رمادي.. أنظروا..
التفت الجميع إليها، فقالت بدهشة:
- لقد كان أسوداً في الصباح..
قال ديان كبير التجار:
- هل تقصدين أنه قد تغير؟
قالت:
- عندما تبرجت أمام المرآة رأيته أسوداً..
وجم ديان قليلاً وقال:
- غريب..
قال العمدة:
- دعونا من هذا ولندخل في صلب الموضوع..
قالت الجنرال روز:
- ليس هناك ما نقوله..ولا أعرف لماذا دعوتنا ما دمت لم تأت بحل لهذه المشكلة..
قال العمدة:
- صلِّ لنا أيها الكاهن..
تردد الكاهن قليلاً ثم بدأ يصلي بصوت خافت..فصاح العمدة:
- صلِّ بصوتٍ عال لكي نردد (آمين)..
فرفع الكاهن صوته:
- ارحمينا يا آلهة السماء والقبور..
وهنا بدأت الطيور تتحرك بهستيرية وتحمر عيناها..فصاح العمدة:
- توقف أيها الكاهن..
فصمت الكاهن..
- يبدو أن الطيور لا تحب صلاتك..
قال الكاهن:
- لا بد أنها شياطين..
صاح الطائر فوق رقبة الكاهن صيحة واحدة ثم تحجر وسقط مع الكاهن فنهض الجميع بذعر. اتجه العمدة نحو الكاهن ولمس عنقه وقال بحزن:
- لقد مات الكاهن والطائر سوياً..
هرعت الماما جوزيفا نحو الجثة وقالت بحزن:
- أرحميه يا آلهة السماء والقبور..
فأصبح الطائر على عنقها أبيض اللون ثم رفرف وطار مبتعداً وقد ألجمت الدهشة الجماهير بما فيهم العمدة.
كان ذلك يوما حافلاً للفتى أسبيرو باجان، الذي عمل في شرطة الإطفاء منذ سنتين. لقد أخبر الجميع بما شاهده.
- لم يحترق الطائر بالنار يا سادة.. رايته بأم عيني..كان يقبض على رقبة الرجل الذي احترق حتى تفحمت جثته أما الطائر فلم يحترق بل رفرف وخرج بعدها من نافذة المنزل الملتهب..عبر منها كما لو كان ذبابة ومر بقربي وأنا أحمل خرطوم المياه ثم طار مبتعداً..إنني أقول الحق مقسماً بحياة القديسة الماما كامبيل جوزيفا..
نالت الماما جوزيفا وصف القديسة بعد حادثة موت الكاهن.. ولكنها رفضت ذلك الوصف ورفضت منصب الكهانة في المعبد، مكتفية بعملها كمومس..
- أنتِ الوحيدة في البلدة التي بلا طائر.. لو أصبحتِ قديسة وكاهنة المعبد فقد تذهب عنا اللعنة..
لكنها أصرت رغم حديث السيد أشتين الذي يشعر دوماً بأنه مضطهد..وأنه ليس من حقه الحديث عن شؤون البلدة كأهلها الأصليين.
- إن دخلي من الدعارة ليس كبيراً ولذلك فأنا أحتاج لدخل إضافي والعمل ككاهنة سيحقق لي ذلك لكنه لن يكون عملاً إضافياً بأية حالة..
قال السيد أشتين بأن البلدة ستسمح لها بأن تعمل ككاهنة نهاراً وعاهرة ليلاً إذا كان ذلك يرضيها..وقد وافق جميع أهل البلدة على ذلك..غير أن الماما قالت:
- أنتم لا تفهمون.. إنني لا أحصل دائما على المال من الشباب ففي الغالب هم لا يملكون شيئاً لذلك فإنني أهبهم جسدي إما مجانا أو بمقابل بسيط..وعملي في الكهانة سيحرمني من كل ما سبق فإما أن ألتزم بالتعاليم المقدسة أو لا التزم بها..
ثم لما تجمهروا حولها غاضبين صاحت:
- هل أنتم منافقون..
وغادرت غاضبة..
قال العمدة:
- سنحاول إقناعها.. فلنجمع لها مبلغاً شهرياً يا سادة...نستقطعه من جيوبنا مقابل العمل ككاهنة..
قال ديان كونباكي:
- قبل كل هذا الهراء عليكم أن تسألوا أنفسكم..لماذا لم تحل اللعنة على هذه العاهرة.. ربما بإمكاننا أن نفعل مثلها.. والرأي عندي أنها كانت تعمل عمل الخير في أولئك الشباب العاطل الذي لم يجد متفسحاً له إلا في جسدها..
- ماذا تقصد يا سيد ديان..هل تريد منا أن نتبرع بممارسة الجنس..
قالت الجنرال روز فأجابها:
- ليس بالضرورة.. ولكن على أهل البلدة أن يفعلوا أفعال الخير منذ اليوم..
صاحت الجماهير معترضة، وقال العمدة:
- هل تريد أن تصبح واعظاً أيها البرجوازي..
- لا أريد ذلك.. ولكن فلنجرب..
- إنك تثير سخط الجماهير بكلامك هذا..
قال العمدة فصاح ديان:
- يا سيدي العمدة..ولماذا لم يثير نفس هذا الكلام سخطهم عندما كان يقوله الكاهن سانسير؟
قال العمدة: لأنهم يعرفون أن الكاهن مجرد أفاك..وأنه لا يعني كل ما يقوله..
نهض ديان وصاح:
- يمكنكم أن تصبروا على أعمال الخير لأسبوع فقط..
وهنا صاح الفتى نويرو:
- أنظروا.. لقد أصبح لون طائر السيد ديان رمادياً..
رفع ديان عينيه لأعلى وصاحت الجماهير بدهشة. فقال العمدة:
- يبدو أن حديث البرجوازي الصادق كان من القلب فعلا ولذلك تحول لون الطائر إلى الرمادي.. وبمزيد من عمل الخير ربما يصبح أبيضاً فيغادر عنق البرجوازي إلى الأبد..
ثم أشعل سجارة وقال:
- إذاً فهي مسألة فردية.. من يريد أن يتخلص من لعنة طائره الأسود فعليه أن يفعل أفعال الخير.. المسألة راجعة لإرادة كل منا الحرة.. انتهى الاجتماع..
ساد الهرج والمرج.. وتقدم رجل عجوز وقال:
- يا أهالي بلدة كوناباكي..فلنصبر على الخير لأسبوع فقط..
وهكذا اتفقوا على ذلك، رغم أن تنفيذ الإتفاق لم يكن بالأمر السهل، فحتى السيد ديان كاد أن يفقد عقله حينما تبين له أنه كلما باع لزبائنه سلعة ازداد لون الطائر سواداً..فصاح:
- إنني لم أسرقهم إنها أرباح طفيفة فلماذا تزداد سواداً أيها الكلب..
فتصيح زوجته:
- إنه طائر وليس كلب..
فيشيح عنها..
عانى أصحاب العقارات من ذات الشيء وهم يؤجرونها لغيرهم، وكذلك بائعو الخضروات والموظفون الذين يحصلون على رواتبهم وخدم المنازل..مما اضطر اهل بلدة كوناباكي للاجتماع بعد أسبوع والطيور لا زالت عالقة في أعناقهم بكل سوادها.
قالت الجنرال روز بأن ما يحدث شيء لا يمكن فهمه كما أنه لا يطاق..وقال السيد ديان كبير التجار بأن معايير الطيور ليست عادلة ثم قال بغضب:
- إنها ماركسية.. كان من المفترض أن يكون لونها أحمراً..
أما العمدة فقد ظل صامتاً طوال الضجيج، ثم أخرج مسدسه واطلق النار على طائره فسقط الطائر متجمداً ولحق به العمدة..وحينها وجمت الجماهير..
بعد انتهاء مراسم دفن العمدة، أصبح أمامهم خيار واحد فقط أخبرتهم به الجنرال روز بكل ثبات عسكرية سابقة:
- علينا أن نعود للتجارة البكماء يا سادة..
قال العجوز:
- ولكن هذا صعب يا سيدتي.. فأنا مثلاً أريد شراء بيضة وأنتِ تبيعين البيض ولكنك تريدين شراء خروف وأنا لدي الخروف وقد لا يكون لدي..
قالت الجنرال:
- ستكون النقود مجرد وحدات لحساب التناسب بين السلع فقط..
قال العجوز:
- والخدمات.. المقاولات..خدم المنازل..سائقو الأجرة؟
قالت الجنرال:
- لا أعرف..
فتدخل أشتين:
- سنعطيهم أجور مختلفة ونراقب تغيرات لون الطيور فوق أعناقنا..
قال العجوز معترضاً:
- يا سيد أشتين هذه طريقة صعبة.. الحياة لا يمكن أن تستمر هكذا..
فصاح أشتين لأول مرة في حياته:
- لا أعرف طريقة أخرى..هل تعرف أنت؟
قالت الجنرال:
- سنجرب لمدة أسبوع..
وهكذا بدأ أهل البلدة تجريب ذلك وبالفعل بدأت ألوان الطيور تتغير في وقت واحد لكنها كانت تتغير ببطء..فقال ديان:
- هذا لن ينفع يا أهل كوناباكي..علينا أن نسرِّع من وتيرة التغييرات.. وأقترح أن نقوم بجهد إضافي.. علينا أن نحسن للآخرين بقدر ما نستطيع..
قهقه أحد السكيرين وقال:
- بلدة المُحسنين.. أنتم تصيبونني بالجنون..
فرد عليه ديان:
- لا نملك غير ذلك وليكن ذلك لمدة شهر على الأقل..
فصاح السكير:
- .. أنتم تصيبونني بالجنون.. نحن بشر ولسنا ملائكة..ماذا تريد منا آلهة السماء والقبور..نحن بشر وعلينا أن نكون بشراً..نسرق ونحقد ونرتكب الحماقات والشرور لكي يكون للحياة طعم.. ما فائدة الخمر إن لم تكن تذهب العقل..
ثم قهقه وغادر الاجتماع..
- علينا أن نضغط على أنفسنا يا جماهير بلدة كوناباكي..فكل البلدات من حولنا ترفض السماح لنا بالرحيل إليها..بلدتنا محاصرة بالكامل وهناك البحر حيث لا شيء خلفه..
وهكذا اتفق أهل البلدة بشكل ضمني على أن يحسنوا إلى بعضهم البعض لمدة شهر.. وبالفعل تغير لون طيورهم واقترب من اللون الأبيض..أما الماما جوزيفا فقد غادرت البلدة منذ وقت طويل.
- والآن يا سيد أشتين.. لم يحدث شيء.. ها نحن ندخل شهرنا الخامس ولا شيء تغير.. الطيور لم تغادر أعناقنا رغم تغير ألوانها..
قال السيد اشتين:
- يبدو أن المسألة تتعلق بضمائركم وليس بالنقود فقط..إن ضمائركم ليست نقية..
صاح العجوز:
- وهل ضمير تلك العاهرة أنقى من ضمائرنا..
رد أشتين:
- لا أحد يعرف مثل الطيور..
ثم نهض وصاح:
- وأنا أقول لكم أن المسألة لم تكن صعبة كما تصورنا من قبل.. أليس كذلك؟..
قال ديان:
- هذا لأنك فقير.. لقد خسرتُ كل ثروتي من أجل تغيير لون الطائر..
فقال أشتين:
- ولكن أنظر.. البلدة تعيش في سلام.. لا أحد يعاني من أية آلام.. إنك لا تحتاج لثروتك وأنت معنا.. نحن متكاتفون أكثر..
قالت الجنرال روز:
- ليس الأمر كما تقول يا سيد أشتين.. هذه حياة رهبنة وتقشف.. نحن نتساوى في الفقر وانعدام الطموح..
قال أشتين:
- وما حاجتنا إلى الطموح إن كنا نعيش بسلام..
صاح ديان بغضب:
- لأننا بشر ولسنا ملائكة..لقد سئمت .. سئمت من هذا الطير الأحمق العالق في رقبتي.. سأقتل نفسي..
انتقل غضبه إلى الجماهير التي بدأت تفقد أعصابها..
صاح ديان:
- أريد أن أكون شريراً ولو لساعة واحدة.. أريد أن أتفاخر بما أملك.. أريد أن .. أن..
وجمع قبضتيه وهو يضغط على جفنيه بسخط..
قال الفتى نويرو:
- اصبروا فقط أسبوعا واحداً خلصوا ضمائركم من أدرانها مثل الماما كامبل جوزيفا..أسبوعا واحداً فقط لتغادر تلك الطيور..لا حسد لا حقد لا كراهية..
ويبدو أنهم قد اتفقوا على ذلك بشكل ضمني وإن كانوا لا يعرفون طريقة تنفيذ اتفاقهم..لكنهم وبعد بضعة اختبارات عرفوا أن الطريقة المثلى لذلك هي العزلة الكاملة.. وهكذا بدأوا في حفر قبورهم والنوم داخلها..وهم يرددون:
يا آلهة السماء والقبور انجدينا..
مضى الأسبوع الأول وتخلص البعض من عناق الطيور تماماً ثم تخلص آخرون منها أيضاً.. وخلال أسبوعين آخرين كانت الطيور السوداء التي تحولت لبيضاء قد اختفت تماماً من بلدتهم.
قالت الجنرال روز في اجتماعهم الأخير:
- علينا أن نغادر هذه البلدة يا سادة.. كل في طريقه الخاص.. علينا أن نتفرق في باقي بلدات الأرض كي نتجنب عودة اللعنة من جديد..
وهكذا حمل كل واحد من أهل البلدة بعض ممتلكاته وغادر..
وحين أصبحت بلدة كوناباكي خالية عادت المومس الماما كامبيل جوزيفا إليها لتعيش فيها وتطعم الطيور البيضاء الجميلة بسلام..

(تمت)

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...