تتوارد أنباء من بلاد بعيدة؛ أن بقرة حمراء تجري في الحقول لا تترك أخضر إلا أكلته؛ فتذر الأرض وراءها خاوية على سوقها، تضخمت حتى صارت أشبه بفيل عملاق، عيناها تدوران بوميض مخيف، ذنبها يقارب ثلاثة أمتار، تشرب إناء يعدل خمسة أمواج من ماء نهر السند أيام الفيضان أو يزيد عليها قليلا، تدر لبنا محلى بالسكر؛ تصنع منه النسوة الجبن الذي تربى عليه الصغار، ثمة دجاج تكتظ به بيوت السائرين في عتمة ليلة شاتية وقد هبت الريح ما تترك من شيء إلا أتت عليه.
حين كانت تمشي تختال كأنما هي مهرة أبو زيد الهلالي، تضرب بقدميها الأماميتين على العود؛ خوارها منغم.
بديعة الصوت والشدو، لا يقدر أحد أن يمسها بسوء، بعض رجال الله حذروا الناس من أن آخر الزمان قد اقترب؛ عليهم بالإستعداد للرحيل عن هذا العالم؛ القيامة على الأبواب.
يختزنون آلامهم وشكاياتهم التى أثقلت رقابهم لهذا اليوم؛ بلاشك ستكون فيه جنة أو نار.
تمرح صغارها وقد تدلت من رقابها سلاسل ذهبية؛ يلبسونها كساء من حرير وإستبرق؛ تتنعل جوارب من صوف، تزين صورها واجهات المحال.
تدور شاشات عملاقة في الميادين الكبيرة بحكايات ومسامرات شهية؛ يستظل بها السابلة ساعة القيلولة تنقل أسراب الذباب رسائل البؤس إلى وجوههم فيفتحون أفواههم في بلاهة يحسدون عليها؛ يقر جابي الضرائب عليهم حفنات من قمح أو عدس لخازن البقرة الحمراء.
ينشد المغنون في جمالها ألف موال، ينام الجوعى مشبعين بحكاياتها التي تزهر في ليالي الشتاء الطويل.
في الحقيقة لم نشاهد لها صورة حتى الآن، لكننا نصدق تلك الشائعة التي يصعب على الناس تكذيبها، طاف مناد في حارتنا: من له حاجة فليهب للبقرة المباركة مقدار كيلة من فول أو حفنات من قمح. لديها مفاتيح لا تعجزها مغاليق الأقفال.
تراكمت النذور عند بوابة المدينة حتى صارت تلا، برع موظفو البلدية في انتهاب تلك الغلال التي ظلت شهورا مكدسة في أجولة قرضت منها الفئران أكثر من الثلث، العصافير هي الأخرى انتهبت ثلثا آخر، كل هذا مدون في سجلات رسمية؛ لا أحد يكذب رجال السلطة؛ إنهم مصدقون.
ومن يجادل في هذا يذوق ظهره السوط المغموس في الزيت.
وجدها عازف الربابة فرصة لكي يستدر عطف البقرة الحمراء؛ أخذ يعدد مآثرها: تعرف من يهب لها الحبوب، تمد رقبتها فرحا كلما امتلأت خزانة بيته، يا لها من بقرة تجيد الغناء بصوت جميل؛ يغار منها الكروان، لقد صارت ملء السمع والبصر، شيخ المسجد الكبير يصلي بسورة البقرة فهي فاقع لونها تسر الناظرين؛ تماهيا مع تلك الشائعة؛ يرى أن الحديث عنها مستحب لا غبار عليه.
ومن العجيب أن أحدا لم يتحر صدق تلك الشائعة، كل ما فعلوه أنهم تنافسوا فيمن يهبها كمية أكبر؟
امتنع القصابون عن نحر رقاب الحيوانات رغم أن هذا تقره الشريعة؛ السباع في الغابة أصيبت بالهزال؛ خوفا من إغضاب البقرة الحمراء.
صارت تلك الشائعة مصدر إلهام للشعراء، ينظمون قصائد جميلة في عيون البقر الوحشي، انتسب كثيرون لتلك السلالة النادرة في عالم الأحياء.
آل قط وفأر وبنو أحمر وعصفور وغزال بل حتى وفيل وغراب؛ يتفاخرون بآبائهم وقد يتعاركون بالعصي- في ساحة المدينة المثقلة بحمل من جوع وأفدنة من فقر- حين يتابزون بالألقاب.
أخذت الصغار تجري مرحا، هي مباركة أينما ذهبت، في الهند وبلاد أخرى تركب الأفيال، للأبقار معابد، تنام متى شاءت؛ بولها عطر أخاذ، إنها أم لغاندي الذي عاش حافي القدمين، جسده النحيل لم تعطه أمه البقرة المباركة دهنا ولم تطعمه لحما؛ لكنه كان يراها إلهه الذي يمنحه اللبن بلا مقابل؛ سرت تلك الدعوى في بلاد أشرقت فيها شمس الله، ومدن زرعت حبات القمح.
ولأن مدينتنا يدب فيها كائن غريب الأطوار، يمسك بالقلم ويرسم ألف وجه للقمر في الليالي المظلمة، قلت النذور في الخزائن المحروسة برجال غلاظ الأكباد، بدأ الناس يتساءلون في أي بﻻد الله توجد تلك البقرة الحمراء؟
الألبان التي توزع في أسواق المدينة عند مجرى عيون النهر باتت أشبه بجير مطفي بالماء، لا يخض سمنا ولا يعطي عسلا.
عازف الربابة وقد جهل ما حدث من تغير في أدمغة سكان المدينة التي كانت من أيام تعيش على كرامات تلك الدابة الحمراء؛ يعزف بالناي ويضرب بالطبلة التي تصدر ضجيجا لا يتبعه صدى.
ولايعطي حفنة قمح أو أرغفة ملونة؛ البقرة الحمراء كانت لها مطالب غريبة، كل هذا صار بلا جدوى!
صوت واهن يأتي من وراء أبواب الحارة ؛ تلك شائعة مسطورة في كتاب عم محروس الذي يجعل الديوك تتعارك والحوائط تتحرك، لم يعد جديد في جراب الحاوي الذي أخرج الوهم المسيطر على العقول؛ لم يكتف بهذا؛ زعم أن قطا أسود يسامر البقرة الحمراء، يتراقص أمامها مرتديا قناعا مخيفا.
يقول لها كلاما معسولا، تسترخي وللشمس دفء يسري في جلدها.
بدت لا تسر الجائعين ولا تسلي التائهين في حارات العتمة، لا تنفع حيلة محروس ولا يغري عازف الربابة صغار الحي، بدت سوءات أخفاها الخدر اللذيذ من وقع مسامرات البقرة الحمراء.
جاءت يمامة يتبعها طائر أبيض؛ ألقيا برسالة فيها سر خطير، من اغتسل يوم الجمعة الأول من الشهر القمري زال عنه السحر الأسود الذى ألقى به محروس في النهر اليتيم، من عجب أنهم اصطادوا اليمامة طعاما للبومة العجوز، ألفوا العيش في حارة تتسلى بالحكاية الغريبة، تمرح أرتال من البعوض ولأجنحتها طنين..
حين كانت تمشي تختال كأنما هي مهرة أبو زيد الهلالي، تضرب بقدميها الأماميتين على العود؛ خوارها منغم.
بديعة الصوت والشدو، لا يقدر أحد أن يمسها بسوء، بعض رجال الله حذروا الناس من أن آخر الزمان قد اقترب؛ عليهم بالإستعداد للرحيل عن هذا العالم؛ القيامة على الأبواب.
يختزنون آلامهم وشكاياتهم التى أثقلت رقابهم لهذا اليوم؛ بلاشك ستكون فيه جنة أو نار.
تمرح صغارها وقد تدلت من رقابها سلاسل ذهبية؛ يلبسونها كساء من حرير وإستبرق؛ تتنعل جوارب من صوف، تزين صورها واجهات المحال.
تدور شاشات عملاقة في الميادين الكبيرة بحكايات ومسامرات شهية؛ يستظل بها السابلة ساعة القيلولة تنقل أسراب الذباب رسائل البؤس إلى وجوههم فيفتحون أفواههم في بلاهة يحسدون عليها؛ يقر جابي الضرائب عليهم حفنات من قمح أو عدس لخازن البقرة الحمراء.
ينشد المغنون في جمالها ألف موال، ينام الجوعى مشبعين بحكاياتها التي تزهر في ليالي الشتاء الطويل.
في الحقيقة لم نشاهد لها صورة حتى الآن، لكننا نصدق تلك الشائعة التي يصعب على الناس تكذيبها، طاف مناد في حارتنا: من له حاجة فليهب للبقرة المباركة مقدار كيلة من فول أو حفنات من قمح. لديها مفاتيح لا تعجزها مغاليق الأقفال.
تراكمت النذور عند بوابة المدينة حتى صارت تلا، برع موظفو البلدية في انتهاب تلك الغلال التي ظلت شهورا مكدسة في أجولة قرضت منها الفئران أكثر من الثلث، العصافير هي الأخرى انتهبت ثلثا آخر، كل هذا مدون في سجلات رسمية؛ لا أحد يكذب رجال السلطة؛ إنهم مصدقون.
ومن يجادل في هذا يذوق ظهره السوط المغموس في الزيت.
وجدها عازف الربابة فرصة لكي يستدر عطف البقرة الحمراء؛ أخذ يعدد مآثرها: تعرف من يهب لها الحبوب، تمد رقبتها فرحا كلما امتلأت خزانة بيته، يا لها من بقرة تجيد الغناء بصوت جميل؛ يغار منها الكروان، لقد صارت ملء السمع والبصر، شيخ المسجد الكبير يصلي بسورة البقرة فهي فاقع لونها تسر الناظرين؛ تماهيا مع تلك الشائعة؛ يرى أن الحديث عنها مستحب لا غبار عليه.
ومن العجيب أن أحدا لم يتحر صدق تلك الشائعة، كل ما فعلوه أنهم تنافسوا فيمن يهبها كمية أكبر؟
امتنع القصابون عن نحر رقاب الحيوانات رغم أن هذا تقره الشريعة؛ السباع في الغابة أصيبت بالهزال؛ خوفا من إغضاب البقرة الحمراء.
صارت تلك الشائعة مصدر إلهام للشعراء، ينظمون قصائد جميلة في عيون البقر الوحشي، انتسب كثيرون لتلك السلالة النادرة في عالم الأحياء.
آل قط وفأر وبنو أحمر وعصفور وغزال بل حتى وفيل وغراب؛ يتفاخرون بآبائهم وقد يتعاركون بالعصي- في ساحة المدينة المثقلة بحمل من جوع وأفدنة من فقر- حين يتابزون بالألقاب.
أخذت الصغار تجري مرحا، هي مباركة أينما ذهبت، في الهند وبلاد أخرى تركب الأفيال، للأبقار معابد، تنام متى شاءت؛ بولها عطر أخاذ، إنها أم لغاندي الذي عاش حافي القدمين، جسده النحيل لم تعطه أمه البقرة المباركة دهنا ولم تطعمه لحما؛ لكنه كان يراها إلهه الذي يمنحه اللبن بلا مقابل؛ سرت تلك الدعوى في بلاد أشرقت فيها شمس الله، ومدن زرعت حبات القمح.
ولأن مدينتنا يدب فيها كائن غريب الأطوار، يمسك بالقلم ويرسم ألف وجه للقمر في الليالي المظلمة، قلت النذور في الخزائن المحروسة برجال غلاظ الأكباد، بدأ الناس يتساءلون في أي بﻻد الله توجد تلك البقرة الحمراء؟
الألبان التي توزع في أسواق المدينة عند مجرى عيون النهر باتت أشبه بجير مطفي بالماء، لا يخض سمنا ولا يعطي عسلا.
عازف الربابة وقد جهل ما حدث من تغير في أدمغة سكان المدينة التي كانت من أيام تعيش على كرامات تلك الدابة الحمراء؛ يعزف بالناي ويضرب بالطبلة التي تصدر ضجيجا لا يتبعه صدى.
ولايعطي حفنة قمح أو أرغفة ملونة؛ البقرة الحمراء كانت لها مطالب غريبة، كل هذا صار بلا جدوى!
صوت واهن يأتي من وراء أبواب الحارة ؛ تلك شائعة مسطورة في كتاب عم محروس الذي يجعل الديوك تتعارك والحوائط تتحرك، لم يعد جديد في جراب الحاوي الذي أخرج الوهم المسيطر على العقول؛ لم يكتف بهذا؛ زعم أن قطا أسود يسامر البقرة الحمراء، يتراقص أمامها مرتديا قناعا مخيفا.
يقول لها كلاما معسولا، تسترخي وللشمس دفء يسري في جلدها.
بدت لا تسر الجائعين ولا تسلي التائهين في حارات العتمة، لا تنفع حيلة محروس ولا يغري عازف الربابة صغار الحي، بدت سوءات أخفاها الخدر اللذيذ من وقع مسامرات البقرة الحمراء.
جاءت يمامة يتبعها طائر أبيض؛ ألقيا برسالة فيها سر خطير، من اغتسل يوم الجمعة الأول من الشهر القمري زال عنه السحر الأسود الذى ألقى به محروس في النهر اليتيم، من عجب أنهم اصطادوا اليمامة طعاما للبومة العجوز، ألفوا العيش في حارة تتسلى بالحكاية الغريبة، تمرح أرتال من البعوض ولأجنحتها طنين..