(المثقف) هذا المصطلح المطاطي الذي يضم تحت عباءته نماذج وتصنيفات عديدة تختلف باختلاف المفاهيم والأفكار التي يحملها كل نموذج وأيضاً باختلاف الدور الذي يلعبه، مما يدفعنا للتعامل مع المثقفين ليس كمجموعة واحدة بل وفقاً لمثل تلك التصنيفات، فما بين تصنيف عام لمثقف أكاديمي ومثقف غير أكاديمي، مثقف الشعب ومثقف المنطقة ، متدين أو علماني ، مثقفين لهم مكانتهم الفعلية في ميدان الثقافة، ولهم شخصيتهم الثقافية، ويؤثرون، فعلاً في الساحة الثقافية، ويعملون على إنتاج القيم التي تنفذ إلى بناء المسلكية الفردية، والجماعية، والمثقفين الذين لا يدرون من الثقافة إلا التشكل الفردي والجماعي وفق نمط معين، ومن أجل إنتاج ممارسة معينة، سعياً إلى تحقيق أهداف معينة .
فالثقافة ليست مجموعة معلومات تحشى في الرؤوس، أو ألفاظ وعبارات نخبوية أو مصطلحات مصدرة تحرق في الصالونات الأدبية أو التجمعات الحوارية، بل هي إنتاج فكري يبدأ بالنفس وينطلق للآخر.
هل يلزم أن يكونَ المثقف خلوقاً؟
إن هناك تدافعا نفسيا كبيرا في رحلة المثقف العربي، كلما احتشدت عليه الظروف أضحى الأمر أصعب، كيف يسعى لتثبيت معياره الأخلاقي، وعدم الإساءة للناس أو نقل ما يضرهم، أو نعتهم بما يزدريهم، وبالخصوص الند أو المماثل أو الزميل المثقف، وبالطبع هنا نحن نقصد كل مثقف رجلاً أو امرأة.
وهناك مدارات أصعب للمثقف المستقل، والاستقلال هنا ليس محصوراً أن يولد ذلك الكاتب أو الرأي أو الناقد، في كوكب آخر، فلا توجد قدرة لإنسان من تحقيق مساحة حضور وتحرير رؤية، ودفع قلمه بفكرة ناضجة دون تقاطعات .
إنما المعيار أكان المثقف في قبيلة المؤسسة أو التيار ذي الإمكانية، أو كان مستقلاً مشاركاً، هو في حجم تجنبه الكبائر السلوكية وهي الترويج للظلم، أو العزف الصاخب للبروباغندا، لتمرير مسلك سوء، أو دفق حبره الحرام على مثقف بريء، لم يجد هذا المثقف الناقد أو الحاقد، إلا توجيه سهامه ضده، وهكذا اختلط على الناس فصل مادته الثقافية عن ضميره المريض.
إنها رحلة صعبة بالفعل، سواء لجمهور التلقي أو لحركة الجدل المعرفي الحر، خاصة حين تكون حالة المرض في هذا المثقف متقدمة جداً، فهو في وضع يجعله مجهر تسلط تثور مشاعره وتجيش نفسه بالحسد، لكل إنتاج فكري، ولا يقصد من ذلك ألا يكون للقلم النقدي حقه، وإلا لهَوَت موازين الناس، وإنما القصد هو أن تتملك هذا الشخص حالة فزع نفسية من ظهور قلم أو طرح قضية، أو بروز فكرة، فتنكفئ نفسه على كراهية أي نجاحٍ محتمل، فينطلق للطعن قبل أن تستوي الفكرة على منصة الرأي.
فما هي علاقة المثقف بالأخلاق ؟
سؤال قد يثير الغرابة، ولكنه في نفس الوقت قد لا يكون غريباً في ظل ما نراه من تحول الثقافة لدى البعض إلى ستار فاشل يستر خلفها الكثير من المشاهد المؤلمة للانتهاكات المتتالية للشعارات والمبادئ التي يرفعونها وتهريب الكثير من السلوكيات التي قد تساهم في مضاعفة سلبيات هذا المجتمع وتأزم قضاياه وعدم أدائهم لدور ينسجم مع رسالتهم الحقيقية ويعكس مدى توافق خطاباتهم مع الواقع الذي يعيشونه والسلوك الفردي الذي يمارسونه.
ثقافة الأخلاق، هي ثقافة ضرورية تختلف من مجتمع لآخر باختلاف المقاييس التي يسنها كل مجتمع لنفسه والتي تتوافق مع خصوصية أفراده وموروثاتهم الدينية والاجتماعية والتي تكون كفيلة بتمييز كل مجتمع عن نظيره وكذلك بتحصينه من الكثير من المشكلات التي تقوده إلى التدني والهبوط .
إن الفترة الأخيرة ممثلة في نصف القرن الماضي قد أحدثت تغييراً أساسياً في تركيبة المثقف وفي اتجاهه، وبالتالي في دوره الاجتماعي، فقد تحولت الطبقة المثقفة لدى مجتمعاتنا من مجرد عدد متواضع من الكُتَّاب الأفذاذ أو الشعراء أو المؤلفين والتي كانت توجهاتهم مبنية على خلفيات نهضوية أيديولوجية إلى جمهور وقوة فاعلة على المجتمع ، لذا فإننا نجد أن دوره لم يعد مقصوراً على التأثير الأدبي الثقافي بل تجاوزه إلى التأثير الاجتماعي الثقافي.
لذا فإن الكيفية التي يتعامل بها المجتمع مع المثقف والتي تحتم عليه عدم الوقوف عند حد التنظيرات والانتقادات والنزول إلى أرض الواقع ومستوى العمل الحقيقي والتركيبة الخاصة التي ينظر من خلالها المجتمع لمثقفيه، هي من تجعلنا نتطرق لمسألة محاكمة سلوك المثقف وأخلاقياته وكيف يمكن أن تلعب هذه الأخلاق دوراً مهماً في قياس مصداقيته، فالثقافة الحقيقية هي كما قلنا سابقاً مزيج شخصي أخلاقي واجتماعي وسلوكي من الدرجة الأولى وليست مقصورة فقط على النتاج الأدبي الذي ربما لا يكشف كثيراً عن حقيقة ذات كاتبه، كما أن العلاقة الوثيقة ما بين أي مجتمع ومثقفيه والدور الهام الذي يلعبه المثقف في تغيير كثير من المفاهيم والسلوكيات والأفكار لدى أفراد المجتمع هي من تجعلنا نطرح سؤالاً شائكاً يتعلق بإشكالية مدى التزام المثقف بالمبادئ التي يدعو لها أو الأفكار التي يحملها و الحضارة الذاتية التي يمارسها على نفسه ومحاولة بلورتها بحيث لا تتعارض مع ما يدعو له ولا تتعارض مع المبادئ الأخلاقية المستندة على مفاهيم دينية واجتماعية للمنظومة التي يتواجد بها.
انحراف المثقف عن مساره الفكري لا يمكن حصره في جانب واحد، فما بين استغلال البعض لمكانتهم الفكرية والثقافية في المجتمع لتحقيق نزوات عابرة أو استغلال تلك المكانة لنيل مصلحة شخصية، مروراً بفوبياء الخوف من السلطة، إلى هاجس التصنيفات الثقافية والنخبوية المختلفة، انتهاءً بأبراج عاجية يشيدها أنصاف المثقفين بفكرهم الهزيل، والعديد من السلوكيات التي لا تتوافق وماهية المنهج الفكري الذي يدعو له، هذه الانحرافات هي ما خلفت لدينا أزمة بنيوية فكرية اجتماعية، وأزمة ثقة حقيقية فيما يطرحونه من أفكار أو يقدمونه من مشاريع، فحتى نثق بماهية المنتج يجب أن نثق أولاً بالمنتج.
إن مصداقية المثقف وارتباطها بإرادة الفضيلة هو ما يمنحه القوة في التغلغل بمرونة داخل المجتمع ويعزز الثقة بينه وبين أفراده، تعامله مع الفضيلة كإرادة حرة وقيمة موجودة لا تجير لمصلحة فردية بل كقيمة خالدة تشمل كل فئاته هو من يمنحه تلك الثقة الكفيلة بمساعدته على اتخاذ المواقف الإيجابية وكسر القطيعة بينه وبين مجتمعه، فقدانه لهذه الثقة سيجعل منه صورة مشوهة للمثقف ويؤدي إلى تدني مستويات النتاجات الفكرية والتي تفتقر بدورها إلى أبسط مقومات الحقائق، بل ربما تتحول إلى متاجرة على حساب الذوق العام وعلى حساب مشكلات المجتمع ومصادر أفراده، وبالتالي فرض واقع مليء بالأمراض الاجتماعية دون وجود من يمتلك الإمكانات والقدرة على تشخيصها والتعبير عنها، لذا فإننا نجد أنه من الصعب أن نمارس الفصل ما بين التنظير الذي يمارسه المثقف وبين الواقع الذي يتعاطى معه، فالمثقف يظل نسيج نفسه ومجتمعه و إن امتلك مساحة شاسعة من الفعل الإنساني فإنه يجب أن لا يفشل في ترويض أفعاله بحيث لا يقع ضحية الازدواجية والتناقض وبحيث يكون منتجاً لثقافة أصيلة تخدم فكره الإنساني.
فالثقافة ليست مجموعة معلومات تحشى في الرؤوس، أو ألفاظ وعبارات نخبوية أو مصطلحات مصدرة تحرق في الصالونات الأدبية أو التجمعات الحوارية، بل هي إنتاج فكري يبدأ بالنفس وينطلق للآخر.
هل يلزم أن يكونَ المثقف خلوقاً؟
إن هناك تدافعا نفسيا كبيرا في رحلة المثقف العربي، كلما احتشدت عليه الظروف أضحى الأمر أصعب، كيف يسعى لتثبيت معياره الأخلاقي، وعدم الإساءة للناس أو نقل ما يضرهم، أو نعتهم بما يزدريهم، وبالخصوص الند أو المماثل أو الزميل المثقف، وبالطبع هنا نحن نقصد كل مثقف رجلاً أو امرأة.
وهناك مدارات أصعب للمثقف المستقل، والاستقلال هنا ليس محصوراً أن يولد ذلك الكاتب أو الرأي أو الناقد، في كوكب آخر، فلا توجد قدرة لإنسان من تحقيق مساحة حضور وتحرير رؤية، ودفع قلمه بفكرة ناضجة دون تقاطعات .
إنما المعيار أكان المثقف في قبيلة المؤسسة أو التيار ذي الإمكانية، أو كان مستقلاً مشاركاً، هو في حجم تجنبه الكبائر السلوكية وهي الترويج للظلم، أو العزف الصاخب للبروباغندا، لتمرير مسلك سوء، أو دفق حبره الحرام على مثقف بريء، لم يجد هذا المثقف الناقد أو الحاقد، إلا توجيه سهامه ضده، وهكذا اختلط على الناس فصل مادته الثقافية عن ضميره المريض.
إنها رحلة صعبة بالفعل، سواء لجمهور التلقي أو لحركة الجدل المعرفي الحر، خاصة حين تكون حالة المرض في هذا المثقف متقدمة جداً، فهو في وضع يجعله مجهر تسلط تثور مشاعره وتجيش نفسه بالحسد، لكل إنتاج فكري، ولا يقصد من ذلك ألا يكون للقلم النقدي حقه، وإلا لهَوَت موازين الناس، وإنما القصد هو أن تتملك هذا الشخص حالة فزع نفسية من ظهور قلم أو طرح قضية، أو بروز فكرة، فتنكفئ نفسه على كراهية أي نجاحٍ محتمل، فينطلق للطعن قبل أن تستوي الفكرة على منصة الرأي.
فما هي علاقة المثقف بالأخلاق ؟
سؤال قد يثير الغرابة، ولكنه في نفس الوقت قد لا يكون غريباً في ظل ما نراه من تحول الثقافة لدى البعض إلى ستار فاشل يستر خلفها الكثير من المشاهد المؤلمة للانتهاكات المتتالية للشعارات والمبادئ التي يرفعونها وتهريب الكثير من السلوكيات التي قد تساهم في مضاعفة سلبيات هذا المجتمع وتأزم قضاياه وعدم أدائهم لدور ينسجم مع رسالتهم الحقيقية ويعكس مدى توافق خطاباتهم مع الواقع الذي يعيشونه والسلوك الفردي الذي يمارسونه.
ثقافة الأخلاق، هي ثقافة ضرورية تختلف من مجتمع لآخر باختلاف المقاييس التي يسنها كل مجتمع لنفسه والتي تتوافق مع خصوصية أفراده وموروثاتهم الدينية والاجتماعية والتي تكون كفيلة بتمييز كل مجتمع عن نظيره وكذلك بتحصينه من الكثير من المشكلات التي تقوده إلى التدني والهبوط .
إن الفترة الأخيرة ممثلة في نصف القرن الماضي قد أحدثت تغييراً أساسياً في تركيبة المثقف وفي اتجاهه، وبالتالي في دوره الاجتماعي، فقد تحولت الطبقة المثقفة لدى مجتمعاتنا من مجرد عدد متواضع من الكُتَّاب الأفذاذ أو الشعراء أو المؤلفين والتي كانت توجهاتهم مبنية على خلفيات نهضوية أيديولوجية إلى جمهور وقوة فاعلة على المجتمع ، لذا فإننا نجد أن دوره لم يعد مقصوراً على التأثير الأدبي الثقافي بل تجاوزه إلى التأثير الاجتماعي الثقافي.
لذا فإن الكيفية التي يتعامل بها المجتمع مع المثقف والتي تحتم عليه عدم الوقوف عند حد التنظيرات والانتقادات والنزول إلى أرض الواقع ومستوى العمل الحقيقي والتركيبة الخاصة التي ينظر من خلالها المجتمع لمثقفيه، هي من تجعلنا نتطرق لمسألة محاكمة سلوك المثقف وأخلاقياته وكيف يمكن أن تلعب هذه الأخلاق دوراً مهماً في قياس مصداقيته، فالثقافة الحقيقية هي كما قلنا سابقاً مزيج شخصي أخلاقي واجتماعي وسلوكي من الدرجة الأولى وليست مقصورة فقط على النتاج الأدبي الذي ربما لا يكشف كثيراً عن حقيقة ذات كاتبه، كما أن العلاقة الوثيقة ما بين أي مجتمع ومثقفيه والدور الهام الذي يلعبه المثقف في تغيير كثير من المفاهيم والسلوكيات والأفكار لدى أفراد المجتمع هي من تجعلنا نطرح سؤالاً شائكاً يتعلق بإشكالية مدى التزام المثقف بالمبادئ التي يدعو لها أو الأفكار التي يحملها و الحضارة الذاتية التي يمارسها على نفسه ومحاولة بلورتها بحيث لا تتعارض مع ما يدعو له ولا تتعارض مع المبادئ الأخلاقية المستندة على مفاهيم دينية واجتماعية للمنظومة التي يتواجد بها.
انحراف المثقف عن مساره الفكري لا يمكن حصره في جانب واحد، فما بين استغلال البعض لمكانتهم الفكرية والثقافية في المجتمع لتحقيق نزوات عابرة أو استغلال تلك المكانة لنيل مصلحة شخصية، مروراً بفوبياء الخوف من السلطة، إلى هاجس التصنيفات الثقافية والنخبوية المختلفة، انتهاءً بأبراج عاجية يشيدها أنصاف المثقفين بفكرهم الهزيل، والعديد من السلوكيات التي لا تتوافق وماهية المنهج الفكري الذي يدعو له، هذه الانحرافات هي ما خلفت لدينا أزمة بنيوية فكرية اجتماعية، وأزمة ثقة حقيقية فيما يطرحونه من أفكار أو يقدمونه من مشاريع، فحتى نثق بماهية المنتج يجب أن نثق أولاً بالمنتج.
إن مصداقية المثقف وارتباطها بإرادة الفضيلة هو ما يمنحه القوة في التغلغل بمرونة داخل المجتمع ويعزز الثقة بينه وبين أفراده، تعامله مع الفضيلة كإرادة حرة وقيمة موجودة لا تجير لمصلحة فردية بل كقيمة خالدة تشمل كل فئاته هو من يمنحه تلك الثقة الكفيلة بمساعدته على اتخاذ المواقف الإيجابية وكسر القطيعة بينه وبين مجتمعه، فقدانه لهذه الثقة سيجعل منه صورة مشوهة للمثقف ويؤدي إلى تدني مستويات النتاجات الفكرية والتي تفتقر بدورها إلى أبسط مقومات الحقائق، بل ربما تتحول إلى متاجرة على حساب الذوق العام وعلى حساب مشكلات المجتمع ومصادر أفراده، وبالتالي فرض واقع مليء بالأمراض الاجتماعية دون وجود من يمتلك الإمكانات والقدرة على تشخيصها والتعبير عنها، لذا فإننا نجد أنه من الصعب أن نمارس الفصل ما بين التنظير الذي يمارسه المثقف وبين الواقع الذي يتعاطى معه، فالمثقف يظل نسيج نفسه ومجتمعه و إن امتلك مساحة شاسعة من الفعل الإنساني فإنه يجب أن لا يفشل في ترويض أفعاله بحيث لا يقع ضحية الازدواجية والتناقض وبحيث يكون منتجاً لثقافة أصيلة تخدم فكره الإنساني.
الكاتب حسن مستعد
الكاتب حسن مستعد, Casablanca. 526 likes · 1 talking about this. الكتابة هي الحياة و الحياة هي الكتابة
www.facebook.com