وأنا أقرأ في العمل الأدبي الأخير للروائية دينا سليم حنحن ابنة مدينة اللد " ما دونه الغبار "( مكتبة " كل شيء " / حيفا ، ٢٠٢١ ) تذكرت قصة سميرة عزام " عام آخر " وقصيدة محمود درويش " نزل على بحر " .
في القصيدة يتساءل الشاعر :
"- كم مرة ستهاجر الثورة "
وكان كتب عن هجرات لا تنتهي ومحاولات عديدة " محاولة رقم ٧ " ، وتساءل أيضا في القصيدة :
"- وإذا رجعتم فلأي منفى ترجعون ؟" .
أما سميرة عزام في قصتها فتروي حكاية الأم اللاجئة في لبنان التي تركت ابنتها في الناصرة ، وسعت إلى الالتقاء بها مرة في العام بواسطة الصليب الأحمر عبر بوابة مندلباوم التي أزيلت بعد حرب حزيران مباشرة ولم تبق حاضرة إلا في النصوص الأدبية . من من الجيل الجديد يعرف عن بوابة مندلباوم ؟
كلما سافرت الأم من مخيمات بيروت إلى القدس لتلتقي بابنتها على البوابة تعذر حضور الابنة ، فتارة يمرض زوجها وثانية تضع مولودها وهلم جرا ، وتصر الأم على مواصلة المحاولات في العام القادم " عام آخر " .
في " ما دونه الغبار " تقص الكاتبة حكايا أهل اللد والمقيمين فيها في العام ١٩٤٨ ؛ ما قبله وما بعده وفيه .
ترغب جميلة جدة الساردة دينا في زيارة أهلها في السلط ، فقد استبد بها الحنين بخاصة بعد أن فقدت زوجها رشدي في غمرة حرب ١٩٤٨ ، وتحاول .
في المحاولة الأولى أعيدت جميلة من الحدود الأردنية بسبب خلل في بيانات تأشيرة الدخول .
في المحاولة الثانية استطاعت العبور لكن لم تستطع والدتها التي كانت في زيارة أقرباء لها في قرية زي الوصول إلى السلط بسبب سوء الأحوال الجوية ، ولم تلتقيا وعادت جميلة إلى اللد خائبة لتنهش التنغيصة قلبها من جديد .
في المحاولة الثالثة وصلت إلى السلط لتتفاجأ بعدم وجود والدتها بين الحضور ، فقد أبعدت فضة عن المدينة قصدا ، وأفشل المغرضون اللقاء بين الأم وابنتها الوحيدة .
في المحاولة الرابعة ألغيت تصاريح دخول الأراضي الأردنية بسبب نشوء حرب حزيران المفاجئة ، فانتهى الحلم ولا مجال للوصال ولا لقاء .
بقيت الحال على ذلك سبعا وعشرين سنة .
في سنة ١٩٩٤ أبرمت معاهدة السلام بين الأردن وإسرائيل وفتحت الحدود وأصبح عبور نهر الأردن مسموحا . المحزن في الأمر أنه تم فتح الحدود بين الدولتين بعد وفاة جميلة بأربعة شهور فقط .
القصة التي ترويها دينا سليم حنحن قصة واقعية تماما ، فهي لا تقلد سميرة عزام إن كانت قرأت قصتها ، وأظن أنها لم تقرأها ، وإن كانت قرأتها فلا أظن أنها تذكرتها وهي تكتب .
في كتابي " سؤال الهوية في الأدب الفلسطيني ، فلسطينية الأدب والأديب "(٢٠٠٠) كتبت أن تشابه الواقع قد يؤدي إلى كتابة متشابهة ، وكان قبلي الشاعر محمود درويش أبدى رأيا طريفا في الشعر الفلسطيني الذي كتب في داخل الأرض المحتلة قبل ١٩٧٠ ، ويتمثل في أن شعراءها - أي الأرض المحتلة - كتبوا قصيدة واحدة .
تشابه التجربة ... تشابه الكتابة .
نابلس
١٥ شباط ٢٠٢٢
في القصيدة يتساءل الشاعر :
"- كم مرة ستهاجر الثورة "
وكان كتب عن هجرات لا تنتهي ومحاولات عديدة " محاولة رقم ٧ " ، وتساءل أيضا في القصيدة :
"- وإذا رجعتم فلأي منفى ترجعون ؟" .
أما سميرة عزام في قصتها فتروي حكاية الأم اللاجئة في لبنان التي تركت ابنتها في الناصرة ، وسعت إلى الالتقاء بها مرة في العام بواسطة الصليب الأحمر عبر بوابة مندلباوم التي أزيلت بعد حرب حزيران مباشرة ولم تبق حاضرة إلا في النصوص الأدبية . من من الجيل الجديد يعرف عن بوابة مندلباوم ؟
كلما سافرت الأم من مخيمات بيروت إلى القدس لتلتقي بابنتها على البوابة تعذر حضور الابنة ، فتارة يمرض زوجها وثانية تضع مولودها وهلم جرا ، وتصر الأم على مواصلة المحاولات في العام القادم " عام آخر " .
في " ما دونه الغبار " تقص الكاتبة حكايا أهل اللد والمقيمين فيها في العام ١٩٤٨ ؛ ما قبله وما بعده وفيه .
ترغب جميلة جدة الساردة دينا في زيارة أهلها في السلط ، فقد استبد بها الحنين بخاصة بعد أن فقدت زوجها رشدي في غمرة حرب ١٩٤٨ ، وتحاول .
في المحاولة الأولى أعيدت جميلة من الحدود الأردنية بسبب خلل في بيانات تأشيرة الدخول .
في المحاولة الثانية استطاعت العبور لكن لم تستطع والدتها التي كانت في زيارة أقرباء لها في قرية زي الوصول إلى السلط بسبب سوء الأحوال الجوية ، ولم تلتقيا وعادت جميلة إلى اللد خائبة لتنهش التنغيصة قلبها من جديد .
في المحاولة الثالثة وصلت إلى السلط لتتفاجأ بعدم وجود والدتها بين الحضور ، فقد أبعدت فضة عن المدينة قصدا ، وأفشل المغرضون اللقاء بين الأم وابنتها الوحيدة .
في المحاولة الرابعة ألغيت تصاريح دخول الأراضي الأردنية بسبب نشوء حرب حزيران المفاجئة ، فانتهى الحلم ولا مجال للوصال ولا لقاء .
بقيت الحال على ذلك سبعا وعشرين سنة .
في سنة ١٩٩٤ أبرمت معاهدة السلام بين الأردن وإسرائيل وفتحت الحدود وأصبح عبور نهر الأردن مسموحا . المحزن في الأمر أنه تم فتح الحدود بين الدولتين بعد وفاة جميلة بأربعة شهور فقط .
القصة التي ترويها دينا سليم حنحن قصة واقعية تماما ، فهي لا تقلد سميرة عزام إن كانت قرأت قصتها ، وأظن أنها لم تقرأها ، وإن كانت قرأتها فلا أظن أنها تذكرتها وهي تكتب .
في كتابي " سؤال الهوية في الأدب الفلسطيني ، فلسطينية الأدب والأديب "(٢٠٠٠) كتبت أن تشابه الواقع قد يؤدي إلى كتابة متشابهة ، وكان قبلي الشاعر محمود درويش أبدى رأيا طريفا في الشعر الفلسطيني الذي كتب في داخل الأرض المحتلة قبل ١٩٧٠ ، ويتمثل في أن شعراءها - أي الأرض المحتلة - كتبوا قصيدة واحدة .
تشابه التجربة ... تشابه الكتابة .
نابلس
١٥ شباط ٢٠٢٢