أ. د. عادل الأسطة - فبركة القصائد

للشاعر نجوان درويش قصيدة عنوانها "فبركة". مرّة أصغيت إليه يقرؤها في احتفالية فلسطين للأدب، الاحتفالية التي تشرف عليها الروائية المصرية أهداف سويف، وثانية قرأتها على صفحات "أيّام الثقافة" في جريدة "الأيام". وأظنّ أنني عقبت عليها ذات نهار، فأشعار نجوان يروق لي قسم منها. القصيدة فيها ميل هادئ لسخرية هادئة مما يجري في عالمنا، وفي عالمنا العربي والفلسطيني. كل شيء فبركة في فبركة. دولة إسرائيل فبركة. المخيمات الفلسطينية فبركة. مجازر صبرا وشاتيلا فبركة.. كل شيء.. كل شيء فبركة في فبركة على الرغم من أنه حقيقة واقعة.
في "أيام الثقافة" (18/12/2012) نشرت مقالة للكاتب صقر أبو فخر عنوانها "عن فبركة القصائد والوثائق والنصوص.. الكلمات يمكنها أن تقتل، أيضاً، أتى فيها على قصائد نسبت للشاعرين محمود درويش ومظفر النواب، وذهب صقر إلى أنه اتصل بالشاعرين يسألهما إن كان بعض ما نسب إليهما من قصائد ركيكة هو حقاً من كتابتهما، فأنكرا.
بعد هزيمة حزيران 1967 شاعت قصيدة مطلعها:
غنّت فيروز مُغرِّدة وقلوب الشعب لها تسمع
الآن، الآن وليس غداً أجراس العودة فلتقرع
ومنها:
من أين العودة فيروز والعودة يلزمها مدفع
والمدفع يلهو مُنْهَمِكَاً في إستِ الشعبِ له مرتع
و.. و.. وتنتهي القصيدة يقول صاحبها:
عفواً فيروز ومعذرة أجراس العودة لن تقرع
وحتى اللحظة لا أعرف شخصياً من هو صاحب القصيدة. عزيت القصيدة لنزار قبّاني، وقيل إن كاتبها هو طالب طب في جامعة دمشق.
القصيدة التي عزيت لمحمود درويش، وما زلت أملك نصّها، مطلعها:
لهفي على القدس الشريف يلوغ بها ......... .
وهي قصيدة تسخر من اتفاقات (أوسلو) ومُوقِّعِيها، ولا أظنّ أنها من نظم محمود درويش إطلاقاً. ويبدو أن الذي عزاها له أراد أن يُروِّجها، علماً بأنها ستُرَوَّج لأسبابٍ عديدة منها أنها ضد (أوسلو)، ومنها أنها قصيدة عمودية، ومنها أنها تسخر من رموز بعضها ليس محبوباً من الناس، ناس الانتفاضة الأولى التي أعقبتها اتفاقات (أوسلو).
والقصيدة التي عزيت لمظفر النواب عنوانها "كفرت بإسرائيل" وقد نشرت، أيضاً، تحت عنوان آخر هو "فعل مبني للمجهول"، وقد أكون شخصياً ذهبت إلى أنها له ـ أي للنوّاب ـ لأنه خاطب فيها القارئ/ الناقد الذي يقارن صيغ قصائده في طبعات أعماله/ النواب المختلفة.
يرد في القصيدة المقطع التالي:
"يا قارئ كلماتي بالعرض
وقارئ كلماتي بالطول
لا تبحث عن شيءٍ عندي
يُدعَى المعقول
إني مُعترفٌ بجنونِ كلامي
بالجملة والتفصيل
ولهذا
لا تتعب عقلك بالجرح وبالتعديل
وبنقد المتنِ .. وبالتأويل
خذها مني تلك الكلمات
وصدقها دون دليل"
ويذكر قراء كتابي "الصوت والصدى: مظفر النواب وحضوره في الأرض المحتلة (1999 نابلس/ القاهرة/ دار مدبولي 2002) أنني درست قصيدة النواب "بحار البحارين" دراسة أفقية/ بالعرض، ودراسة عمودية/ بالطول، وقارنت بين صيغتها في طبعة الأرض المحتلة/ دار العامل، وفي طبعة لندن الصادرة عن دار قنبر في العام 1996، واهتممت بالجرح وبالتعديل.
عندما قرأت مقال الكاتب صخر أبو فخر قلت: إن كان مظفر ليس كاتب القصيدة، فقد ذهبت أنا بعيداً وشططت، أيضاً، حين رأيت نفسي المخاطب في الفقرة الشعرية الواردة أعلاه.
قارئ القصيدة المعزوة إلى محمود درويش "الحكم الذاتي" يكتشف بسهولة أنها ليست من نظم درويش ـ عنوان القصيدة بالضبط هو "سلطة الذات" ـ فلا اللغة ولا التعابير ولا الموقف من بعض الرموز الفلسطينية يقول هذا.
هل يمكن قول الشيء نفسه عن قصيدة النواب؟
أغلب الظنّ أن الأمر قد يلتبس على القارئ، فالموقف السياسي فيها من دولة إسرائيل يقوله لنا باقي شعره، وبعض الصور التي وردت فيها، وما جرى على لسان الحيوان، نعثر عليه في بعض قصائده، وما قاله صاحبها عن الجرح والتعديل، والتأويل يجعلني شخصياً لا أشك في أنها عُزِيَت إلى النواب. هل القصيدة لمظفر النواب أم أنها ليست له؟
في مقالته يذهب صقر أبو فخر إلى أن الشاعر أنكر أن تكون القصيدة من كتابته، والسؤال هو: لماذا أدرجها بعد معدّي مختارات مظفر النواب في مختاراتهم؟
يصدر أوس داوود يعقوب مختاراته، بعد المقدمة التي كتبها ـ واعتمد في أكثرها على دراساتي عن النواب ـ، يصدر مختاراته بقصيدة "كفرت بإسرائيل"/ فعل مبني للمجهول.
وأما إسلام إبراهيم الذي ذهب إلى أن ما أنجزه هو أعمال كاملة لمظفر النواب ـ علماً بأنها ليست أعمالاً كاملة ـ فإنه لا يورد القصيدة، لكنه يختار منها المقطع الذي أوردته آنفاً، ويطبعه على صفحة الغلاف الأخيرة.
في العام 2012 سيصدر د. زياد أبو لبن مختارات من أشعار مظفر النواب، وسيورد القصيدة كاملة. وأنا طبعاً سأقع في حيرة من أمري، وسأتساءل: هل القصيدة لمظفر النواب أم أنها ليست له؟
ما زال الشاعر على قيد الحياة، وبإمكان الفضائيات أن تجري معه غير مقابلة، وأن تسأله فيها إن كانت القصيدة من كتابته. طبعاً يمكن لأبي عادل/ مظفر النواب أن يشرف على طبعة جديدة لأشعاره يكون هو مسؤولاً عنها، فيريح القراء ويرتاح، أيضاً.
مع بداية "الربيع العربي" راجت أشعار مظفر النواب طباعةً كما لم ترج من قبل، وربما فاقت في رواجها رواج أشعار الشعراء نزار قباني ومحمود درويش وأحمد مطر.. بل والمتنبي، وجعلها "الربيع العربي" تنتشر انتشار النار في الهشيم، فقد ظل مظفر النواب شاعراً رسولياً مبشراً بالتغيير، ولم يحبط كما أحبط محمود درويش في فترات من حياته [ما نفع القصيدة/ لست النبي لأدعي وحياً/ لم أجد جدوى من الكلمات إلاّ رغبة الكلمات في تغيير صاحبها... إلخ].
مؤخراً قرأت مقالة للشاعر اللبناني شوقي بزيع نشرها في العام 2009 في "الحوار المتمدّن" يرى فيها أن النواب منذ 90 ق2 ما عاد لافتاً كما كان، ولا أدري ماذا يقول الشاعر اللبناني الآن، وهو يرى طبعات أشعار مظفر تتوالى؟!


أ. د. عادل الأسطة
2013-04-07




تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى