د. سيد شعبان - سر الشيخ

الطريق موحش،آنست بعض أمل،حلمت به الليلة الفائتة،ربما كانت رؤية مباركة ،هو يأتيني كل آونة،يمسك بيده كوبا من الماء صافيا،أكاد أرى وجهي فيه،هذه المرة لم بكن معه غير منديل ،لكن به بعض عقدات،شدت على شيء ما،حاولت أن أسأله أصابني الخرس،حتى ولو تفوهت ببضع حروف ما كان ليرد،ما تعودت منه على غير الإشارة،لعينيه بريق،ولرونقه انتظام،في كل مرة أطلب بصيصا من الرجاء،يبتسم،بل يربت على كتفي،كلما أصابني الحزن،أنام مبكرا،ثم أجد راحته توقظني،لم أتعود أن أقص حكايات الصفا التى تلازمني،لست مجذوبا،ولا أنا من الدراويش ،كل ما في الأمر أن ثمة سر وجب الآن البوح به،حين ولدتني أمي رأت جدتي رجلا يطوف بقريتنا،يحمل جوالا،يطلب الطريق إلى الله!
تعجبت وهي الحكيمة؛لقد بلغت وقتها من العمر أرذله،الحياة زادتها خبرة وقد كانت صاحبة رأي،طلبت من أبي أن يضيفه،أطعمته ما كان بالبيت من بعض لحم وثريد،لقد كان يوما مباركا؛لقد ولد لهم طفل ،الشيخ المعمم بالرداء الأخضر،قبلني أمسك بيدي ونفخ فيها بكلمات من ورده،هكذا قالت جدتي،ابتسم لي ربما قرأ بعضا من حظي،الخيوط المتعرجة بكف طفل في المهد تشير إلى أمر ما،ذو الرداء الأخضر أعاذني بالله ثلاثا من شيطان يقبع في الأماكن المظلمة،من السحنة السوداء في الخرابة المحيطة بي،على كل رجته الجدة أن يهبني اسما،أن يعطي بعض إشارة أن الطفل به اليمن،لم يهمس بغير تلك المفردة التى تلازمني "سيد" ومن يومها صار ذلك لقبي،حتى جئت الطريق،فكل من سار معي به بضع خطوات صار ذا لقب مثلي،في الآونة الأخيرة انقطعت مودته،لقد نسيني،استوحشت الطريق،لقد زاغ بصري،تخطفتني ذات السحر ،لقد ألقت لي مقادة ،استطاعت أن تسلب عقلي،غامت ذاكرتي بين تلك الضلالات،التيه الذي عشته كان أشبه بمتاهة لا يرى لها باب،لا أدري سببا لهذا؛فهي من قوم يسكنون حيث باض الشيطان،في ليلة نازعني الهوى ،وكم هو مخادع!
راقت لي الأوهام صبوة بل ربما رعدة جسد سرت فيه لوثة،غامرت وهممت أن أركب البحر حيث الضفة الأخرى،حين يغيب الشيخ تأتي، ماكرة تعرف وقت حضوره فتتوارى،ولأنه كان مهموما بالدرة، أو حجو،بل وبرمضان ،حمزة الخطيب كان يضمد جراحهم،تسللت إلي رأيتها بزينة الكواكب المخاتلات على شاشة التلفاز،الوضوء لم أجد له ماء وأنا الساكن جوار النهر،حين أوشكت أن أضع قدمي أخذتني إغفاءة،لقد ارتميت جانبا،أكان ذلك الصعق بفعل يده،رأيت جدتي،تمسك بيدي،تصفعني بيديها،كانت واهنة لأنها آتية من الزمن البعيد،سيد يفعل هذا؟!
الآن انتبهت جيدا!
في المرة القادمة سأعد موقدا وأضع براد الشاي،بل وجب علي أن ألقي خاطري إليه،ربما يحمل إلي أخبارا جديدة ،يهبني بعض تصبر،يدعو الله لي،فكم هو مستجاب الدعاء!
أريده أن يعيذني بالله من شر تلك الفتنة التى ما برحت تراودني عن عمري،إنه يترصدني،يعبث بأحلامي،يا لقسوة التشهي،لو ملكت أمري؟
إنه يصعد كل يوم مأذنة المسجد القبلي الخشبية،يؤذن قبل الفجر للفجر،الصوت عذب لكن الوساوس تغطي الزاوية،القرب بوح والصفا نداء،والخطو ميمون،تلك آخر كلماته عهده.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...