على الرغم من أننى هيــأت نفسي للكتابــة عن أحــد دواوين الشاعــر مـؤمن سميـر ، إلا أننى وجـدت قلمى يأخـذنى للكتابة عن وجه آخر من وجوه الشاعر ، وجه لا يتخلى فيه الشاعر عن الشعر، ويكتب فى محبة الشعر دراسات لنمـاذج من الشعـراء ، فالدراسة ( من وجهة نظرى) هى المصباح الذى يمهد للسير فى شارع الابداع دون تعثر ، فالمنجز الشعري عندنا لابأس به ولكن المنجـز النقـدي التبصيـري يحتـاج الى زيادة إنتـاج ، فالدراسة تقوم مقـام المعلم الموجه بالنسبة لمن يبحث عمن يأخذ بيـده، والمبـدع الباحث عن التجويــد يلزمه أن يقـرأ عن تجارب من سبقوه ، بغية الوصول إلى مفاتيح الابداع ، وكيف سار الأوائل حتى وصلوا !!
وربما يكون هـذا ما استشعره الشـاعر مؤمن سمير فكتب " الأصابع البيضاء للجحيم ـ قراءات فى محبة الشعر " ، الصادر عن دار ابن رشد عام 2019 فى طبعته الأولى !!
بأصابعـه البيضـاء يحملنــا مؤمن سمير ليضعنا على جناح السـرد ، لنطالـع أول مـا نطالـع فى كتابـه ، لغـــة نقدية خاصة ، فيضعنا بسرده السلس على كرسى المستمع المستمتع بالحكواتي الذى يحكى لنــا عن ظاهـرة الثنائيات فى الشعر والغنـاء ، شوقى وحافظ ، طــه حسين والعقاد عبدالصبور وحجازى ، درويش وأدونيس ، دنقــل وعفيفى مطر ، أم كلثوم وفيروز ، وظاهرة النجومية فى الشعـر ، التى خلقها نزار قبانى ثم فاروق جويــدة ، معبــود المراهقين على حــد تعبير مؤمن سمير ، الذى كانت الثمانينــات والتسعينـات ملعبــه السحـري ، بمباركــة السلطـة الثقافية ، الذى ملأت بــه الفراغ وغطت ببريقه الوهمي ، كما يقول مؤمن سمير على الحصار الذى فرضته على الطليعيين ، ونصوصهم الجديدة الخارجة عن المزاج الكلاسيكى العام !!
وعلى الرغــم من تحذيـرات الوالد " إلا نزار ياولدى " ، الذى يمثــل ظاهرة الانقلاب الأخلاقى وكشف المستور ، حسب وجهة نظر الأب ، ابن القــرى النائية التى لا تملك إلا قدرا ضئيلا من الوعي بالتعليـم الإلزامي ، إلا أنه ( مؤمن سمير ) ينتهى إلى أن رد الاعتبـار لنزار قبانى أمـرا عفويــا ، كواحـد ممن شكلوا البدايات الحسية والعاطفية عند الشباب !!
ومثلما تفحص السابقون تجربة الشاعر الفلسطينى محمود درويش الإبداعية ، كان طبيعيــا ألا يتجاهـل مؤمن سمير هذه الصفحة البراقة من دفتر الشعر العربى ، فمحمود درويش كما يقول من الممثلين الأكثر سطوعــا للشعرية العربيـة ، منذ إصـدار ديوانـه الأول " أوراق الزيتون " عام 1964 على مدى أكثر من 40 عاما !!
فمحمـود درويش الذى ينتمى إلى الجيــل الثـانى فى الشعرية الحديثة ، بعد جيــل الرواد يصلح بغزارة إنتاجه وانتقالاته النوعية فى جسد الشعرية العربية ، خاصة فى العشرين عاما الأخيرة أن يكون أحد الروافد الرئيسية ، التى تغذى وتكوّن فضاء النص !!
ومادام الحديث قد تطرق لمحمود درويش، فلابـد من الحديث عن القضية الفلسطينية، نبع الألم العربي الذى لا تجف دمــاؤه ، التى مثلمـا أنجبت محمود درويش ، أنجبت أيضـا سميح القاسم وتوفيق زياد ، ثالــوث المقاومـة الفلسطينية ، كمـا يطلـق عليهـم مؤمن سمير ، رغـم اختلاف طرق مقاومتهما الشعرية ، وأداءاتهما الجمالية وحفرهما الفني، بل كما يقول مؤمن ، وطريقة التعاطى السياسى لكل منهما ، فالشاعـر كما يقــول مؤمن سمير ، البعيــد عن معتــرك الحيــاة والأداء السياسي تحديدا ، ينقص نصه الروح والسخونة والتوهج !!
يرى مؤمن سمير أن سميح القاسم قد نجح فى دق وحفر واحديته وتميزه بسبب تطويره الدائم والمستمر لنصه ، بداية من ديوانه الأول " مواكب الشمس " الصادر عام 1958 ، وانتهـــاء بديوانه الأخير " بغض النظر " عام 2012 !!
ويجىء اختيـار مؤمن سمير للكتابة عن أمـل دنقل ، بعد الكتابــة عن درويش والقاسم ، ليؤكد أن اختيـاره لهذه النماذج من منطلق قضيــة ، فإذا كانت قضيــة ثالــوث المقاومـة الفلسطينيـة ( درويش وتوفيق زياد والقاسم ) إحياء القضية وتدويلها ، فإن قضية أمل دنقل إحياء القومية العربية ودعـم القضية الفلسطينيـة ، الأمــر الذى جعلنــا نحصـر دنقــل فى قصائــده السياسيـة وتجاهلنــا قصائــده الأكثر إنسانيـة ، كمـا يقــول مؤمن سمير ، على الرغم من تعدد الأغراض والموضوعات عنـد أمـل دنقـل !!
فعلى مدى 102 صفحـة من كتابـه " الأصابع البيضـاء للجحيم ـ قـراءات فى محبـة الشعــر " يأخذنــا مؤمن سمير فى رحلـة مع شاعـر لبنــان سعيد عقـل ، الذى درس اللاهــوت المسيحي فصار مرجعــا فيــه ، ثم درس الفقـه الإسـلامى فتعمق فيــه تعمق المتخصصين ، والذى عاش عمرا طويلا ، ثم خسرته لبنان ، هو وأسطورة الغناء صباح ، التى عاشت هى الأخــرى طويلا فى يومين متتاليين !!
ومن سعيد عقل فى لبنان إلى جيل السبعينات فى مصر ، ومحمد عيد إبراهيم ، بمناسبـة مرور أربعة عقود على ديوانه " طور الوحشة " الصادر فى 1980 ، عن جماعة " أصوات " التى مثلت هى وجماعة " إضاءة 77 " جناحي تجربـة جيـل السبعينات ، هذا الجـيل الفارق ، الذى لولاه، كما يرى مؤمن سمير، لكان آباؤنا هم الشعراء الذين ظهروا فى مرحلة ما بعد الشعـراء الرواد ، والذين لم تضف قصيدتهم إلا إعادة إنتاج نصوص سابقيهم ، والدوران فى فلكها !!
ومن محمـد عيــد إبراهيـم إلى علاء عبدالهــادى، الذى يبـرز كواحــد من أصحــاب المشـاريـع المتميزة ، بعد انقســام شعــراء السبعينـات فى مصر إلى فئتين ، فئــة تبنت النص الذى ارتبط بالشعـراء الجـدد ، أمـا الفئـة الثانيـة فواصلت مشـروعها بإصرار على القيـم الجماليـة ، وهذه الفئة ينتمى إليها علاء عبدالهادى !!
وعن على منصـور الذى يعتبـره البعض المعبر بين جيـل السبعينـات وجيــل الثمانينـات يقــول مؤمن سمير ، تصاحب على منصور مع القصيدة منذ بدايات وعيه ، فسقاها ورمى عليه الظل من أهدابــه ، حتى أثمرت تينا ورمانا ، وعن الشاعر إبراهيم داوود ، الذى يمثل حالة إبداعية وإنسانية مائزة ، بحضــوره فى كل مرحلـة من مراحل رحلته الإبداعيــة ، يكتب مؤمن سميــر وكذلك يكتب عن رحلة الشاعرة إيمان مرسال ، التى أبهـرت الشاعر بكامـل أناقتهـا ووهجهـــا وألقهـا عــام 1995 مع ديــوان " ممر معتم يصلح للرقص " ، ومن عالــم إيمان مرسال إلى عالم عماد أبو صالح ، باعتباره شاعرا عربيا هامـا ومؤثـرا وحقيقيــا ، لـه ملامحـه الشعريــة الخاصة المحفـورة باسمه فى سجـل قصيدة النثر العربيـة ، وعن صاحب تسريب قصيـدة النثر إلى مجلة الشعر ، الذى استطـــاع أن يقنع العم خيرى شلبى ( رئيس التحرير وقتها ) بأنـــه لا يصح منه ، وهــو المتسع المنفتح على كل أشكــال وأنمـاط الفـن ، ومن شتى الاتجاهـات ، أن يرفض الجــوال كلـه بكل ما فيــه من بضاعـة ، منها الجيد ومنها الرديء ، يكتب مؤمن سمير عن شريف رزق !!
وعلى ذكر قصيـدة النثر يكتب مؤمن سمير عن تجربـة الشاعر سمير درويش مع قصيدة النثر وعن أحمد يمــانى ، الذى صدّره الواقع الثقافي مع أسماء الأصدقــاء إيمـان مرسـال وأسـامـة الدناصورى ، كواحد من جيـل التسعينـات ، ويكتب أيضـا عن تجربة الشاعر عصام أبويد الذى يقسّم حياتــه إلى مرحلتين ، الأولى هى الإنتـاج وفق الوصفـة المصريـة لكتابــة قصيــدة النثر والتى انفجـرت وشـاعت فى التسعينـات ، والثانيــة عندمــا أتقـن الشـاعر اللعب وفـق وعيــــه وإنحيازاته الجمالية ، ورؤيته المتميزة للعالم !!
كمـا يكتب مؤمن سمير عن الدهشة فى ديــوان أحمد شافعى المتميز " 77 " ، والذى سرعان ما يكتشف القارئ أن هذا الرقـم " 77 " هــو عـام ميلاد الشـاعر ، ويكتب عن الشاعر الشاب عبدالرحمن تمام ، الذى يجعل القارئ من خـلال ديوانــه " طريق لاتشبه الترومبيت " لا يتردد فى امتلاك الشاعر للجسارة والجرأة الفنية ، التى تنــأى به عن التردد فى تجربـة واختبــار كل ما يظن أنــه قـد لا يصلح فى حــد ذاتــه لإنتـاج الشعريـة وتفجيرهــا ، كما يكتب عن الشاعـرة الإماراتيـة خلــود المعلا ، التى تعــد من أهـم أصـوات قصيـدة النثر فى الإمــارات ، وعن أهــم الأسباب التى جعلت بقاء الأبنودى فى العمق من الوعي، وكذلك فى دائرة الضوء لعقود طويلة يقول مؤمن سمير ، أن هـذا يرجع لكونــه من طراز خاص ، فهو شاعر متمكن وفنــان حقيقي يجمع بين البساطة والتعقيد فى شعره، وينحت شعره من الطبيعة المصرية الشاسعة ، استطاع أن يبدع قصيدة تدخــل و " تعمّر الدماغ " بتعبير مؤمن سمير!!
قبل المحطة الأخيـرة التى اختـار أن تكون محطة الشاعرة دعاء عبدالمنعم ، التى تعتبر الكتابة متنفسا ومجــالا للحكي المختـوم بصوت وأعماق روح أنثويــة ، تعيــد خلق العالــم باستمــرار وكأنها الأم المقدسة القديمة ، أو الأرض المستعادة ، والتى تلفت النظـر فى تجربتها بمركزية العنونة ، على عكس ما ألفناه إزاء العناوين ، فالعنوان فى نصوصها كما يقول مؤمن سمير لا يلخص تجربــة النص ، وليس مقطعـا شعريـا من النص ذاتــه ، فنجدهــا تختــار عنوانـا يكون مساويا لكتلة النص ، يتوقف بنا مؤمن سمير فى المحطة الأخيرة عند تجربـة مسعـود شـومان الذى يمتص كل شىء حوله ثم يعيد إنتاجه مُشَعّرا ، كمـا أن تجربته كباحث فى الفلكلور يتضح صداها فى إندغام القصيدة بالروح المصريـة الثريـة !!
نعود إلى ما بدأناه فى مقدمة هذه الإطلالة ، ونؤكد أن الدراسات والقراءات هى المصباح الذى يمهد السير فى شـارع الابداع دون تعثـر ، حيث أن الدراسة تقـوم مقام المعلم الموجه بالنسبة لمن يبحث عمن يأخذ بيده، فالمبدع الباحث عن التجويـد يلزمه أن يقرأ عن تجارب من سبقوه بغيـة الوصول إلى مفاتيح الابـداع ، وكيف سـار الأوائـل حتى وصلـوا !!
ــــــــــــــــــــــــــ
*نشرت المقالة في جريدة "القاهرة" العدد رقم1127 الصادر يوم الثلاثاء22 فبراير2022
وربما يكون هـذا ما استشعره الشـاعر مؤمن سمير فكتب " الأصابع البيضاء للجحيم ـ قراءات فى محبة الشعر " ، الصادر عن دار ابن رشد عام 2019 فى طبعته الأولى !!
بأصابعـه البيضـاء يحملنــا مؤمن سمير ليضعنا على جناح السـرد ، لنطالـع أول مـا نطالـع فى كتابـه ، لغـــة نقدية خاصة ، فيضعنا بسرده السلس على كرسى المستمع المستمتع بالحكواتي الذى يحكى لنــا عن ظاهـرة الثنائيات فى الشعر والغنـاء ، شوقى وحافظ ، طــه حسين والعقاد عبدالصبور وحجازى ، درويش وأدونيس ، دنقــل وعفيفى مطر ، أم كلثوم وفيروز ، وظاهرة النجومية فى الشعـر ، التى خلقها نزار قبانى ثم فاروق جويــدة ، معبــود المراهقين على حــد تعبير مؤمن سمير ، الذى كانت الثمانينــات والتسعينـات ملعبــه السحـري ، بمباركــة السلطـة الثقافية ، الذى ملأت بــه الفراغ وغطت ببريقه الوهمي ، كما يقول مؤمن سمير على الحصار الذى فرضته على الطليعيين ، ونصوصهم الجديدة الخارجة عن المزاج الكلاسيكى العام !!
وعلى الرغــم من تحذيـرات الوالد " إلا نزار ياولدى " ، الذى يمثــل ظاهرة الانقلاب الأخلاقى وكشف المستور ، حسب وجهة نظر الأب ، ابن القــرى النائية التى لا تملك إلا قدرا ضئيلا من الوعي بالتعليـم الإلزامي ، إلا أنه ( مؤمن سمير ) ينتهى إلى أن رد الاعتبـار لنزار قبانى أمـرا عفويــا ، كواحـد ممن شكلوا البدايات الحسية والعاطفية عند الشباب !!
ومثلما تفحص السابقون تجربة الشاعر الفلسطينى محمود درويش الإبداعية ، كان طبيعيــا ألا يتجاهـل مؤمن سمير هذه الصفحة البراقة من دفتر الشعر العربى ، فمحمود درويش كما يقول من الممثلين الأكثر سطوعــا للشعرية العربيـة ، منذ إصـدار ديوانـه الأول " أوراق الزيتون " عام 1964 على مدى أكثر من 40 عاما !!
فمحمـود درويش الذى ينتمى إلى الجيــل الثـانى فى الشعرية الحديثة ، بعد جيــل الرواد يصلح بغزارة إنتاجه وانتقالاته النوعية فى جسد الشعرية العربية ، خاصة فى العشرين عاما الأخيرة أن يكون أحد الروافد الرئيسية ، التى تغذى وتكوّن فضاء النص !!
ومادام الحديث قد تطرق لمحمود درويش، فلابـد من الحديث عن القضية الفلسطينية، نبع الألم العربي الذى لا تجف دمــاؤه ، التى مثلمـا أنجبت محمود درويش ، أنجبت أيضـا سميح القاسم وتوفيق زياد ، ثالــوث المقاومـة الفلسطينية ، كمـا يطلـق عليهـم مؤمن سمير ، رغـم اختلاف طرق مقاومتهما الشعرية ، وأداءاتهما الجمالية وحفرهما الفني، بل كما يقول مؤمن ، وطريقة التعاطى السياسى لكل منهما ، فالشاعـر كما يقــول مؤمن سمير ، البعيــد عن معتــرك الحيــاة والأداء السياسي تحديدا ، ينقص نصه الروح والسخونة والتوهج !!
يرى مؤمن سمير أن سميح القاسم قد نجح فى دق وحفر واحديته وتميزه بسبب تطويره الدائم والمستمر لنصه ، بداية من ديوانه الأول " مواكب الشمس " الصادر عام 1958 ، وانتهـــاء بديوانه الأخير " بغض النظر " عام 2012 !!
ويجىء اختيـار مؤمن سمير للكتابة عن أمـل دنقل ، بعد الكتابــة عن درويش والقاسم ، ليؤكد أن اختيـاره لهذه النماذج من منطلق قضيــة ، فإذا كانت قضيــة ثالــوث المقاومـة الفلسطينيـة ( درويش وتوفيق زياد والقاسم ) إحياء القضية وتدويلها ، فإن قضية أمل دنقل إحياء القومية العربية ودعـم القضية الفلسطينيـة ، الأمــر الذى جعلنــا نحصـر دنقــل فى قصائــده السياسيـة وتجاهلنــا قصائــده الأكثر إنسانيـة ، كمـا يقــول مؤمن سمير ، على الرغم من تعدد الأغراض والموضوعات عنـد أمـل دنقـل !!
فعلى مدى 102 صفحـة من كتابـه " الأصابع البيضـاء للجحيم ـ قـراءات فى محبـة الشعــر " يأخذنــا مؤمن سمير فى رحلـة مع شاعـر لبنــان سعيد عقـل ، الذى درس اللاهــوت المسيحي فصار مرجعــا فيــه ، ثم درس الفقـه الإسـلامى فتعمق فيــه تعمق المتخصصين ، والذى عاش عمرا طويلا ، ثم خسرته لبنان ، هو وأسطورة الغناء صباح ، التى عاشت هى الأخــرى طويلا فى يومين متتاليين !!
ومن سعيد عقل فى لبنان إلى جيل السبعينات فى مصر ، ومحمد عيد إبراهيم ، بمناسبـة مرور أربعة عقود على ديوانه " طور الوحشة " الصادر فى 1980 ، عن جماعة " أصوات " التى مثلت هى وجماعة " إضاءة 77 " جناحي تجربـة جيـل السبعينات ، هذا الجـيل الفارق ، الذى لولاه، كما يرى مؤمن سمير، لكان آباؤنا هم الشعراء الذين ظهروا فى مرحلة ما بعد الشعـراء الرواد ، والذين لم تضف قصيدتهم إلا إعادة إنتاج نصوص سابقيهم ، والدوران فى فلكها !!
ومن محمـد عيــد إبراهيـم إلى علاء عبدالهــادى، الذى يبـرز كواحــد من أصحــاب المشـاريـع المتميزة ، بعد انقســام شعــراء السبعينـات فى مصر إلى فئتين ، فئــة تبنت النص الذى ارتبط بالشعـراء الجـدد ، أمـا الفئـة الثانيـة فواصلت مشـروعها بإصرار على القيـم الجماليـة ، وهذه الفئة ينتمى إليها علاء عبدالهادى !!
وعن على منصـور الذى يعتبـره البعض المعبر بين جيـل السبعينـات وجيــل الثمانينـات يقــول مؤمن سمير ، تصاحب على منصور مع القصيدة منذ بدايات وعيه ، فسقاها ورمى عليه الظل من أهدابــه ، حتى أثمرت تينا ورمانا ، وعن الشاعر إبراهيم داوود ، الذى يمثل حالة إبداعية وإنسانية مائزة ، بحضــوره فى كل مرحلـة من مراحل رحلته الإبداعيــة ، يكتب مؤمن سميــر وكذلك يكتب عن رحلة الشاعرة إيمان مرسال ، التى أبهـرت الشاعر بكامـل أناقتهـا ووهجهـــا وألقهـا عــام 1995 مع ديــوان " ممر معتم يصلح للرقص " ، ومن عالــم إيمان مرسال إلى عالم عماد أبو صالح ، باعتباره شاعرا عربيا هامـا ومؤثـرا وحقيقيــا ، لـه ملامحـه الشعريــة الخاصة المحفـورة باسمه فى سجـل قصيدة النثر العربيـة ، وعن صاحب تسريب قصيـدة النثر إلى مجلة الشعر ، الذى استطـــاع أن يقنع العم خيرى شلبى ( رئيس التحرير وقتها ) بأنـــه لا يصح منه ، وهــو المتسع المنفتح على كل أشكــال وأنمـاط الفـن ، ومن شتى الاتجاهـات ، أن يرفض الجــوال كلـه بكل ما فيــه من بضاعـة ، منها الجيد ومنها الرديء ، يكتب مؤمن سمير عن شريف رزق !!
وعلى ذكر قصيـدة النثر يكتب مؤمن سمير عن تجربـة الشاعر سمير درويش مع قصيدة النثر وعن أحمد يمــانى ، الذى صدّره الواقع الثقافي مع أسماء الأصدقــاء إيمـان مرسـال وأسـامـة الدناصورى ، كواحد من جيـل التسعينـات ، ويكتب أيضـا عن تجربة الشاعر عصام أبويد الذى يقسّم حياتــه إلى مرحلتين ، الأولى هى الإنتـاج وفق الوصفـة المصريـة لكتابــة قصيــدة النثر والتى انفجـرت وشـاعت فى التسعينـات ، والثانيــة عندمــا أتقـن الشـاعر اللعب وفـق وعيــــه وإنحيازاته الجمالية ، ورؤيته المتميزة للعالم !!
كمـا يكتب مؤمن سمير عن الدهشة فى ديــوان أحمد شافعى المتميز " 77 " ، والذى سرعان ما يكتشف القارئ أن هذا الرقـم " 77 " هــو عـام ميلاد الشـاعر ، ويكتب عن الشاعر الشاب عبدالرحمن تمام ، الذى يجعل القارئ من خـلال ديوانــه " طريق لاتشبه الترومبيت " لا يتردد فى امتلاك الشاعر للجسارة والجرأة الفنية ، التى تنــأى به عن التردد فى تجربـة واختبــار كل ما يظن أنــه قـد لا يصلح فى حــد ذاتــه لإنتـاج الشعريـة وتفجيرهــا ، كما يكتب عن الشاعـرة الإماراتيـة خلــود المعلا ، التى تعــد من أهـم أصـوات قصيـدة النثر فى الإمــارات ، وعن أهــم الأسباب التى جعلت بقاء الأبنودى فى العمق من الوعي، وكذلك فى دائرة الضوء لعقود طويلة يقول مؤمن سمير ، أن هـذا يرجع لكونــه من طراز خاص ، فهو شاعر متمكن وفنــان حقيقي يجمع بين البساطة والتعقيد فى شعره، وينحت شعره من الطبيعة المصرية الشاسعة ، استطاع أن يبدع قصيدة تدخــل و " تعمّر الدماغ " بتعبير مؤمن سمير!!
قبل المحطة الأخيـرة التى اختـار أن تكون محطة الشاعرة دعاء عبدالمنعم ، التى تعتبر الكتابة متنفسا ومجــالا للحكي المختـوم بصوت وأعماق روح أنثويــة ، تعيــد خلق العالــم باستمــرار وكأنها الأم المقدسة القديمة ، أو الأرض المستعادة ، والتى تلفت النظـر فى تجربتها بمركزية العنونة ، على عكس ما ألفناه إزاء العناوين ، فالعنوان فى نصوصها كما يقول مؤمن سمير لا يلخص تجربــة النص ، وليس مقطعـا شعريـا من النص ذاتــه ، فنجدهــا تختــار عنوانـا يكون مساويا لكتلة النص ، يتوقف بنا مؤمن سمير فى المحطة الأخيرة عند تجربـة مسعـود شـومان الذى يمتص كل شىء حوله ثم يعيد إنتاجه مُشَعّرا ، كمـا أن تجربته كباحث فى الفلكلور يتضح صداها فى إندغام القصيدة بالروح المصريـة الثريـة !!
نعود إلى ما بدأناه فى مقدمة هذه الإطلالة ، ونؤكد أن الدراسات والقراءات هى المصباح الذى يمهد السير فى شـارع الابداع دون تعثـر ، حيث أن الدراسة تقـوم مقام المعلم الموجه بالنسبة لمن يبحث عمن يأخذ بيده، فالمبدع الباحث عن التجويـد يلزمه أن يقرأ عن تجارب من سبقوه بغيـة الوصول إلى مفاتيح الابـداع ، وكيف سـار الأوائـل حتى وصلـوا !!
ــــــــــــــــــــــــــ
*نشرت المقالة في جريدة "القاهرة" العدد رقم1127 الصادر يوم الثلاثاء22 فبراير2022