في شبابه كتب محمود درويش: "خيول الروم أعرفها / وإن تبدل الميدان". وأنا أمعن النظر في دال الحصان، وفيما يعنيه الشاعر بقوله: سقط الحصان عن القصيدة، تذكرت سطريه السابقين، وتذكرت عنوان إحدى مجموعاته: "لماذا تركت الحصان وحيداً؟" والحصان في المجموعة دال له غير مدلول، فالأخير يتحدّد حسب السياق. في قصيدة "أرى شبحي قادماً من بعيد" التي افتتح بها المجموعة ترد الأسطر التالية: "أطلّ على اسم أبي الطيب المتنبي/ المسافر من طبرية إلى مصر/ فوق حصان النشيد". ماذا يقصد درويش بـ "حصان النشيد"؟ النشيد هو الشعر، وحصان النشيد هو قوة الشعر، شعر المتنبي الذي حقق له شعره مكانةً متميزةً، فالأمراء والملوك رحبوا به لقوة نشيده. الشعر هو جواز السفر إلى بلاط الأمير. وفي "أبد الصبار" يكون الحصان هو الحصان: "ـ لماذا تركت الحصان وحيداً؟ "يسأل الطفل أباه، فيجيب الأب "ـ لكي يؤنس البيت يا ولدي/ فالبيوت تموت إذا غاب سكانها"، ولا يختلف المدلول في "في يدي غيمة": "أسرجوا الخيل/ لا يعرفون لماذا،/ ولكنهم أسرجوا الخيل/ في آخر الليل، وانتظروا/ شبحاً طالعاً من شقوق المكان"، وما من شك في أن درويش هنا يكتب عن قرية البروة قبل العام 1948، حيث كان الحصان/ الخيل مكوناً أساسياً من مكونات حياة أهل الريف. الحصان هو الحصان: جزء من سكان البيت، ووسيلة للتنقل.
في "صهيل على السفح" من "ورد أقل" (1986) أي قبل 9 سنوات من "لماذا تركت الحصان وحيداً؟" يكتب درويش عن مرحلة ما بعد بيروت ـ أي عن العام 1982 وما تلاه، خلافاً للجزء الأول من "لماذا تركت الحصان وحيداً؟" حيث يعود الزمن الشعري إلى ما قبل النكبة (1948) وخلالها أيضاً، وسنلحظ اختلاف مدلول الدال الواحد، فلم يعد دال الحصان يعني المدلول القاموسي. الحصان هو الثورة، الثورة الفلسطينية والسيدة هي فلسطين أو المرأة الفلسطينية وصهيل الخيول على السفح هو صهيل الفدائيين الذين ليس أمامهم إلاّ مواصلة الصعود، فإذا كان الشاعر قال في بداية القصيدة وفي وسطها "فإما الهبوط وإما الصعود" فإنه في سطرها الأخير قال: "صهيل الخيول على السفح: إما الصعود.. وإما الصعود":
"أتحتاج سيدة في الثلاثين أرضاً لتجمع صورة فارسها في إطار؟
. . . . .
. . . . .
"أعد لسيدتي صورتي. مزقي صورتي حين يصهل فيك حصان جديد" والحصان الجديد هو المقاتل/ الفدائي الجديد. سأموت وفي نفسي شيء من حتى.
2 ـ الأسود يليق بها
"الأسود يليق بكِ" عنوان رواية أحلام مستغانمي الأخيرة (2012). هل قاومت نفسي ورفضت شراءها ساعة رأيتها في المكتبة؟ هل أجلت قراءتها لانشغالي بأمور عاجلة؟ حين أرى رواية لأحلام مستغانمي أكون مثل أصحاب دور النشر وأصحاب المكتبات في بلادنا: الشغف بطباعتها وعرضها ـ بطل الرواية لديه أيضاً مس من شغف، فحين تروق له امرأة، كما راقت له بطلة الرواية المغنية هالة الواقي سورية الأم جزائرية الأب، يفعل كل شيء لأجل الحصول عليها ـ وأنا سرعان ما أقتني نسخة من الرواية، وسرعان ما أبدأ قراءتها: إنه الشغف.
حين اشتريت الرواية لم ألتفت إلى حركة الكاف في "بك" فقرأتها "بك" ـ بكسر ففتحة ـ، وما إن بدأت أقرأ الرواية حتى عرفت أن الأسود ـ أي اللون الأسود ـ يليق بالمغنية هالة، وهي تعجب بهذا اللون، وحين تطلب منها أختها نجلاء أن تستبدله بلون آخر ترفض. كانت هالة ارتدت الأسود حداداً على اغتيال أبيها المغني وأخيها علاء، وأبت أن تستبدله ـ سيظل اسم بطل الرواية ـ إن أحسنت القراءة ـ نكرةً حتى ص206 وفي هذه نقرأ اسمه: طلال هاشم، وطلال هاشم هذا عاش في البرازيل 25 عاماً وغدا رجل أعمال يملك الملايين. كانت رغبته أن يصبح أستاذاً في الأدب المقارن، لكنه لم يحقق ما صبا إليه، فهاجر ثم عاد إلى بيروت ثرياً، وحين شاهد هالة في برنامج تلفازي سحره صوتها، لا وهي تغني، بل وهي تتكلم، فعشقها من صوتها، ما يذكّرنا ببيت بشار بن برد:
يا قوم أذني لبعض الحي عاشقة / والأذن تعشق قبل العين أحياناً
وهكذا يبدأ إرسال الورود إليها ليوقعها في حبائله، هو المتزوج الذي صار شبيهاً بشهريار ألف ليلة وليلة، فقد عانى من الخيانة الزوجية. هل ستكون هالة شهرزاد له؟
وأنا أقرأ في الرواية ـ ولم أنهها حتى اللحظة ـ تذكرت مقالاً كتبته أحلام مستغانمي عن الثري السعودي الوليد بن طلال أو طلال بن الوليد. هل يعد ذلك المقال البذرة التي شكلت الرواية؟
بطل "الأسود يليق بكِ" ثري ثراءً أسطورياً. أظن أن قراء الرواية سيتساءلون عن بطل الرواية هذه من يكون. أياً كان الأمر، فإن الأسود يليق بها. لكن من هي؟ أيضاً سيسأل القراء: من هي هالة؟.
عادل الأسطة
في شبابه كتب محمود درويش: "خيول الروم أعرفها / وإن تبدل الميدان". وأنا أمعن النظر في دال الحصان، وفيما يعنيه الشاعر بقوله: سقط الحصان عن القصيدة، تذكرت سطريه السابقين، وتذكرت عنوان إحدى مجموعاته: "لماذا تركت الحصان وحيداً؟" والحصان في المجموعة دال له غير مدلول، فالأخير يتحدّد حسب السياق. في قصيدة "أرى شبحي قادماً من بعيد" التي افتتح بها المجموعة ترد الأسطر التالية: "أطلّ على اسم أبي الطيب المتنبي/ المسافر من طبرية إلى مصر/ فوق حصان النشيد". ماذا يقصد درويش بـ "حصان النشيد"؟ النشيد هو الشعر، وحصان النشيد هو قوة الشعر، شعر المتنبي الذي حقق له شعره مكانةً متميزةً، فالأمراء والملوك رحبوا به لقوة نشيده. الشعر هو جواز السفر إلى بلاط الأمير. وفي "أبد الصبار" يكون الحصان هو الحصان: "ـ لماذا تركت الحصان وحيداً؟ "يسأل الطفل أباه، فيجيب الأب "ـ لكي يؤنس البيت يا ولدي/ فالبيوت تموت إذا غاب سكانها"، ولا يختلف المدلول في "في يدي غيمة": "أسرجوا الخيل/ لا يعرفون لماذا،/ ولكنهم أسرجوا الخيل/ في آخر الليل، وانتظروا/ شبحاً طالعاً من شقوق المكان"، وما من شك في أن درويش هنا يكتب عن قرية البروة قبل العام 1948، حيث كان الحصان/ الخيل مكوناً أساسياً من مكونات حياة أهل الريف. الحصان هو الحصان: جزء من سكان البيت، ووسيلة للتنقل.
في "صهيل على السفح" من "ورد أقل" (1986) أي قبل 9 سنوات من "لماذا تركت الحصان وحيداً؟" يكتب درويش عن مرحلة ما بعد بيروت ـ أي عن العام 1982 وما تلاه، خلافاً للجزء الأول من "لماذا تركت الحصان وحيداً؟" حيث يعود الزمن الشعري إلى ما قبل النكبة (1948) وخلالها أيضاً، وسنلحظ اختلاف مدلول الدال الواحد، فلم يعد دال الحصان يعني المدلول القاموسي. الحصان هو الثورة، الثورة الفلسطينية والسيدة هي فلسطين أو المرأة الفلسطينية وصهيل الخيول على السفح هو صهيل الفدائيين الذين ليس أمامهم إلاّ مواصلة الصعود، فإذا كان الشاعر قال في بداية القصيدة وفي وسطها "فإما الهبوط وإما الصعود" فإنه في سطرها الأخير قال: "صهيل الخيول على السفح: إما الصعود.. وإما الصعود":
"أتحتاج سيدة في الثلاثين أرضاً لتجمع صورة فارسها في إطار؟
. . . . .
. . . . .
"أعد لسيدتي صورتي. مزقي صورتي حين يصهل فيك حصان جديد" والحصان الجديد هو المقاتل/ الفدائي الجديد. سأموت وفي نفسي شيء من حتى.
2 ـ الأسود يليق بها
"الأسود يليق بكِ" عنوان رواية أحلام مستغانمي الأخيرة (2012). هل قاومت نفسي ورفضت شراءها ساعة رأيتها في المكتبة؟ هل أجلت قراءتها لانشغالي بأمور عاجلة؟ حين أرى رواية لأحلام مستغانمي أكون مثل أصحاب دور النشر وأصحاب المكتبات في بلادنا: الشغف بطباعتها وعرضها ـ بطل الرواية لديه أيضاً مس من شغف، فحين تروق له امرأة، كما راقت له بطلة الرواية المغنية هالة الواقي سورية الأم جزائرية الأب، يفعل كل شيء لأجل الحصول عليها ـ وأنا سرعان ما أقتني نسخة من الرواية، وسرعان ما أبدأ قراءتها: إنه الشغف.
حين اشتريت الرواية لم ألتفت إلى حركة الكاف في "بك" فقرأتها "بك" ـ بكسر ففتحة ـ، وما إن بدأت أقرأ الرواية حتى عرفت أن الأسود ـ أي اللون الأسود ـ يليق بالمغنية هالة، وهي تعجب بهذا اللون، وحين تطلب منها أختها نجلاء أن تستبدله بلون آخر ترفض. كانت هالة ارتدت الأسود حداداً على اغتيال أبيها المغني وأخيها علاء، وأبت أن تستبدله ـ سيظل اسم بطل الرواية ـ إن أحسنت القراءة ـ نكرةً حتى ص206 وفي هذه نقرأ اسمه: طلال هاشم، وطلال هاشم هذا عاش في البرازيل 25 عاماً وغدا رجل أعمال يملك الملايين. كانت رغبته أن يصبح أستاذاً في الأدب المقارن، لكنه لم يحقق ما صبا إليه، فهاجر ثم عاد إلى بيروت ثرياً، وحين شاهد هالة في برنامج تلفازي سحره صوتها، لا وهي تغني، بل وهي تتكلم، فعشقها من صوتها، ما يذكّرنا ببيت بشار بن برد:
يا قوم أذني لبعض الحي عاشقة / والأذن تعشق قبل العين أحياناً
وهكذا يبدأ إرسال الورود إليها ليوقعها في حبائله، هو المتزوج الذي صار شبيهاً بشهريار ألف ليلة وليلة، فقد عانى من الخيانة الزوجية. هل ستكون هالة شهرزاد له؟
وأنا أقرأ في الرواية ـ ولم أنهها حتى اللحظة ـ تذكرت مقالاً كتبته أحلام مستغانمي عن الثري السعودي الوليد بن طلال أو طلال بن الوليد. هل يعد ذلك المقال البذرة التي شكلت الرواية؟
بطل "الأسود يليق بكِ" ثري ثراءً أسطورياً. أظن أن قراء الرواية سيتساءلون عن بطل الرواية هذه من يكون. أياً كان الأمر، فإن الأسود يليق بها. لكن من هي؟ أيضاً سيسأل القراء: من هي هالة؟.
أ. د. عادل الأسطة
2012-12-09
في "صهيل على السفح" من "ورد أقل" (1986) أي قبل 9 سنوات من "لماذا تركت الحصان وحيداً؟" يكتب درويش عن مرحلة ما بعد بيروت ـ أي عن العام 1982 وما تلاه، خلافاً للجزء الأول من "لماذا تركت الحصان وحيداً؟" حيث يعود الزمن الشعري إلى ما قبل النكبة (1948) وخلالها أيضاً، وسنلحظ اختلاف مدلول الدال الواحد، فلم يعد دال الحصان يعني المدلول القاموسي. الحصان هو الثورة، الثورة الفلسطينية والسيدة هي فلسطين أو المرأة الفلسطينية وصهيل الخيول على السفح هو صهيل الفدائيين الذين ليس أمامهم إلاّ مواصلة الصعود، فإذا كان الشاعر قال في بداية القصيدة وفي وسطها "فإما الهبوط وإما الصعود" فإنه في سطرها الأخير قال: "صهيل الخيول على السفح: إما الصعود.. وإما الصعود":
"أتحتاج سيدة في الثلاثين أرضاً لتجمع صورة فارسها في إطار؟
. . . . .
. . . . .
"أعد لسيدتي صورتي. مزقي صورتي حين يصهل فيك حصان جديد" والحصان الجديد هو المقاتل/ الفدائي الجديد. سأموت وفي نفسي شيء من حتى.
2 ـ الأسود يليق بها
"الأسود يليق بكِ" عنوان رواية أحلام مستغانمي الأخيرة (2012). هل قاومت نفسي ورفضت شراءها ساعة رأيتها في المكتبة؟ هل أجلت قراءتها لانشغالي بأمور عاجلة؟ حين أرى رواية لأحلام مستغانمي أكون مثل أصحاب دور النشر وأصحاب المكتبات في بلادنا: الشغف بطباعتها وعرضها ـ بطل الرواية لديه أيضاً مس من شغف، فحين تروق له امرأة، كما راقت له بطلة الرواية المغنية هالة الواقي سورية الأم جزائرية الأب، يفعل كل شيء لأجل الحصول عليها ـ وأنا سرعان ما أقتني نسخة من الرواية، وسرعان ما أبدأ قراءتها: إنه الشغف.
حين اشتريت الرواية لم ألتفت إلى حركة الكاف في "بك" فقرأتها "بك" ـ بكسر ففتحة ـ، وما إن بدأت أقرأ الرواية حتى عرفت أن الأسود ـ أي اللون الأسود ـ يليق بالمغنية هالة، وهي تعجب بهذا اللون، وحين تطلب منها أختها نجلاء أن تستبدله بلون آخر ترفض. كانت هالة ارتدت الأسود حداداً على اغتيال أبيها المغني وأخيها علاء، وأبت أن تستبدله ـ سيظل اسم بطل الرواية ـ إن أحسنت القراءة ـ نكرةً حتى ص206 وفي هذه نقرأ اسمه: طلال هاشم، وطلال هاشم هذا عاش في البرازيل 25 عاماً وغدا رجل أعمال يملك الملايين. كانت رغبته أن يصبح أستاذاً في الأدب المقارن، لكنه لم يحقق ما صبا إليه، فهاجر ثم عاد إلى بيروت ثرياً، وحين شاهد هالة في برنامج تلفازي سحره صوتها، لا وهي تغني، بل وهي تتكلم، فعشقها من صوتها، ما يذكّرنا ببيت بشار بن برد:
يا قوم أذني لبعض الحي عاشقة / والأذن تعشق قبل العين أحياناً
وهكذا يبدأ إرسال الورود إليها ليوقعها في حبائله، هو المتزوج الذي صار شبيهاً بشهريار ألف ليلة وليلة، فقد عانى من الخيانة الزوجية. هل ستكون هالة شهرزاد له؟
وأنا أقرأ في الرواية ـ ولم أنهها حتى اللحظة ـ تذكرت مقالاً كتبته أحلام مستغانمي عن الثري السعودي الوليد بن طلال أو طلال بن الوليد. هل يعد ذلك المقال البذرة التي شكلت الرواية؟
بطل "الأسود يليق بكِ" ثري ثراءً أسطورياً. أظن أن قراء الرواية سيتساءلون عن بطل الرواية هذه من يكون. أياً كان الأمر، فإن الأسود يليق بها. لكن من هي؟ أيضاً سيسأل القراء: من هي هالة؟.
عادل الأسطة
في شبابه كتب محمود درويش: "خيول الروم أعرفها / وإن تبدل الميدان". وأنا أمعن النظر في دال الحصان، وفيما يعنيه الشاعر بقوله: سقط الحصان عن القصيدة، تذكرت سطريه السابقين، وتذكرت عنوان إحدى مجموعاته: "لماذا تركت الحصان وحيداً؟" والحصان في المجموعة دال له غير مدلول، فالأخير يتحدّد حسب السياق. في قصيدة "أرى شبحي قادماً من بعيد" التي افتتح بها المجموعة ترد الأسطر التالية: "أطلّ على اسم أبي الطيب المتنبي/ المسافر من طبرية إلى مصر/ فوق حصان النشيد". ماذا يقصد درويش بـ "حصان النشيد"؟ النشيد هو الشعر، وحصان النشيد هو قوة الشعر، شعر المتنبي الذي حقق له شعره مكانةً متميزةً، فالأمراء والملوك رحبوا به لقوة نشيده. الشعر هو جواز السفر إلى بلاط الأمير. وفي "أبد الصبار" يكون الحصان هو الحصان: "ـ لماذا تركت الحصان وحيداً؟ "يسأل الطفل أباه، فيجيب الأب "ـ لكي يؤنس البيت يا ولدي/ فالبيوت تموت إذا غاب سكانها"، ولا يختلف المدلول في "في يدي غيمة": "أسرجوا الخيل/ لا يعرفون لماذا،/ ولكنهم أسرجوا الخيل/ في آخر الليل، وانتظروا/ شبحاً طالعاً من شقوق المكان"، وما من شك في أن درويش هنا يكتب عن قرية البروة قبل العام 1948، حيث كان الحصان/ الخيل مكوناً أساسياً من مكونات حياة أهل الريف. الحصان هو الحصان: جزء من سكان البيت، ووسيلة للتنقل.
في "صهيل على السفح" من "ورد أقل" (1986) أي قبل 9 سنوات من "لماذا تركت الحصان وحيداً؟" يكتب درويش عن مرحلة ما بعد بيروت ـ أي عن العام 1982 وما تلاه، خلافاً للجزء الأول من "لماذا تركت الحصان وحيداً؟" حيث يعود الزمن الشعري إلى ما قبل النكبة (1948) وخلالها أيضاً، وسنلحظ اختلاف مدلول الدال الواحد، فلم يعد دال الحصان يعني المدلول القاموسي. الحصان هو الثورة، الثورة الفلسطينية والسيدة هي فلسطين أو المرأة الفلسطينية وصهيل الخيول على السفح هو صهيل الفدائيين الذين ليس أمامهم إلاّ مواصلة الصعود، فإذا كان الشاعر قال في بداية القصيدة وفي وسطها "فإما الهبوط وإما الصعود" فإنه في سطرها الأخير قال: "صهيل الخيول على السفح: إما الصعود.. وإما الصعود":
"أتحتاج سيدة في الثلاثين أرضاً لتجمع صورة فارسها في إطار؟
. . . . .
. . . . .
"أعد لسيدتي صورتي. مزقي صورتي حين يصهل فيك حصان جديد" والحصان الجديد هو المقاتل/ الفدائي الجديد. سأموت وفي نفسي شيء من حتى.
2 ـ الأسود يليق بها
"الأسود يليق بكِ" عنوان رواية أحلام مستغانمي الأخيرة (2012). هل قاومت نفسي ورفضت شراءها ساعة رأيتها في المكتبة؟ هل أجلت قراءتها لانشغالي بأمور عاجلة؟ حين أرى رواية لأحلام مستغانمي أكون مثل أصحاب دور النشر وأصحاب المكتبات في بلادنا: الشغف بطباعتها وعرضها ـ بطل الرواية لديه أيضاً مس من شغف، فحين تروق له امرأة، كما راقت له بطلة الرواية المغنية هالة الواقي سورية الأم جزائرية الأب، يفعل كل شيء لأجل الحصول عليها ـ وأنا سرعان ما أقتني نسخة من الرواية، وسرعان ما أبدأ قراءتها: إنه الشغف.
حين اشتريت الرواية لم ألتفت إلى حركة الكاف في "بك" فقرأتها "بك" ـ بكسر ففتحة ـ، وما إن بدأت أقرأ الرواية حتى عرفت أن الأسود ـ أي اللون الأسود ـ يليق بالمغنية هالة، وهي تعجب بهذا اللون، وحين تطلب منها أختها نجلاء أن تستبدله بلون آخر ترفض. كانت هالة ارتدت الأسود حداداً على اغتيال أبيها المغني وأخيها علاء، وأبت أن تستبدله ـ سيظل اسم بطل الرواية ـ إن أحسنت القراءة ـ نكرةً حتى ص206 وفي هذه نقرأ اسمه: طلال هاشم، وطلال هاشم هذا عاش في البرازيل 25 عاماً وغدا رجل أعمال يملك الملايين. كانت رغبته أن يصبح أستاذاً في الأدب المقارن، لكنه لم يحقق ما صبا إليه، فهاجر ثم عاد إلى بيروت ثرياً، وحين شاهد هالة في برنامج تلفازي سحره صوتها، لا وهي تغني، بل وهي تتكلم، فعشقها من صوتها، ما يذكّرنا ببيت بشار بن برد:
يا قوم أذني لبعض الحي عاشقة / والأذن تعشق قبل العين أحياناً
وهكذا يبدأ إرسال الورود إليها ليوقعها في حبائله، هو المتزوج الذي صار شبيهاً بشهريار ألف ليلة وليلة، فقد عانى من الخيانة الزوجية. هل ستكون هالة شهرزاد له؟
وأنا أقرأ في الرواية ـ ولم أنهها حتى اللحظة ـ تذكرت مقالاً كتبته أحلام مستغانمي عن الثري السعودي الوليد بن طلال أو طلال بن الوليد. هل يعد ذلك المقال البذرة التي شكلت الرواية؟
بطل "الأسود يليق بكِ" ثري ثراءً أسطورياً. أظن أن قراء الرواية سيتساءلون عن بطل الرواية هذه من يكون. أياً كان الأمر، فإن الأسود يليق بها. لكن من هي؟ أيضاً سيسأل القراء: من هي هالة؟.
أ. د. عادل الأسطة
2012-12-09