أ. د. عادل الأسطة - محمود درويش: مفهوم جديد للبطولة

هل أعاد محمود درويش النظر في كثير من مفاهيمه على ضوء تجربته؟
هذا ما أخذت أفكر فيه وأنا أتابع مسيرته الشعرية، وأعتقد أن دراسته دراسة تعاقبية تبدو دراسة مجزية له ولتجربته ولغيره أيضا.
مرة في شبابه كتب "خيول الروم أعرفها وإن يتبدل الميدان"، وأضاف: "أنا زين الشباب وفارس الفرسان"، وفي "لاعب النرد" كتب "من أنا لأقول لكم ما أقول لكم/ أنا مثلكم أو أقل قليلا".
ومرة في شبابه كتب: "من يشتري تاريخ أجدادي بيوم حرية"، ثم بعد عشرين عاما عاد وكتب: "خسرت أجمل ما في يوم خسرت ماضي".
وأنا أرصد تنظيراته للشعر (الشاعر من خلال شعره منظرا للشعر) لاحظت الشيء نفسه. من إيمانه بدور الشعر في المعركة إلى قناعته بأنه لم يجد جدوى من الكلمات إلا رغبة الكلمات في تغيير صاحبها، مع أن رأيه في الشعر ظل يتغير بين فترة وفترة.
مثل موقفه من أناه وموقفه من ماضيه وموقفه من الشعر موقفه أيضا من مفهوم أدب المقاومة؛ في "أحمد الزعتر": "قاوم/ إن التشابه للرمال وأنت للأزرق" 1976 وفي "مديح الظل العالي": فليس لك المكان/ ولا العروش المزبلة" و"حرية التكوين أنت وأنت عكس المرحلة" 1982، وفي "حالة حصار" 2002: "أن تقاوم يعني: التأكد من/ صحة القلب والخصيتين/ ومن دائك المتأصل: /داء الأمل".
مؤخرا طلب مني أن أتكلم عن مفهوم البطولة في أدب الانتفاضة ولم أتردد في الموافقة لسبب هو أن الموضوع جاهز لدي ولدي ما أقوله فيه. هل أنسى ديوان "حالة حصار" لمحمود درويش وفهمه الجديد لدال البطولة؟
في قصيدة عبد الكريم الكرمي (أبو سلمى) "سنعود" تبدو البطولة مشابهة لما قرأناه في معلقة عمرو بن كلثوم وفي أشعار المتنبي: "النحن المتضخمة والأنا المتضخمة " والبطل هو من ينتصر على عدوه بالسلاح.
مفهوم البطولة تمثل في الشعر العربي على مر العصور بتصوير القائد ومعاركه وانتصاره فيها، وربما لم يختلف هذا المفهوم في الشعر الفلسطيني وإن حل الفدائي محل البطل القائد.
في "حالة حصار" يقرأ القارئ مفاهيم جديدة - أو هكذا اقرأ أنا -.
وعموما فإن البطولة تتجسد في أشكال عديدة.
البطولة تعني أن تبقى على قيد الحياة:
أن نربي الأمل.
أن ننسى الألم.
أن نعلم أعداءنا حب الحياة.
أن نكون، وبعدها نحن مختلفون على كل شيء.
والبطولة تعني أن نجعل من العدو القاتل إنسانا: "أيها الواقفون على العتبات ادخلوا/ واشربوا معنا القهوة العربية (قد تشعرون بأنكم بشر مثلنا).
والبطولة لا تتجسد في القوة فقط، وإلا لكان جنود الاحتلال الأقوى منا هم الأبطال. محمود درويش يخاطب هؤلاء الجنود غير مرة بـ (إلى قاتل): فلقد كان هناك من قتل أمك في غرف الغاز ولو تأملت وجه الضحية لتذكرت وجه أمك هناك ولتحررت من حكمة البندقية وغيرت رأيك: "ما هكذا تستعاد الهوية".
ويخاطب أيضا الحراس الإسرائيليين (إلى حارس): سأعلمك الانتظار لعلك تسأم مني/ وقد ترى شبها طارئا بيننا: لك أم/ ولي والدة/ ولنا مطر واحد/ ولنا قمر واحد/ وغياب قصير عن المائدة".
وإن علمنا عدونا ما سبق فنحن أبطال.
والبطولة تعني الطموح إلى حياة أفضل.
ليست البطولة الموت من أجل الوصول إلى حوريات الجنة "الشهيد يوضح لي: لم أفتش وراء المدى/عن عذارى الخلود، فإني أحب الحياة/ على الأرض، بين الصنوبر والتين، لكنني/ ما استطعت إليها سبيلا، / ففتشت عنها بآخر ما أملك: /الدم في جسد اللازورد".
و:"الشهيد يحذرني: لا تصدق زغاريدهن/ وصدق أبي حين ينظر في صورتي باكيا" و:"الشهيد يحاصرني: لا تسر في الجنازة/ إلا إذا كنت تعرفني. /لا أريد مجاملة من أحد".
وأين ما سبق مما عرف من قبل؟ أين "لا تصدق زغاريدهن "من "يا أم الشهيد وزغردي/ كل الشباب ولادك"؟
أم الشهيد تنتظر ابنها العريس الذي استشهد ليلة عرسه. تنتظر عودته من شهر العسل فهي أم. تسأل عن ابنها الشهيد فتجاب: "قيل هناك في السماء ملاكان/ يستكملان طقوس الزواج فزغردت، /ثم رقصت وغنيت حتى أصبت/ بداء الشلل/ فمتى ينتهي يا حبيبي شهر العسل؟".
وهي لم تر ابنها ماشيا في دمه ولم تر الأرجوان على قدمه بل رأته:
"كان مستندا للجدار
وفي يده
كأس بابونج ساخن
ويفكر في غده"
هكذا هو الفلسطيني والبطولة أن نبقى على قيد الحياة.
هل الفهم السابق للبطل جديد في أدبياتنا؟
أعتقد أن ما يقدمه محمود درويش نادرا ما قدم من قبل وهو قد لا يروق لكثيرين، ولكن علينا أن نتابعه وأن نفكر فيه.
(من المداخلة التي ألقيتها في معرض الكتاب في 7/5/2018)

عادل الأسطة
2018-05-13



تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى