أ. د. عادل الأسطة - صدق فراشاتنا… لا تصدق فراشاتنا...

قبل عشرة أيام تقريبا شاهدت على فضائية الجزيرة مقابلة أجرتها جيفارا البديري مع أم الشهيد أحمد جرار. والحقيقة أن الأم اذهلتتي بهدوئها وطريقة كلامها ،فالدم كان طازجا ؛دم ابنها، وهناك دم مر عليه سنوات طويلة هو دم زوجها. ام شهيد وزوجة شهيد تتكلم بهدوء ولا تنكر تأثرها وفقدانها ،فهي أم وهي زوجة ،وقد هدم بيتاها أيضا.

اعادتني المقابلة إلى صورة الزوجة الفلسطينية والأم الفلسطينية في ادبياتنا منذ فترة مبكرة. قصمت النكبة ظهر العائلة الفلسطينية وهشمتها وتوزعت أيدي سبأ.

قاربت سميرة عزام في بعض قصصها صورة زوجة الشهيد وفعل مثلها قصاصون آخرون مثل جمال بنورة. لم تكن الصورة مثالية فالظروف قاسية وصعبة والواقع أقسى من المتخيل والامنيات وهكذا تضطر زوجة الشهيد إلى فعل ما لا يجوز فعله.

هل شط محمود درويش لاحقا حين كتب في قصيدته “سرحان يشرب القهوة في الكافتيريا “الآتي: إلى الأمهات اللواتي تزوجن أعداءنا/ وكن ينادين شيئا شبيها بأسمائنا/ فيأتي الصدى حرسا/ ينادين قمحا/ فيأتي الصدى حرسا/ ينادين عدلا/ فيأتي الصدى حرسا/ ينادين يافا/ فيأتي الصدى حرسا/ ومن يومها كفت الأمهات عن الصلوات ،وصرنا/ نقيس السماء باغلالنا “؟ وهل شط أيضا حين عاد بعد 15 عاما ليكتب “نخاف على حلم ” ويقول: “لا تصدق إذن صبر زوجاتنا/ سينسجن ثوبين، ثم يبعن عظام الحبيب ليبتعن كأس الحليب لأطفالنا “1986.

؟ ما قالته زوجة الشهيد ، وام الشهيد أحمد جرار يبعث على الطمأنينة ويبرز صورة إيجابية للمرأة الفلسطينية ويذكر بأعمال أدبية فلسطينية تتقارب فيها المرأة في الواقع مع المرأة في النص الأدبي.

هل ينسى قاريء كلاسيكيات الرواية الفلسطينية صورة أم سعد في رواية غسان كنفاني “أم سعد “1969؟ طبعا أم سعد تختلف عن باقية في رواية اميل حبيبي “المتشائل ” 1974 وهذا الاختلاف يعود إلى اختلاف الموقع واللحظة الزمنية ،فموقع أم أحمد جرار لا يختلف كثيرا عن موقع باقية وإن اختلفت اللحظة الزمنية.

في انتفاضة الأقصى 28/9/2000 سيعود محمود درويش نفسه ليكتب عن أم الشهيد. الصورة اللحظية لأم الشهيد أمام الكاميرا تبدو مطابقة غالبا لتلك الصورة التي برزت لأم أحمد جرار في المقابلة ،بل وغالبا ما تزغرد الأمهات في أثناء جنازة الشهيد/ الابن ،ولكن ماذا بعد أن يشعرن حقيقة بالفقدان؟ لم تنكر والدة الشهيد أحمد أنها أم وأنها شعرت بفقدان زوجها وأنها تشعر بفقدان ابنها.

إنها أم وزوجة أيضا وإن تخيلت ابنها حيا في جنان الخلد. تشغل صورة والد الشهيد ووالدته وأخته وأهله ذهن محمود درويش في “حالة حصار”2002 ويفرد لها غير صورة. وتكاد تتطابق وما قالته والدة أحمد: ” قالت الأم في باديء الأمر لم/أفهم الأمر .

قالوا: تزوج منذ/ قليل .فزغردت، ثم رقصت وغنيت/ حتى الهزيع الأخير من الليل،حيث/ مضى الساهرون ولم تبق إلا سلال/ البنفسج حولي. تساءلت: اين العروسان؟ /قيل: هنالك فوق السماء ملاكان/ يستكملان طقوس الزواج.

فزغردت، /ثم رقصت وغنيت حتى اصبت/ بداء الشلل/ فمتى ينتهي ،يا حبيبي، شهر العسل؟”. في مقطع سابق تقول الأم إنها لم تره ماشيا في دمه ولم تر الارجوان على قدمه: “كان مستندا للجدار/ وفي يده/ كأس بابونج ساخن/ ويفكر في غده ” وكم من شهيد كان يفكر حقا في غده؟ وكم من فلسطيني قتل دون أن يشارك في أي عمل مقاوم. ربما يستحضر قاريء الأدبيات الفلسطينية صورا كثيرة لأمهات الشهداء وزوجاتهم. أحيانا تبدو الصورة صادمة وقاسية.

كتب غسان كنفاني “أم سعد “في زمن المد الثوري فجاءت الصورة إيجابية مشرقة. أم سعد تفخر بما يقوم به ولداها سعد وسعيد والتحاقهما بالثورة يرد لها الروح، فهي ماذا ستخسر غير الشوارع الطينية في المخيم؟ وماذا ستخسر لو خسرت المخيم؟ ترى ماذا كان كنفاني سيكتب لو بقي على قيد الحياة وعاش في لبنان في 80 ق 20 و 90 ق 20 وحتى اليوم؟ أمامنا رواية الياس خوري “باب الشمس “أمامنا روايتا سامية عيسى “حليب التين “و”خلسة في كوبنهاجن “.

هل يمكن القول إن رواية “حليب التين ” لا تختلف في الكتابة عن زوجة الشهيد وام الشهيد عما ورد في قصة سميرة عزام “لأنه يحبهم “؟ تكاد الصورة تبدو صادمة وصادمة جدا. هل كانت أسطر محمود درويش الشعرية حاضرة في ذهن سامية عيسى “لا تصدق فراشاتنا/ لا تصدق إذن صبر زوجاتنا”؟ وأنا أتابع المقابلة التي أجرتها جيفارا البديري مع أم الشهيد أحمد جرار خطرت النصوص الأدبية السابقة في ذهني. وعلى رأي إميل حبيبي: “نحن بشر يا بشر “.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى