من التعليم الوطني الحر بالقنيطرة (مسقط الرأس 1938)، إلى جامعات القاهرة والرباط والجزائر وباريس، أرسى الدكتور إبراهيم السولامي مسارات متنوعة للتكوين الأكاديمي، وللبحث والكتابة. في سنة 1964، التحق أستاذا بكلية آداب فاس، ضمن جيل الأساتذة الشباب: أحمد اليبوري، حسن المنيعي، محمد برادة ومحمد السرغيني، لتتخرج على يديه أفواج الطلاب الذين يشهدون بسعة علمه، وروحه الكريمة المفتوحة على الشباب. إلى جانب ذلك، أثرى الخزانة الوطنية بمؤلفات دشنها بديوان «حب» سنة 1967، وواصلها بكتابيه الأساسيين: الشعر الوطني في عهد الحماية (1974) والاغتراب في الشعر العربي الحديث (2009)، إضافة إلى مؤلفاته: تأملات في الأدب المعاصر، رأي غير مألوف، خطوات في الرمال، وكتابه الصادر هذه السنة بعنوان «في صحبة الأحباب».
في هذا الحوار استعادة لمعالم من هذه المسارات التي هي جزء من ذاكراتنا الثقافية المشتركة.
أجواء المرح هاته لم تمنعكم من اجتياز الباكلوريا بنجاح، والالتحاق بالدرس الجامعي.
كيف وجدتم الجامعة المصرية آنذاك؟ وماذا عن الطلاب المغاربة داخل الفضاء الجديد؟
قبل أن أجيبك عن هذا السؤال، أشير إلى تفصيل مهم بخصوص أستاذ الترجمة، فقد فوجئنا، ذات يوم، بعد الالتحاق بالجامعة أنا ومحمد برادة، بإعلان في الكلية يحدد يوم مناقشة أطروحته لدكتوراه، وكان عنوانها «الجريمة والعقاب» في القانون وعلم النفس، فاكتشفنا أن صاحب الأطروحة هو أستاذنا كمال الدسوقي، الولهان والمحب لعبد الحليم حافظ، والذي درس اللغة الفرنسية وتخرج من شعبة الفلسفة، وواصل دراسته العليا في الحقوق ، وانضم إلى مدرسة علم النفس التكاملي التي كان يرأسها يوسف مراد. وكان من أساتذتها مصطفى سويف، صاحب الكتاب الشهير «الأسس النفسية للإبداع الأدبي».
أما بخصوص الجامعة، فأول ما عرفناه من نظامها، هو أنها ثلاث جامعات يدخلها الناجحون حسب درجة نجاحهم في البكالوريا، وهي بالترتيب: جامعة القاهرة، ثم جامعة عين شمس، فجامعة الإسكندرية. والطريف أن اللذين التحقا بجامعة الإسكندرية، هما اللذان نالا مناصب سامية عند رجوعهما إلى المغرب، وهما: عبد الحميد عواد الوزير السابق المكلف بالتوقعات الاقتصادية، وعبد الكريم السمار السفير في السعودية الذي توفي مؤخرا.
أشير هنا إلى أن القاهرة كانت تزخر بالمغاربة. بعضهم سبقونا، وآخرون جاؤوا بعدنا. بعضهم كانوا كبار في السن نسبيا مثل عبد القادر الصحراوي السفير ووزير الأنباء، ومحمد التازي السفير، ومحمد الدغمي الذي كان فنانا مشهورا في ذلك الوقت.
كان بيننا أيضا من قضى مدة قصيرة ثم عاد إلى المغرب بعد الاستقلال، ومنهم : عبد الرحيم السقاط، محمد المزكلدي، محمد بوزوبع، إسماعيل أحمد، الطاهر جمي، خالد مشبال، عبد الكريم الفيلالي وعبد اللطيف السملالي. ومنهم من عاش معنا مدة الدراسة، أكانوا قبلنا مثل أحمد عبد السلام البقالي ومحمد بنعيسى ، وقد غادرا إلى أمريكا. ومنهم من تابع الدراسة حتى النهاية، وهم كثيرون منهم: علي أومليل ، عباس الجراري، عبد الواحد بنمسعود، عبد الرحمان بنعمرو، محمد رونق ، حسن المفتي، والمهدي الدليرو.
التحقت ، محمد برادة وأنا، بشعبة اللغة العربية، فكان من زملائنا من أصبحوا كتابا لامعين، منهم عبد المنعم تليمة، وطه وادي وسيزا قاسم. أما أومليل فالتحق بشعبة الفلسفة، ومن أبرز زملائه محمود رجب وعزة قرني.
أساتذتنا كانوا لا معين، منهم شوقي ضيف، يوسف خليف، حسين نصار، عبد العزيز الأهواني وعبد الحميد يونس، لكن أحبهم إلينا كانت الأستاذة سهير القلماوي، أستاذة النقد لأن أسلوبها مركز دقيق، ومنهجها متكامل مشوق. أما طه حسين فكان يلقي علينا درسا اختياريا، يوم الأربعاء، نحضره مع أساتذتنا ومئات الطلبة من جميع الشعب.
بالإضافة إلى الدراسة النظامية، كانت الجامعة بدون شك محفلا ثقافيا، بالنظر إلى قيمة الأساتذة وتنوع عطاءاتهم، وحيوية الساحة الثقافية المصرية؟
بالفعل، فلقد كان الجو الثقافي غنيا بالندوات، وكانت الجامعة حافلة بالمناقشات الحاملة لكل التيارات، وأذكر أنني عرفت، في مقهى الجامعة الصاخب، وحيد النقاش، وأخته فريدة.
كان وحيد يدرس بشعبة اللغة الفرنسية، وأخته بشعبة اللغة الانجليزية. وفي المقهى عرفت كذلك محسن بدر ونجاة شاهين وأحمد حجازي وغيرهم.
وأشير هنا إلى أن ندوات كثيرة كانت تقام في اليوم الواحد، مما يصيبنا بالحيرة. محمد مندور مثلا كان يلقي، يوميا، محاضرة في المذاهب الأدبية بمتحف الفن الحديث. بينما تقام ندوة لإلقاء الشعر في مكان آخر. ولا أزال أذكر أنني استمعت، في هذه الندوة الشعرية، إلى الشاعرات: ملك عبد العزيز، زوجة محمد مندور ولورا الأسيوطي ووفاء وجدي.
ضمن الأجواء الثقافية والفنية كذلك، وإلى جانب الندوات، والمكتبات الزاخرة وفي طليعتها مكتبة جامعة القاهرة ومكتبة درا الكتب ، كانت تنظم حفلات متتالية، أشهرها حفلة أول خميس من كل شهر لأم كلثوم، حيث يتحلق الناس حول المذياع ليسهروا مع الصوت الشجي، إلى ساعة متأخرة من الليل.
أما الصحف فهي فضاء لأقلام أكبر الكتاب: طه حسين، عباس محمود العقاد، سلامة موسى، محمد زكي عبد القادر، أحمد الصاوي، بيرم التونسي، أنيس منصور، إحسان عبد القدوس، ومحمد مندور، لويس عوض ، ومحمد حسنين هيكل، وأحمد رشدي صالح وغيرهم.
نشر في الاتحاد الاشتراكي يوم 26 - 08 - 2010
في هذا الحوار استعادة لمعالم من هذه المسارات التي هي جزء من ذاكراتنا الثقافية المشتركة.
أجواء المرح هاته لم تمنعكم من اجتياز الباكلوريا بنجاح، والالتحاق بالدرس الجامعي.
كيف وجدتم الجامعة المصرية آنذاك؟ وماذا عن الطلاب المغاربة داخل الفضاء الجديد؟
قبل أن أجيبك عن هذا السؤال، أشير إلى تفصيل مهم بخصوص أستاذ الترجمة، فقد فوجئنا، ذات يوم، بعد الالتحاق بالجامعة أنا ومحمد برادة، بإعلان في الكلية يحدد يوم مناقشة أطروحته لدكتوراه، وكان عنوانها «الجريمة والعقاب» في القانون وعلم النفس، فاكتشفنا أن صاحب الأطروحة هو أستاذنا كمال الدسوقي، الولهان والمحب لعبد الحليم حافظ، والذي درس اللغة الفرنسية وتخرج من شعبة الفلسفة، وواصل دراسته العليا في الحقوق ، وانضم إلى مدرسة علم النفس التكاملي التي كان يرأسها يوسف مراد. وكان من أساتذتها مصطفى سويف، صاحب الكتاب الشهير «الأسس النفسية للإبداع الأدبي».
أما بخصوص الجامعة، فأول ما عرفناه من نظامها، هو أنها ثلاث جامعات يدخلها الناجحون حسب درجة نجاحهم في البكالوريا، وهي بالترتيب: جامعة القاهرة، ثم جامعة عين شمس، فجامعة الإسكندرية. والطريف أن اللذين التحقا بجامعة الإسكندرية، هما اللذان نالا مناصب سامية عند رجوعهما إلى المغرب، وهما: عبد الحميد عواد الوزير السابق المكلف بالتوقعات الاقتصادية، وعبد الكريم السمار السفير في السعودية الذي توفي مؤخرا.
أشير هنا إلى أن القاهرة كانت تزخر بالمغاربة. بعضهم سبقونا، وآخرون جاؤوا بعدنا. بعضهم كانوا كبار في السن نسبيا مثل عبد القادر الصحراوي السفير ووزير الأنباء، ومحمد التازي السفير، ومحمد الدغمي الذي كان فنانا مشهورا في ذلك الوقت.
كان بيننا أيضا من قضى مدة قصيرة ثم عاد إلى المغرب بعد الاستقلال، ومنهم : عبد الرحيم السقاط، محمد المزكلدي، محمد بوزوبع، إسماعيل أحمد، الطاهر جمي، خالد مشبال، عبد الكريم الفيلالي وعبد اللطيف السملالي. ومنهم من عاش معنا مدة الدراسة، أكانوا قبلنا مثل أحمد عبد السلام البقالي ومحمد بنعيسى ، وقد غادرا إلى أمريكا. ومنهم من تابع الدراسة حتى النهاية، وهم كثيرون منهم: علي أومليل ، عباس الجراري، عبد الواحد بنمسعود، عبد الرحمان بنعمرو، محمد رونق ، حسن المفتي، والمهدي الدليرو.
التحقت ، محمد برادة وأنا، بشعبة اللغة العربية، فكان من زملائنا من أصبحوا كتابا لامعين، منهم عبد المنعم تليمة، وطه وادي وسيزا قاسم. أما أومليل فالتحق بشعبة الفلسفة، ومن أبرز زملائه محمود رجب وعزة قرني.
أساتذتنا كانوا لا معين، منهم شوقي ضيف، يوسف خليف، حسين نصار، عبد العزيز الأهواني وعبد الحميد يونس، لكن أحبهم إلينا كانت الأستاذة سهير القلماوي، أستاذة النقد لأن أسلوبها مركز دقيق، ومنهجها متكامل مشوق. أما طه حسين فكان يلقي علينا درسا اختياريا، يوم الأربعاء، نحضره مع أساتذتنا ومئات الطلبة من جميع الشعب.
بالإضافة إلى الدراسة النظامية، كانت الجامعة بدون شك محفلا ثقافيا، بالنظر إلى قيمة الأساتذة وتنوع عطاءاتهم، وحيوية الساحة الثقافية المصرية؟
بالفعل، فلقد كان الجو الثقافي غنيا بالندوات، وكانت الجامعة حافلة بالمناقشات الحاملة لكل التيارات، وأذكر أنني عرفت، في مقهى الجامعة الصاخب، وحيد النقاش، وأخته فريدة.
كان وحيد يدرس بشعبة اللغة الفرنسية، وأخته بشعبة اللغة الانجليزية. وفي المقهى عرفت كذلك محسن بدر ونجاة شاهين وأحمد حجازي وغيرهم.
وأشير هنا إلى أن ندوات كثيرة كانت تقام في اليوم الواحد، مما يصيبنا بالحيرة. محمد مندور مثلا كان يلقي، يوميا، محاضرة في المذاهب الأدبية بمتحف الفن الحديث. بينما تقام ندوة لإلقاء الشعر في مكان آخر. ولا أزال أذكر أنني استمعت، في هذه الندوة الشعرية، إلى الشاعرات: ملك عبد العزيز، زوجة محمد مندور ولورا الأسيوطي ووفاء وجدي.
ضمن الأجواء الثقافية والفنية كذلك، وإلى جانب الندوات، والمكتبات الزاخرة وفي طليعتها مكتبة جامعة القاهرة ومكتبة درا الكتب ، كانت تنظم حفلات متتالية، أشهرها حفلة أول خميس من كل شهر لأم كلثوم، حيث يتحلق الناس حول المذياع ليسهروا مع الصوت الشجي، إلى ساعة متأخرة من الليل.
أما الصحف فهي فضاء لأقلام أكبر الكتاب: طه حسين، عباس محمود العقاد، سلامة موسى، محمد زكي عبد القادر، أحمد الصاوي، بيرم التونسي، أنيس منصور، إحسان عبد القدوس، ومحمد مندور، لويس عوض ، ومحمد حسنين هيكل، وأحمد رشدي صالح وغيرهم.
نشر في الاتحاد الاشتراكي يوم 26 - 08 - 2010