محمد محجوبي - نشوة الطين

الشيخ العجوز الذي خاض حروبا مبهمة أكلت قارات بأكملها لا يزال بعمامته وقلنسويته وشاربه الفض يتلصص سديم حكاية مدسوسة في خم تأصل من وجع الطين ونزوة الشمس الحادة وهي تحذو بمفاتنها حذو التوهج بين خلوات الحقول .
لا يزال الشيخ العجوز ممدا تصطلي مغامراته على نار حنين . في الحلقات المفرغة من نفور الخاطر . تغزو ليله مشاعر التفرد بجنونه المبهم . فهو المنسي فيه لكنه يتوالد من ركام أعراف يدمن أفيون دهشة ليجوب شوارع الذكريات ، فيقتات من غصة السؤال أجوبة على منوال شاربه الأصفر ينازل الخيوط المستعصية على لياليه .
القرية المملوكة لفراغها منذ ولادات الصبار تراوده بطين . يفرك عينيه الحربيتين على وعكات قبلية . وهو يقبض على وحش الشرف يشرب لطخات الدم من مشهد تراجيدي أقامه سلف مهووس الغلظات . الشيخ لا يكاد يستشعر غلظة يديه من جنوح سلالات خرجت ثم احتجبت هكذا في أدغال الشرف بعضها مات بدم كذب . نساء دم ورجال نار . تطاير خناجر الموت . نفس السلالة تعود مترنحة بين سكرات طين وغرابة خم بقي شاهدا على جنون الاقتتال . فلم يتبقى منه سوى ديك عليه بقع حمراء من دم ولحم محموم . على جناحيه خريطة معارك صماء . على عنقه صلبت براءات النجوم ومن هزال ساقيه تشتم قبورا منسية . الديك لم يعد كما كان فارس معارك مبهمة . استحال مثل الشيخ هجين أفيون يشعل الخم بنار نهمة خامدة . فقط تلك الدجاجة انزلقت من رياح الحروب . هي كانت تعزف لسرب الحمام هواءه . كانت تغني روائع الشجر فلم تخنها حنجرة العشق الدافق .
ولكنها استحالت دجاجة في حلكة الخم تواظب أفيون الشيخ على حسيس بكاء الديك الهزيل وكل الحروب التي أفزعت خواطر الطين . كل الدماء بما فيها دم الشرف تصلبت في شرايين الحكاية كثافة نار تلهى بها الشيخ وهو يقرض شعره البدوي لفواجع الطين . فكم تمنى ذالك الشيخ العجوز أن يجد مداد شعر يلون به حياة بشر خرافيين. لكنه والديك كما الدجاجة تنحوا جانب مجاهيل أموات .


ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...