أ. د. عادل الاسطة - هوس شعري : إني أعترف

منذ قرأت أشعار ديوان الوطن المحتل صرت مهووسا بها ، ويمكن إيراد نماذج لأشكال هذا الهوس .
في ١١ / ١٢ / ١٩٧٥ زرت دمشق وترددت على مكتباتها واشتريت منها ما اشتريت ، ومما لفت نظري على مكتبات الرصيف ديوان فتى الثورة ، وفتى الثورة كما عرفت من المرحوم أحمد دحبور هو سعيد المزين ( أبو هشام ) . قرأته ونويت إحضار النسخة معي ، فلما لاحظ ابن خالتي ، وكان طيارا في الجيش السوري ، نبهني إلى أن ذلك قد يسبب لي مشاكل على الحدود الأردنية ، فالديوان كتب إثر حرب أيلول ١٩٧٠ ، وكله هجاء لرأس النظام الأردني . ماذا أفعل إذن ؟
من الكتب التي اشتريتها في تلك الزيارة روايات الطيب صالح وكتاب الدكتور محمد التونجي " بدر شاكر السياب والمذاهب الشعرية المعاصرة " ولاحظت فيه بعض صفحات بيض ، فكتبت عليها مقاطع من ديوان فتى الثورة ، وما زال الكتاب في مكتبتي وعليه بخط يدي تلك المقاطع ، وعليه أيضا تاريخ زيارة دمشق .
ماذا لو تصفح الضابط الأردني الكتاب ولاحظ المقاطع ؟
بعد إنهائي دراسة البكالوريوس في الجامعة الأردنية في ١٩٧٦ وعودتي إلى نابلس اشتريت ديوان سميح القاسم " وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم " الصادر حديثا ، وصرت أقرأ منه مقاطع شعرية بصوت مرتفع ، وقد التفت أحد إخوتي إلى الأمر فابتسم . كان الديوان يضم قصائد كتبت في يوم الأرض وأخرى في مديح مدينة جبل النار - نابلس ، وكان يوم الأرض في حينه مناسبة لافتة ، وكانت نابلس تشهد انتفاضة طلبة المدارس التي استشهدت فيها لينا النابلسي ، كما كنا نعيش أجواء الحرب الأهلية اللبنانية ونتابع أخبار مخيم تل الزعتر الذي سقط في آب في حينه .
بعد سقوط تل الزعتر كتب محمود درويش قصيدته الشهيرة " أحمد الزعتر " ومعين بسيسو ديوانه " الآن خذي جسدي كيسا من رمل " وطبعت القصيدة ، وترجمتها رنا قباني ، وطبع الديوان أيضا طبعة فاخرة ، وسرعان ما صور العملان في الأرض المحتلة ووزعا ، فكان أن قرأتهما قراءات مكثفة وحفظت بعض مقاطعهما ، بل وكتبت مراجعة لديوان معين نشرتها في جريدة الفجر التي صار يشرف على صفحاتها الأدبية الشاعر علي الخليلي العائد حديثا من العالم العربي .
لم يقتصر الأمر على ما سبق ، فقد أخذت أشتري دفاتر مدرسية وأنسخ عليها بعض المجموعات الشعرية التي استعرتها من مكتبة بلدية نابلس ولم أجد نسخا للبيع منها في مكتبات بيع الكتب .
وصرت أتابع كل ما يصدر . في تلك الأيام نشطت دار صلاح الدين في القدس وطبعت كتبا عربية وأخرى لأدباء فلسطينيين ، ومن الدواوين التي طبعتها ديوانا خليل توما " أغنيات الليالي الأخيرة " و " نجمة فوق بيت لحم " وقد قرأتهما كما قرأت أشعار شعراء المقاومة في فلسطين ١٩٤٨ ، وكتبت حولهما ونشرت ما كتبت ، على ضعفه ، في مجلة " البيادر " وفي جريدة " الطليعة " ، وذهب بي الأمر أن صرت أشتري ما أجده من مجموعات لفدوى طوقان ، بخاصة ما طبع لها في بيروت قبل ١٩٦٧ ، أما أشعارها المقاومة التي ضمتها مجموعة " الليل والفرسان " فلم أحصل عليها إلا حين طبعت أعمالها الكاملة .
في تلك السنوات كانت تقام أمسيات شعرية في جامعتي بير زيت وبيت لحم وفي نوادي المخيمات أيضا ، وكان هذا يعد نشاطا لافتا ، كما كانت تحيا نشاطات يغني الشعر فيها الفنان مصطفى الكرد ، وكان الذهاب إليها يعد مشاركة في النشاط الوطني ، وأذكر أنه في العام ١٩٧٦ تقرر إقامة أمسية في مكتبة بلدية نابلس للفنان فحالت قوات الاحتلال الإسرائيلي دون ذلك .
ولأعترف :
ما الذي كان يدفعني إلى ما ذكرت : أهو تخصصي في الأدب العربي أم عاطفتي الوطنية ؟
لم أكن شخصيا انتمي إلى حزب سياسي أو فصيل وطني ، فمشاعري الوطنية شكلتها مظاهرات أحداث السموع في ١٩٦٦ وهزيمة حزيران ١٩٦٧ وحرب أيلول ١٩٧٠ وحرب تشرين ١٩٧٣ ثم نمت وتصاعدت مع بداية الحرب الأهلية في لبنان . كنت فلسطينيا فقط تحركه المشاعر والانفعالات إزاء الشعب الذي ولدت فيه وضاعف الأمر ولادتي في مخيم لاجئين ظل أهله يشعرون أنه مكان طاريء ، فمكانهم هو المكان الذي هجروا منه في ١٩٤٨ .
كان الذين يشاركون في النشاطات الأدبية والثقافية في تلك الأيام هم نشطاء الحزب الشيوعي وبعض جبهات اليسار الفلسطيني وبعض الرموز الثقافية ، أما الناس العاديون فكان النشاط الثقافي والفني لا يعنيهم من قريب أو من بعيد . كما لو أنني كنت متطفلا على المشاركين والحضور الذين كانت انتماءاتهم تدفعهم إلى الحضور باعتبار ذلك نضالا وطنيا ، وعندما كنت ألتقي بيساريين من الجبهة الديمقراطية كانوا يسخرون مما أقول ، فالكاتب لا بد من أن يكون ملتزما وإلا فلا قيمة لما يكتب ، والطريف أن أكثر هؤلاء اليساريين ما عادوا كذلك ولم يبق منهم منتميا إلا القليلين ، فيم واصلت الكتابة .
ولأعترف أيضا :
هناك عشرات الفدائيين الفلسطينيين ترك شعر المقاومة عليهم أثره فالتحقوا بالثورة وقاتلوا ، ولكني للأسف لم أمتلك شجاعتهم ، وهذا موضوع يطول .

الأربعاء
٢٣ آذار ٢٠٢٢




تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى