I
قبل الليل
صادفتني أجساد هائمة، بعضها لا يقف عن الـحركة، والآخر يدهشني سكونه، في الناحية الأخرى فتاتان تنظران إليَّ وتتبادلان النظرات الـباسـمة.
II
أوَّلُ الليل
سَقَطتُ نائماً دون غطاء، فرأيت في الـمنام: ثعباناً أصفرَ يزحف إلى فراشي، رافعاً رأسه كاشفاً عن نابين لامِعَين، يقترب مني مُتهيئاً لبصق الزعاف الفاتك.
فَزِعَت من نومي وَقَرَأت بعض الأدعية، مسحت عرق وجهي، حتى بدت لي التخيّلات، فاختطفت أنفاسي نوبة عطاس ثقيلة، وآلام وحـمـّى تصفق في جسدي، فطنت لآثارٍ حـمراء لـجروح لـم تلتئم، لقد ظلت حالي تتجاذبـها الـحمّى والبرودة اللتين تتعاقبان على أطرافي وعظامي.
III
منتصف الليل
فَتَرَات صحوٍ قصيرة، تفصلها نوبة إثر أخرى، تـحوم حولي أطياف متعدّدة، لأقع أكثر في الـحمّى، فدلفت إليَّ كوابيس مزعجة: رأيت امرأة مُعلّقة بسوط ينتهي في السماء، تبكي وأسنانـها تتساقط على بطني العاري، فاختبـأتُ خلف صخرة.
استيقظت مرعوباً، راجف الأطراف، التفت إلى اليمين وأنا في نشيجٍ يتصاعد عالياً، وهـمهمات لا تُفارق فمي وكأنّي جذعٌ اشتعل فيه اليباس، أشحت بوجهي موقفاً نظراتي في نقطة واحدة، لا أحيد عنها، عيناي حزينتان، ونفسي كسيرة، أتـمنّى لو أنسى كل شيء، ارتـخت أعضائي، وانقبضت أنفاسي وكأنّي أحسست أن الـموت سيحسم أمري، فترات صحوة قصيرة، تفصلها نوبة إثر أخرى، استعدت وعيي بعد وقت، عيناي حمراوان، تـحوطهما هالات زرقاء، التفت جانباً لأرى وجهي في الـمرآة الطويلة، بدوت مُتعباً جداً، شديد الشحوب، وكأنّي مستلُّ من زمن الغابرين، تـحرّكت نـحو الـحمّام مضطرباً، خائفاً، عاجزاً عن إخفاء دموعي وأنا أُكلِّمُ ذكرياتي بصوت مرتـجف، وقتها أجلت بصري وكأني قريب من الـموت، اكتشفت أنّي عشت أنتظر حوادث لا أودّها، انطرحت إلى فراشي، راحتاي مبلولتان، وركبتاي ترتعدان وتصطكان.
مكثت مُسجىً، أتـحسَّس وجهي وعنقي، ارتاحت أصابعي على خدي لـحظة ثـم ارتفعت إلى جبيني ماسحاً العرق البارد عنه، لبست كلسات صوف، وحشيت بيجامتي من الساقين، ثـم لبست بنطالاً مـخملياً عتيقاً، كنت ألبسه نادراً، التففت بغطاء ثقيل، ومع ذلك ظللت أرجف من البرودة، أغمضت عيني، تاركاً رأسي لأعلى، سقطت يدي جانباً، جراء نعاسٍ بدأ يـخطف أجفاني، كما غاب صراخ الفتية، الذين أشعلوا الشغب الكثير قريباً، وتلاشى الغبش والتعب معاً.
IV
آخِرُ الليل
استيقظت، لـم أنـهض فوراً من فراشي، تـَمَطَّيتُ بكسل، وألقيتُ بلحافي الثقيل جانباً، أَصغيتُ إلى حركة الـمواصلات في الـخارج، أدخلت يدي البرصاء في جيب قميصي الـمُلقى جانباً، وسحبت علبة سجائري، ووضعت واحدة دون أن أُشعلها، وسحبت الثانية وأشعلتها ويدي تُقلّب مفتاحاً صغيراً، أخذت منها ثلاثة أنفاس ثـم سحقتُ رأسها الـمُشتعل في الـمنفضة، أخذت الثالثة على الفور، واستغرقت وقتاً لأُكمِلَها، أرخيت جسدي الـمُتعب على الفراش مُـحملقاً في السقف، أغمضت عيني مـحاولاً السكينة، ثـم مددت يدي مستشعراً خفقات قلبي.
V
بَعد الليل
نـهضتُ من فراشي إلى غرفة الـجلوس ذات الكنبات والستائر الـمنقوشة بأشكال هندسيّة مصبوغة بلون الزهر ولون البحر والرمل، جلستُ أحـملُ فنجان الشاي الـخزفي، وعيناي مسافرتان تُلاحقان حرارة الغليان.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ماجد سليمان، أديب سعودي
صدر له حتى الآن أكثر من 19 عملاً أدبياً
تنوَّعت بين الشعر والرواية والمسرحية والقصة وأدب الطفل.
قبل الليل
صادفتني أجساد هائمة، بعضها لا يقف عن الـحركة، والآخر يدهشني سكونه، في الناحية الأخرى فتاتان تنظران إليَّ وتتبادلان النظرات الـباسـمة.
II
أوَّلُ الليل
سَقَطتُ نائماً دون غطاء، فرأيت في الـمنام: ثعباناً أصفرَ يزحف إلى فراشي، رافعاً رأسه كاشفاً عن نابين لامِعَين، يقترب مني مُتهيئاً لبصق الزعاف الفاتك.
فَزِعَت من نومي وَقَرَأت بعض الأدعية، مسحت عرق وجهي، حتى بدت لي التخيّلات، فاختطفت أنفاسي نوبة عطاس ثقيلة، وآلام وحـمـّى تصفق في جسدي، فطنت لآثارٍ حـمراء لـجروح لـم تلتئم، لقد ظلت حالي تتجاذبـها الـحمّى والبرودة اللتين تتعاقبان على أطرافي وعظامي.
III
منتصف الليل
فَتَرَات صحوٍ قصيرة، تفصلها نوبة إثر أخرى، تـحوم حولي أطياف متعدّدة، لأقع أكثر في الـحمّى، فدلفت إليَّ كوابيس مزعجة: رأيت امرأة مُعلّقة بسوط ينتهي في السماء، تبكي وأسنانـها تتساقط على بطني العاري، فاختبـأتُ خلف صخرة.
استيقظت مرعوباً، راجف الأطراف، التفت إلى اليمين وأنا في نشيجٍ يتصاعد عالياً، وهـمهمات لا تُفارق فمي وكأنّي جذعٌ اشتعل فيه اليباس، أشحت بوجهي موقفاً نظراتي في نقطة واحدة، لا أحيد عنها، عيناي حزينتان، ونفسي كسيرة، أتـمنّى لو أنسى كل شيء، ارتـخت أعضائي، وانقبضت أنفاسي وكأنّي أحسست أن الـموت سيحسم أمري، فترات صحوة قصيرة، تفصلها نوبة إثر أخرى، استعدت وعيي بعد وقت، عيناي حمراوان، تـحوطهما هالات زرقاء، التفت جانباً لأرى وجهي في الـمرآة الطويلة، بدوت مُتعباً جداً، شديد الشحوب، وكأنّي مستلُّ من زمن الغابرين، تـحرّكت نـحو الـحمّام مضطرباً، خائفاً، عاجزاً عن إخفاء دموعي وأنا أُكلِّمُ ذكرياتي بصوت مرتـجف، وقتها أجلت بصري وكأني قريب من الـموت، اكتشفت أنّي عشت أنتظر حوادث لا أودّها، انطرحت إلى فراشي، راحتاي مبلولتان، وركبتاي ترتعدان وتصطكان.
مكثت مُسجىً، أتـحسَّس وجهي وعنقي، ارتاحت أصابعي على خدي لـحظة ثـم ارتفعت إلى جبيني ماسحاً العرق البارد عنه، لبست كلسات صوف، وحشيت بيجامتي من الساقين، ثـم لبست بنطالاً مـخملياً عتيقاً، كنت ألبسه نادراً، التففت بغطاء ثقيل، ومع ذلك ظللت أرجف من البرودة، أغمضت عيني، تاركاً رأسي لأعلى، سقطت يدي جانباً، جراء نعاسٍ بدأ يـخطف أجفاني، كما غاب صراخ الفتية، الذين أشعلوا الشغب الكثير قريباً، وتلاشى الغبش والتعب معاً.
IV
آخِرُ الليل
استيقظت، لـم أنـهض فوراً من فراشي، تـَمَطَّيتُ بكسل، وألقيتُ بلحافي الثقيل جانباً، أَصغيتُ إلى حركة الـمواصلات في الـخارج، أدخلت يدي البرصاء في جيب قميصي الـمُلقى جانباً، وسحبت علبة سجائري، ووضعت واحدة دون أن أُشعلها، وسحبت الثانية وأشعلتها ويدي تُقلّب مفتاحاً صغيراً، أخذت منها ثلاثة أنفاس ثـم سحقتُ رأسها الـمُشتعل في الـمنفضة، أخذت الثالثة على الفور، واستغرقت وقتاً لأُكمِلَها، أرخيت جسدي الـمُتعب على الفراش مُـحملقاً في السقف، أغمضت عيني مـحاولاً السكينة، ثـم مددت يدي مستشعراً خفقات قلبي.
V
بَعد الليل
نـهضتُ من فراشي إلى غرفة الـجلوس ذات الكنبات والستائر الـمنقوشة بأشكال هندسيّة مصبوغة بلون الزهر ولون البحر والرمل، جلستُ أحـملُ فنجان الشاي الـخزفي، وعيناي مسافرتان تُلاحقان حرارة الغليان.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ماجد سليمان، أديب سعودي
صدر له حتى الآن أكثر من 19 عملاً أدبياً
تنوَّعت بين الشعر والرواية والمسرحية والقصة وأدب الطفل.