الفداء هو أول ركن في أركان الدين المسيحي، ومثله في ذلك مثل الدين الإسلامي، فكلاهما من مشكاة واحدة، والجهاد عند المسلمين ذروة العبادات وقمتها، وكذلك هو عند المسيحيين.
فالمسيح أمر أتباعه قائلا: "أعط ما لقيصر لقيصر، وما لله لله". وهكذا ربط الوفاء للدين بالوفاء للوطن، واعترف بحق قيصر في كل عنق.
وقيصر ليس شخصًا معينًا، ولا زمنًا محددًا ولا حالة بالذات، إنه كل شخص في كل زمن وكل حالة، إنه النداء لافتداء الوطن، إنه الإرادة المصممة على استعادة ترابه، بالروح، بالدم، بالمال، وبهم جميعًا، وهو اليوم أوضح ما يتجسد في فلسطين.
ففلسطين هي قيصر الذي ورد على لسان المسيح قبل ألفي سنة. وهي الآن تجسد حركة الفداء، وتقدم إطارًا ملموسًا ومحتوى محسوسًا لمعنى كنا نكرره كثيرًا قبل اليوم ولم نحط بأبعاده وأغواره كما نفعل هذا اليوم.
والفداء الذي تطلبه فلسطين بدرجات ككل سلم من الأرض إلى السماء، له قاعدة في متناول كل واحد منا، صغيرا وكبيرا، إمراة ورجلا، ضعيفا وقويا، مع تفاوت نسبي في كل حالة، وله قمة يقتصر الوصول إليها بفئة مختارة من الناس، أرواحهم على أكفهم، وفي طليعتهم الأنبياء، والمسيح من بينهم.
ومن تعاليم الدين المسيحي أن السيد المسيح قهر الموت بالموت، ويتمثل الاحتفال بهذا الانتصار، بعيد الفصح أي الفداء، وهو بمعانيه وأبعاده يشبه عيد الأضحى عند المسلمين.
والفصح أو الأضحى أو الفداء يعني أنه إذا كانت حياة لكثيرين مهددة بالموت، يتطوع من بينهم من يفتديهم، كأن يموت واحد ليحيا عشرة، ويموت عشرات لينقذوا الألوف، وهذا ما فعله المسيح، وهذا ما يجب أن نفعله لإنقاذ الأرض التي سار عليها المسيح.
وللمناسبة أيضا معان أخرى، مثل حقيقة أنه ليس في الوسع قهر الموت إلا بالموت، أي أنه لا يفل الحديد إلا الحديد، والأزمات القاهرة لا يزيلها إلا أصحاب القلوب الفولاذية، وقضية فلسطين صورة عن ذلك.
والمسيح يضرب مثل الفداء والقوة إلى كافة الناس، إلى الأمريكي الذي انتزع استقلاله من بريطانيا بالقوة، وإلى الفيتنامي الذي أرغم أمريكا بالقوة على احترام استقلاله، وهو أيضا يخاطب به جميلة بوحيدر الجزائرية وهي تناجز الفرنسيين وبه أيضا يخاطب جان دارك وهي تقاتل البريطانيين. وهو اليوم يوجه الكلمة إلينا من نفس المكان الذي قيلت فيه.
واليوم، في هذا العيد، والمسيحيون العرب بعيدون عن أماكنهم المقدسة، يخصهم السيد المسيح بهذا المثل، مثل الفداء والقوة، لأنهم يرتبطون بالمقدسات المسيحية في فلسطين أكثر من أي إنسان في الدنيا، فهي أولا لهم استنادا لقوميتهم كعرب، وهي لهم ثانيا اعتمادا على دينهم كمسيحيين ومن هنا فإن كان الفداء واجبا واحدا على الناس كلهم، فهو على المسيحي العربي واجبان. أي بمعنى آخر، لو أن للمسيحي العربي روحين في جوفه، وبذلهما لفلسطين، الواحدة تلو الأخرى، فلا يكون إلا مؤديا لواجبه، إذ أن الروح الأولى يقدمها لقيصر، والثانية لله.
يعقوب الشوملي
* نشرت في جريدة الدستور بتاريخ 15.04.1968
فالمسيح أمر أتباعه قائلا: "أعط ما لقيصر لقيصر، وما لله لله". وهكذا ربط الوفاء للدين بالوفاء للوطن، واعترف بحق قيصر في كل عنق.
وقيصر ليس شخصًا معينًا، ولا زمنًا محددًا ولا حالة بالذات، إنه كل شخص في كل زمن وكل حالة، إنه النداء لافتداء الوطن، إنه الإرادة المصممة على استعادة ترابه، بالروح، بالدم، بالمال، وبهم جميعًا، وهو اليوم أوضح ما يتجسد في فلسطين.
ففلسطين هي قيصر الذي ورد على لسان المسيح قبل ألفي سنة. وهي الآن تجسد حركة الفداء، وتقدم إطارًا ملموسًا ومحتوى محسوسًا لمعنى كنا نكرره كثيرًا قبل اليوم ولم نحط بأبعاده وأغواره كما نفعل هذا اليوم.
والفداء الذي تطلبه فلسطين بدرجات ككل سلم من الأرض إلى السماء، له قاعدة في متناول كل واحد منا، صغيرا وكبيرا، إمراة ورجلا، ضعيفا وقويا، مع تفاوت نسبي في كل حالة، وله قمة يقتصر الوصول إليها بفئة مختارة من الناس، أرواحهم على أكفهم، وفي طليعتهم الأنبياء، والمسيح من بينهم.
ومن تعاليم الدين المسيحي أن السيد المسيح قهر الموت بالموت، ويتمثل الاحتفال بهذا الانتصار، بعيد الفصح أي الفداء، وهو بمعانيه وأبعاده يشبه عيد الأضحى عند المسلمين.
والفصح أو الأضحى أو الفداء يعني أنه إذا كانت حياة لكثيرين مهددة بالموت، يتطوع من بينهم من يفتديهم، كأن يموت واحد ليحيا عشرة، ويموت عشرات لينقذوا الألوف، وهذا ما فعله المسيح، وهذا ما يجب أن نفعله لإنقاذ الأرض التي سار عليها المسيح.
وللمناسبة أيضا معان أخرى، مثل حقيقة أنه ليس في الوسع قهر الموت إلا بالموت، أي أنه لا يفل الحديد إلا الحديد، والأزمات القاهرة لا يزيلها إلا أصحاب القلوب الفولاذية، وقضية فلسطين صورة عن ذلك.
والمسيح يضرب مثل الفداء والقوة إلى كافة الناس، إلى الأمريكي الذي انتزع استقلاله من بريطانيا بالقوة، وإلى الفيتنامي الذي أرغم أمريكا بالقوة على احترام استقلاله، وهو أيضا يخاطب به جميلة بوحيدر الجزائرية وهي تناجز الفرنسيين وبه أيضا يخاطب جان دارك وهي تقاتل البريطانيين. وهو اليوم يوجه الكلمة إلينا من نفس المكان الذي قيلت فيه.
واليوم، في هذا العيد، والمسيحيون العرب بعيدون عن أماكنهم المقدسة، يخصهم السيد المسيح بهذا المثل، مثل الفداء والقوة، لأنهم يرتبطون بالمقدسات المسيحية في فلسطين أكثر من أي إنسان في الدنيا، فهي أولا لهم استنادا لقوميتهم كعرب، وهي لهم ثانيا اعتمادا على دينهم كمسيحيين ومن هنا فإن كان الفداء واجبا واحدا على الناس كلهم، فهو على المسيحي العربي واجبان. أي بمعنى آخر، لو أن للمسيحي العربي روحين في جوفه، وبذلهما لفلسطين، الواحدة تلو الأخرى، فلا يكون إلا مؤديا لواجبه، إذ أن الروح الأولى يقدمها لقيصر، والثانية لله.
يعقوب الشوملي
* نشرت في جريدة الدستور بتاريخ 15.04.1968