سينية البحتري

صنت نفسي عما يدنس نفسي *** وَتَرَفَّعتُ عَن جَدا كُلِّ جِبسِ
وَتَماسَكتُ حينَ زَعزَعَني الدَهـ *** ـرُ التِماسًا مِنهُ لِتَعسي وَنَكسي
بُلَغٌ مِن صُبابَةِ العَيشِ عِندي *** طَفَّفَتها الأَيّامُ تَطفيفَ بَخسِ
وَبَعيدٌ مابَينَ وارِدِ رِفْهٍ *** عَلَلٍ شُربُهُ وَوارِدِ خِمسِ
وَكَأَنَّ الزَمانَ أَصبَحَ مَحمو *** لًا هَواهُ مَعَ الأَخَسِّ الأَخَسِّ
وَاشتِرائي العِراقَ خُطَّةُ غَبنٍ *** بَعدَ بَيعي الشَآمَ بَيعَةَ وَكسِ
لاتَرُزني مُزاوِلًا لِاختِباري *** بَعدَ هَذي البَلوى فَتُنكِرَ مَسّي
وَقَديمًا عَهِدَتني ذا هَناتٍ *** آبِياتٍ عَلى الدَنِيّاتِ شُمسِ
وَلَقَد رابَني نُبُوُّ ابنُ عَمّي *** بَعدَ لينٍ مِن جانِبَيهِ وَأُنسِ
وَإِذا ماجُفيتُ كُنتُ جَديرًا *** أَن أَرى غَيرَ مُصبِحٍ حَيثُ أُمسي
حَضَرَت رَحلِيَ الهُمومُ فَوَجَّهـ *** ـتُ إِلى أَبيَضِ المَدائِنِ عَنسي
أَتَسَلّى عَنِ الحُظوظِ وَآسى *** لِمَحَلٍّ مِن آلِ ساسانَ دَرسِ
أَذكَرتِنيهُمُ الخُطوبُ التَوالي *** وَلَقَد تُذكِرُ الخُطوبُ وَتُنسي
وَهُمُ خافِضونَ في ظِلِّ عالٍ *** مُشرِفٍ يَحسِرُ العُيونَ وَيُخسي
مُغلَقٍ بابُهُ عَلى جَبَلِ القَبـ *** ـقِ إِلى دارَتَي خِلاطَ وَمُكسِ
حِلَلٌ لَم تَكن كَأَطلالِ سُعدى *** في قِفارٍ مِنَ البَسابِسِ مُلسِ
وَمَساعٍ لَولا المُحاباةُ مِنّي *** لَم تُطِقها مَسعاةُ عَنسٍ وَعَبسِ
نَقَلَ الدَهرُ عَهدَهُنَّ عَنِ الـ *** ـجِدَّةِ حَتّى رَجَعنَ أَنضاءَ لُبسِ
فَكَأَنَّ الجِرْمازَ مِن عَدَمِ الأُنـ *** ـسِ وَإِخلالِهِ بَنِيَّةُ رَمسِ
لَو تَراهُ عَلِمتَ أَنَّ اللَيالي *** جَعَلَت فيهِ مَأتَمًا بَعدَ عُرسِ
وَهوَ يُنبيكَ عَن عَجائِبِ قَومٍ *** لايُشابُ البَيانُ فيهِم بِلَبسِ
وَإِذا مارَأَيتَ صورَةَ أَنطا *** كِيَّةَ اِرتَعتَ بَينَ رومٍ وَفُرسِ
وَالمَنايا مَواثِلٌ وَأَنوشِر *** وانَ يُزجى الصُفوفَ تَحتَ الدِرَفسِ
في اخضِرارٍ مِنَ اللِباسِ عَلى أَصـ *** ـفَرَ يَختالُ في صَبيغَةِ وَرسِ
وَعِراكُ الرِجالِ بَينَ يَدَيهِ *** في خُفوتٍ مِنهُم وَإِغماضِ جَرسِ
مِن مُشيحٍ يَهوى بِعامِلِ رُمحٍ *** وَمُليحٍ مِنَ السِنانِ بِتُرسِ
تَصِفُ العَينُ أَنَّهُم جِدُّ أَحيا *** ءَ لَهُم بَينَهُم إِشارَةُ خُرسِ
يَغتَلي فيهِم ارتِابي حَتّى *** تَتَقَرّاهُمُ يَدايَ بِلَمسِ
قَد سَقاني وَلَم يُصَرِّد أَبو الغَو *** ثِ عَلى العَسكَرَينِ شَربَةَ خُلسِ
مِن مُدامٍ تَظُنُّها وَهيَ نَجمٌ *** ضَوَّأَ اللَيلَ أَو مُجاجَةُ شَمسِ
وَتَراها إِذا أَجَدَّت سُرورًا *** وَارتِياحًا لِلشارِبِ المُتَحَسّي
أُفرِغَت في الزُجاجِ مِن كُلِّ قَلبٍ *** فَهيَ مَحبوبَةٌ إِلى كُلِّ نَفسِ
وَتَوَهَّمتُ أَنَّ كِسرى أَبَرويـ *** ـزَ مُعاطِيَّ وَالبَلَهبَذَ أُنسي
حُلُمٌ مُطبِقٌ عَلى الشَكِّ عَيني *** أَم أَمانٍ غَيَّرنَ ظَنّي وَحَدسي
وَكَأَنَّ الإيوانَ مِن عَجَبِ الصَنـ *** ـعَةِ جَوبٌ في جَنبِ أَرعَنَ جِلسِ
يُتَظَنّى مِنَ الكَآبَةِ إِذ يَبـ *** ـدو لِعَينَي مُصَبِّحٍ أَو مُمَسّي
مُزعَجًا بِالفِراقِ عَن أُنسِ إِلفٍ *** عَزَّ أَو مُرهَقًا بِتَطليقِ عِرسِ
عَكَسَت حَظُّهُ اللَيالي وَباتَ الـ *** ـمُشتَري فيهِ وَهوَ كَوكَبُ نَحسِ
فَهوَ يُبدي تَجَلُّدًا وَعَلَيهِ *** كَلكَلٌ مِن كَلاكِلِ الدَهرِ مُرسي
لَم يَعِبهُ أَن بُزَّ مِن بُسُطِ الديـ *** ـباجِ وَاستَلَّ مِن سُتورِ الدِّمَقسِ
مُشمَخِّرٌ تَعلو لَهُ شُرُفاتٌ *** رُفِعَت في رُؤوسِ رَضوى وَقُدسِ
لابِساتٌ مِنَ البَياضِ فَما تُبـ *** ـصِرُ مِنها إِلّا غَلائِلَ بُرسِ
لَيسَ يُدرى أَصُنعُ إِنسٍ لِجِنٍّ *** سَكَنوهُ أَم صُنعُ جِنٍّ لِإِنسِ
غَيرَ أَنّي أراه يَشهَدُ أَن لَم *** يَكُ بانيهِ في المُلوكِ بِنُكسِ
فَكَأَنّي أَرى المَراتِبَ وَالقَو *** مَ إِذا ما بَلَغتُ آخِرَ حِسّي
وَكَأَنَّ الوُفودَ ضاحينَ حَسرى *** مِن وُقوفٍ خَلفَ الزِحامِ وَخنسِ
وَكَأَنَّ القِيانَ وَسطَ المَقاصيـ *** ـرِ يُرَجِّعنَ بَينَ حُوٍ وَلُعسِ
وَكَأَنَّ اللِقاءَ أَوَّلَ مِن أَمـ *** ـسٍ وَوَشكَ الفِراقِ أَوَّلَ أَمسِ
وَكَأَنَّ الَّذي يُريدُ اتِّباعًا *** طامِعٌ في لُحوقِهِم صُبحَ خَمسِ
عُمِّرَت لِلسُرورِ دَهرًا فَصارَت *** لِلتَعَزّي رِباعُهُم وَالتَأَسّي
فَلَها أَن أُعينَها بِدُموعٍ *** موقَفاتٍ عَلى الصَبابَةِ حُبسِ
ذاكَ عِندي وَلَيسَت الدارُ داري *** باِقتِرابٍ مِنها وَلا الجِنسُ جِنسي
غَيرَ نُعمى لِأَهلِها عِندَ أَهلي *** غَرَسوا مِن زَكائِها خَيرَ غَرسِ
أَيَّدوا مُلكَنا وَشَدّوا قُواهُ *** بِكُماةٍ تَحتَ السَنَّورِ حُمسِ
وَأَعانوا عَلى كَتائِبِ أَريا *** طَ بِطَعنٍ عَلى النُحورِ وَدَعسِ
وَأَراني مِن بَعدُ أَكلَفُ بِالأَشـ *** ـرافِ طُرًّا مِن كُلِّ سِنخِ وَأُسِّ
***


معاني بعض المفردات :
-الإيوان : بهو له سقف و ثلاثة جدران ، يقع بين الغرف و يجلس فيه كبار القوم .
- رحلي : ارتحالي و ما يوضع على البعير للرحيل حضرته جعلته حاضرا .
- العنس : الناقة القوية الصلبة .
- أبيض المدائن: القصر الأبيض لكسرى أنوشروان .
- آل ساسان : ملوك الفرس من نسل أردشير حفيد ساسان مؤسس السلالة الساسانية
- خافضون : يعيشون برفاهية و اطمئنان
- مشرف :عال .
- يحسر : يردها من الإعياء ، يضعف .
- يخسي : يكل و يخسر أو يعيى.
- اللبس :الاختلاط و الشبهة و عدم الوضوح .
- أنطاكية :بلدة بالشام دارت فيها معركة بين الفرس و الروم قبل الإسلام نقشت رسومها على جدران الإيوان ، و صورة أنطاكية :اللوحة الجدارية التي تمثل المعركة
- ارتعْت :فزعْت
- المنايا :جمع منية ،و هي الموت .
- موائل : متحفزات للعمل
- أنوشروان : ملك الفرس .
- يزجى : يسوق و يدفع .
- الدرفس : راية كبيرة ، و هي رمز لتحرير بلاد الفرس على يدي بطلهم (أفريون ) و كانت محلاة بالجواهر الكريمة .
- على أصفر : على جواد أصفر بمعنى أسود .
- يختال : يتكبر
- صبيغة : ثياب مصبوغة .
- الورس : نبات يستعمل لتلوين الملابس ..
- الخفوت : الصوت الخافت المنخفض (السكون ).
- إغماض جرس : انخفاض الصوت .
- المشيح : فارس يقظ يتقدم و قد احتاط بما وراء ظهره .
- يهوي : ينقض و يضرب .
- عامل رمح : أعلاه .
- مليح :فارس حذر يتقي الطعنات .
- السنان : حديدة الرمح ، جمعها أسنة .
- ترس: قطعة من الفولاذ تحمل للوقاية من السيف .
- تصف العين : تتخيل .
- يغتلي ارتيابي : يزداد شكي .
- تتقراهم : تتحسسهم ، أي يلمسهم ليرى أصور مرسومة هم أم أشخاص أحياء يتحاربون ؟
- الجوب :الترس ، الفتحة الواسعة في الجبل .
- أرعن : الجبل ذو النتوءات الشاخصة . والأرعن : البناء الغليظ العالي
- جلس الغليظ المرتفع من كل شيء
- يتظنّى: يعمل فيه الظن أو الشك .
- بز : نزع ، أخذ . استل : نزع ،أخذ .
- الديباج : الحرير الغليظ ، الاإستبرق.
- الدمقس :الحرير الأبيض الناعم .
- مشمخر : ضخم و عالي .
- رضوى : اسم جبل يقع بين المدينة و ينبع .
- ضاحين : بارزين للشمس في وقت الضحى .
- حسرى :متلهفين .
- الحوّ : احمرار يضرب إلى سواد في الشفة.
- اللعس : سواد يعلوشفة المرأة البيضاء.
- الخنس : المتأخرون ،والكواكب الخنس هي التي تظهر للناظر و تختفي
- أراد بالتعزي و التأسي : السلوان وتخفيف الحزن .
أعلى