لا أدري ماهو الدافع الذي جعلني أقترح على الصديق نشأت المصري أن يصوغ هذا الموضوع روائيا ؟! ربما ثقتي في قدرته السردية ورؤيته الواعية للواقع الذي نعيشه ، وكنا فى حفل توزيع جوائز إحسان عبد القدوس، وكنا نتحاور حول هذه الجائحة التي حبست – وما زالت تحبس – أنفاس العالم .
ولم يخيب الأديب نشأت المصري ظني فأنجز ما أشرت عليه به وخرجت روايته ,, ملائكة في الجحيم ’’. وقد حول الأمر إلى عمل سردي مثير وجذاب يستخدم فيه ملكاته الروائية وثقافته العميقة وإحساسه بالواقع وطعمه بخياله الروائي الذى حول الواقع المرير الذى يعيشه أصحاب هذه المهنة الملائكية وهى الطب، إلى لوحات رومانسية دافعة المرء إلى الارتقاء بغرائزه المادية وشهواته المالية وكانت عاملا حاسما في مواجهة هذه الجائحة التي تركت ضحايا كثيرة .
كانت هذه مقدمة ضرورية للحديث عن التفاصيل .
أولا : يندرج الموضوع تحت قاعدة صراع الخير والشر أو الجمال والقبح، فالجناح الأول من شخصيات الرواية طبيب بالرغم من انتمائه إلى طبقة الفقراء البسطاء ولكنه بجهده وعرقه وذكائه في مذاكرته التحق بكلية الطب وتخرج فيها طبيبا، ولذلك عاهد نفسه أن يسخر نفسه لخدمة أبناء طبقته، ومعه طبيبة تخدير، والتحق به مجموعة من الأطباء الشباب الذين آمنوا بفكره ومنهجه، ومنذ البداية افتتح عيادة للفقراء ولم يزد رسم الكشف فيها عن عشرة جنيهات وأحيانا كان يردها للمريض إذا شعر أنه فقير ويحتاجها وأطلق على هذه العيادة عيادة الرحمة ولما توسعت بفضل من أهدى له شقة مجاورة أسماها مستشفى الرحمة.
ولم يترك مناسبة يمكن أن يخدم فيها البشرية إلا وتقدم إليها مندفعا غير عابىء بالمخاطر التى قد تصيبه، فذهب إلى فلسطين في أثناء الانتفاضة، وذهب إلى الصومال لمعالجة جرحى الصراعات وبخاصة أنه كان متخصصا في الجراحة ، وقد نجاه الله بالرغم من أن شظية أصابته في رجله.
وحينما عين في المستشفى المركزى الحكومى نشأت علاقة عاطفية بينه وبين طبيبة تخدير تحمل القلب الطيب النقى نفسه، وتآلفا على خدمة الناس البسطاء والفقراء ، وقد أحسن أديبنا في اختيار الأسماء ، فالطبيب اسمه بهجت . والطبيبة اسمها نرجس وبالطبع فإن دلالة بهجت هى البهجة التى أدخلها على كل من حوله. ونرجس زهرة تفوح عبيرا طيبا وينتشر شذاها في كل مكان تنزل فيه
وعلى الجانب الآخر كان يحيى صديق الدراسة، وقد تخرج في كلية طب خاصة لأن مجموعه في الثانوية العامة لم يؤهله لدخول طب القصر العيني، ولأن أهله كانوا أغنياء وميسوري الحال ، وبعد تخرجه عين في المستشفى المركزى أيضا فتنافس مع بهجت غريمه الدائم منذ كانا تلاميذ في المدرسة، وبالرغم من كل ماهو فيه من وضع اجتماعي متميز ، إلا أنه كان يحقد على بهجت لتفوقه العلمي ولسلوكه الطيب، ولحب الناس، وفعّل الحقد عمليا في الوقيعة بينه وبين نرجس الطيبة التي كانت أكبر مظهرللحسد ن وبمساعدة ممرضة من طينته واسمها ميادة أوقع بين بهجت ونرجس ، ويمضي الصراع الدرامي في الرواية في هذا الخط، وتنجح الوقيعة وينتقل يحيى للعمل فى مسنشفى استثماري أقامه لبحقق مزيدا من الثراء المادي، ويرفض بهجت ، وإمعانا في الحقد يستغل أحد أقرانه ممن لهم نفوذ في وزارة الصحة لينقل بهجت إلى مستشفى القوصية في صعيد مصر لمدة عامين، ويتقبل الأخير الأمر برحابة صدر وفق منطق أنه مادام قد نذر نفسه لخدمة الفقراء والبسطاء فأهل الصعيد يستحقون خدمتهم، ويحقق بهجت الحب نفسه والشهرة نفسها، وهناك يلتقى الدكتورة فكرية ، وهى من الفصيلة الطيبة ذاتها، ولكن طموجها يتجاوز المحلية، وتطمع في العالمية، لذلك تعزم على الهجرة إلى أمريكا ، وبالرغم من أنها وجدت فيه الإنسان الذى تتمناه لنفسها ويجد فيها العوض والسلوان لنرجس الذي لايزال قلبه عالقا بها، ويصارح فكرية بذلك، وتتفهم الأمر، ولكنها تأمل في أن يوافقها على فكرة الهجرة إلى أمريكا ، ويرافقها فى رحلتها، إلا أنه يصرعلى البقاء في بلده وخدمة أهله .
ويبرز منحنى آخر في الخط الدرامي متمثلا في صراع عاطفي رومانسي جميل ، فحين تنتهي مهمته في الصعيد ويعود إلى القاهرة، وصاحبته فكرية لتنهي إجراءات الهجرة بعد قبول أوراقها، وقبول كلية الطب الأمريكية لمشروعها العلمى، ومازال الأمل يحدوها أن يرافقها أو أن ينحاز إلى الاستجابة العاطفية التى نشأت بينهما، تظهر نرجس في الصورة ليتجدد الشعور القديم، وتلعب أخته صفاء دورا بينهما في هذا الأمر بعد أن أدركت حقيقة المؤامرة ، وتسلم فكرية بالواقع.
ويستمر الصراع الدرامي الواقعي كاشفا ما يحدث بين عناصر المجتمع من غيرة وحقد ومؤامرات ، وقد أخرجه نشأت المصري من هذا الثوب الكئيب الذى يغلف مثل هذه الروايات التى تجنح إلى نقد الواقع وتسمى بالواقعية النقدية، أخرجه إلى ثوب خفيف الحزن قليل الكآبة حينما غلفه بطابع رومانسى جميل يجعل القارىء مشدودا إليه ، متابعا الصراعات، ولكنه في الوقت نفسه كان مرتبطا ومشدودا إلى خيوط الدراما العاطفية ليتعاطف مع الجانب الجميل الخير، وينفر من هذا الجانب الشرير، وينتظر بشغف لحظة العقاب العادل .
وتحدث الفاجعة بنكبة الكوفيد، تلك الجائحة التى أسكتت العالم كله، وحولته إلى سرادقات عزاء ، بعد أن اصبح سجنا كبيرا للبشر، وأصبحت مقاومته أمراحتميا ولكنه مشمول بالنية الصادقة في التضحية بالنفس من أجل الغير ، وهو الخلق الاسلامي السامي ،، ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ،، ويسارع الجانب الخير الذى يحمل صفات ملائكية ( ملائكة في الجحيم ) وتتحول عيادة الرحمة إلى مستشفى لمعالجة مصابي كرونة مخاطرين بأنفسهم وغير مبالين بأرواحهم ، ولذلك ينتقك كثير منهم إلى رحمة الله سبحانه وتعالى ، ولعل أبرزهم كان الدكتور سالم الذى كان يتمنى أن يواصل مسيرة دكتور بهجت في الخير ، بل ينتهي الأمر بوفاة دكتورة نرجس نصف الدكتور بهجت، ولكن بالرغم من ذلك ينقذ الكثيرين بفضل الله وبفضل الرحمة التى كانت عنوانا لعيادة دكتور بهجت. والغريب في الأمر أن الجانب الآخر الشرير بقيادة دكتور يحيى استمر في ممارساته القذرة وبالاستلاء على أعضاء أجسام مرضاه وبيعها لكسب مزيد من المال ، وأـظن أن اختيار كاتبنا المبدع لاسم يحيى كان من التعلق بالحياة ومظهرها الخداع وعيشها بالطول والعرض . وليس له أدنى علاقة باسم النبى يحيى بن زكريا عليه السلام الذى ضحى بنفسه فداء للمسيح كلمة الله وآيتهـ فلكل ملامحه وسلوكياته بعيدة كل البعد عن هذا الرمز الجميل .، ولكن تندرج تحت وصف الكفار وأهل الدنيا. ،، وقالوا ماهى إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا، وما يهلكنا إلا الدهر وما لهم بذلك من علم.
وقد كانت النهاية منتظرة فقد تم القبض عليه وأودع السجن، وأغلقت المستشفى وصودرت الأموال وقد أخذت زوجته كثيرا منها ، بينما أعطى الكاتب إشارة أملا لاستمرار الخير، فبعد أن توفيت نرجس أيقونة بهجت فى الخير إذا بالدكتوره فكرية تعود إ‘لى الوطن محققة آمالها وأهدافها ومعلنة التواصل مع الدكتور بهجت ليستمر نبع الخير فياضا
Oooلمحة فنية:
لقد برع الأديب نشأت المصرى في استخدام كل ملكاته السردية و، وتمكنه من فنه الروائي في تقديم عمل سردي ممتع وشائق، إن مزج صراعات الواقع بروح رومانسية نفتقدها فى الكثير من الأعمال التى تنشر اليوم، إنها عملية صعبة، تتطلب وعيا شديدا بحيث لا يطغى جانب على آخر.
وبدءا من العنوان تشعر بهذه القدرة على تحقيق الهدف ،، ملائكة في الجحيم ،، فالملائكة نورانية ومهمتها التى خلقهم الله من أجلها نشر الرحمة والدعاء للمؤمنين الصالحين، إذن فكل ما يشيعونه في الكون هو نور ، والجحيم هو قمة النيران، وحتى الملائكة والقائمون على هذا التعذيب ميزهم بإطلاق اسم الزبانية، أو ملائكة غلاظ شديدا لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون .
ومرورا باختيار أسماء كل فريق ، ففريق الخير يضم د. بهجت وأخته صفية ونرجس ود. سالم وهكذا فكل اسم من هذه الأسماء يحمل دلالة الخير والصفاء والعطر والسلامة، والفريق الآخر يحيى وميادة وزوجه فدوى سيدة الاعمال التى طمع في ثروتها، فتحكمت هى فيه وفي كل ما يملك .
لقد أحسن المؤلف فى توظيف كل تقنيات السرد من لغة عربية فصيحة وسليمة ومعبرة عن الموقف، وحتى المرات التى لجأ فيها إلى العامية استخدمها راقية خالية من الابتذال، بل استعان في أحيان كثيرة بالتعبيرات البلاغية والصور البيانية القريبة المأخذ والتى ليس فيها تقعر بحيث تثقل القارىء وتشغله عن متابعة الحكاية وتجلياتها الدرامية.
وبهذه المناسبة فإن نشأت المصري لجأ إلى المشهدية حيث يجعل من المشهد الذى يعبرعنه وصفا وحوارا مشهدا قابلا للتصوير ، ولذلك أظن أنها يمكن أن تكون موضوعا لعمل درامي أو مسلسلا أو فيلما، وسيكون ناجحا بما قدمه الكاتب لمن يريد أن يصنع السيناريو لهذا العمل الجميل ، وفى سبيل ذلك استخدم الاسترجاع وهو أجد أهم التقنيات السردية في الأعمال الروائية الجيدة ( لجأ إليه في استرجاع ماضي يحيى في المدرسة على سبيل المثال لا الحصر) وهذا ما يدعم فكرة المشهدية والتصويرية ، كما لجأ إلى تناصات قليلة متلائمة مع الموقف، وغالبا ما جاءت في المواضع التى أراد أن يطرح فيها رؤيته التى تقف وراء هذا الموضوع . والرواية يمكن أن تبوح بأكثر من ذلك .
د. محمد على سلامة
(آخر ما كتبه الراحل الأستاذ الدكتور محمد على سلامة)
ولم يخيب الأديب نشأت المصري ظني فأنجز ما أشرت عليه به وخرجت روايته ,, ملائكة في الجحيم ’’. وقد حول الأمر إلى عمل سردي مثير وجذاب يستخدم فيه ملكاته الروائية وثقافته العميقة وإحساسه بالواقع وطعمه بخياله الروائي الذى حول الواقع المرير الذى يعيشه أصحاب هذه المهنة الملائكية وهى الطب، إلى لوحات رومانسية دافعة المرء إلى الارتقاء بغرائزه المادية وشهواته المالية وكانت عاملا حاسما في مواجهة هذه الجائحة التي تركت ضحايا كثيرة .
كانت هذه مقدمة ضرورية للحديث عن التفاصيل .
أولا : يندرج الموضوع تحت قاعدة صراع الخير والشر أو الجمال والقبح، فالجناح الأول من شخصيات الرواية طبيب بالرغم من انتمائه إلى طبقة الفقراء البسطاء ولكنه بجهده وعرقه وذكائه في مذاكرته التحق بكلية الطب وتخرج فيها طبيبا، ولذلك عاهد نفسه أن يسخر نفسه لخدمة أبناء طبقته، ومعه طبيبة تخدير، والتحق به مجموعة من الأطباء الشباب الذين آمنوا بفكره ومنهجه، ومنذ البداية افتتح عيادة للفقراء ولم يزد رسم الكشف فيها عن عشرة جنيهات وأحيانا كان يردها للمريض إذا شعر أنه فقير ويحتاجها وأطلق على هذه العيادة عيادة الرحمة ولما توسعت بفضل من أهدى له شقة مجاورة أسماها مستشفى الرحمة.
ولم يترك مناسبة يمكن أن يخدم فيها البشرية إلا وتقدم إليها مندفعا غير عابىء بالمخاطر التى قد تصيبه، فذهب إلى فلسطين في أثناء الانتفاضة، وذهب إلى الصومال لمعالجة جرحى الصراعات وبخاصة أنه كان متخصصا في الجراحة ، وقد نجاه الله بالرغم من أن شظية أصابته في رجله.
وحينما عين في المستشفى المركزى الحكومى نشأت علاقة عاطفية بينه وبين طبيبة تخدير تحمل القلب الطيب النقى نفسه، وتآلفا على خدمة الناس البسطاء والفقراء ، وقد أحسن أديبنا في اختيار الأسماء ، فالطبيب اسمه بهجت . والطبيبة اسمها نرجس وبالطبع فإن دلالة بهجت هى البهجة التى أدخلها على كل من حوله. ونرجس زهرة تفوح عبيرا طيبا وينتشر شذاها في كل مكان تنزل فيه
وعلى الجانب الآخر كان يحيى صديق الدراسة، وقد تخرج في كلية طب خاصة لأن مجموعه في الثانوية العامة لم يؤهله لدخول طب القصر العيني، ولأن أهله كانوا أغنياء وميسوري الحال ، وبعد تخرجه عين في المستشفى المركزى أيضا فتنافس مع بهجت غريمه الدائم منذ كانا تلاميذ في المدرسة، وبالرغم من كل ماهو فيه من وضع اجتماعي متميز ، إلا أنه كان يحقد على بهجت لتفوقه العلمي ولسلوكه الطيب، ولحب الناس، وفعّل الحقد عمليا في الوقيعة بينه وبين نرجس الطيبة التي كانت أكبر مظهرللحسد ن وبمساعدة ممرضة من طينته واسمها ميادة أوقع بين بهجت ونرجس ، ويمضي الصراع الدرامي في الرواية في هذا الخط، وتنجح الوقيعة وينتقل يحيى للعمل فى مسنشفى استثماري أقامه لبحقق مزيدا من الثراء المادي، ويرفض بهجت ، وإمعانا في الحقد يستغل أحد أقرانه ممن لهم نفوذ في وزارة الصحة لينقل بهجت إلى مستشفى القوصية في صعيد مصر لمدة عامين، ويتقبل الأخير الأمر برحابة صدر وفق منطق أنه مادام قد نذر نفسه لخدمة الفقراء والبسطاء فأهل الصعيد يستحقون خدمتهم، ويحقق بهجت الحب نفسه والشهرة نفسها، وهناك يلتقى الدكتورة فكرية ، وهى من الفصيلة الطيبة ذاتها، ولكن طموجها يتجاوز المحلية، وتطمع في العالمية، لذلك تعزم على الهجرة إلى أمريكا ، وبالرغم من أنها وجدت فيه الإنسان الذى تتمناه لنفسها ويجد فيها العوض والسلوان لنرجس الذي لايزال قلبه عالقا بها، ويصارح فكرية بذلك، وتتفهم الأمر، ولكنها تأمل في أن يوافقها على فكرة الهجرة إلى أمريكا ، ويرافقها فى رحلتها، إلا أنه يصرعلى البقاء في بلده وخدمة أهله .
ويبرز منحنى آخر في الخط الدرامي متمثلا في صراع عاطفي رومانسي جميل ، فحين تنتهي مهمته في الصعيد ويعود إلى القاهرة، وصاحبته فكرية لتنهي إجراءات الهجرة بعد قبول أوراقها، وقبول كلية الطب الأمريكية لمشروعها العلمى، ومازال الأمل يحدوها أن يرافقها أو أن ينحاز إلى الاستجابة العاطفية التى نشأت بينهما، تظهر نرجس في الصورة ليتجدد الشعور القديم، وتلعب أخته صفاء دورا بينهما في هذا الأمر بعد أن أدركت حقيقة المؤامرة ، وتسلم فكرية بالواقع.
ويستمر الصراع الدرامي الواقعي كاشفا ما يحدث بين عناصر المجتمع من غيرة وحقد ومؤامرات ، وقد أخرجه نشأت المصري من هذا الثوب الكئيب الذى يغلف مثل هذه الروايات التى تجنح إلى نقد الواقع وتسمى بالواقعية النقدية، أخرجه إلى ثوب خفيف الحزن قليل الكآبة حينما غلفه بطابع رومانسى جميل يجعل القارىء مشدودا إليه ، متابعا الصراعات، ولكنه في الوقت نفسه كان مرتبطا ومشدودا إلى خيوط الدراما العاطفية ليتعاطف مع الجانب الجميل الخير، وينفر من هذا الجانب الشرير، وينتظر بشغف لحظة العقاب العادل .
وتحدث الفاجعة بنكبة الكوفيد، تلك الجائحة التى أسكتت العالم كله، وحولته إلى سرادقات عزاء ، بعد أن اصبح سجنا كبيرا للبشر، وأصبحت مقاومته أمراحتميا ولكنه مشمول بالنية الصادقة في التضحية بالنفس من أجل الغير ، وهو الخلق الاسلامي السامي ،، ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ،، ويسارع الجانب الخير الذى يحمل صفات ملائكية ( ملائكة في الجحيم ) وتتحول عيادة الرحمة إلى مستشفى لمعالجة مصابي كرونة مخاطرين بأنفسهم وغير مبالين بأرواحهم ، ولذلك ينتقك كثير منهم إلى رحمة الله سبحانه وتعالى ، ولعل أبرزهم كان الدكتور سالم الذى كان يتمنى أن يواصل مسيرة دكتور بهجت في الخير ، بل ينتهي الأمر بوفاة دكتورة نرجس نصف الدكتور بهجت، ولكن بالرغم من ذلك ينقذ الكثيرين بفضل الله وبفضل الرحمة التى كانت عنوانا لعيادة دكتور بهجت. والغريب في الأمر أن الجانب الآخر الشرير بقيادة دكتور يحيى استمر في ممارساته القذرة وبالاستلاء على أعضاء أجسام مرضاه وبيعها لكسب مزيد من المال ، وأـظن أن اختيار كاتبنا المبدع لاسم يحيى كان من التعلق بالحياة ومظهرها الخداع وعيشها بالطول والعرض . وليس له أدنى علاقة باسم النبى يحيى بن زكريا عليه السلام الذى ضحى بنفسه فداء للمسيح كلمة الله وآيتهـ فلكل ملامحه وسلوكياته بعيدة كل البعد عن هذا الرمز الجميل .، ولكن تندرج تحت وصف الكفار وأهل الدنيا. ،، وقالوا ماهى إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا، وما يهلكنا إلا الدهر وما لهم بذلك من علم.
وقد كانت النهاية منتظرة فقد تم القبض عليه وأودع السجن، وأغلقت المستشفى وصودرت الأموال وقد أخذت زوجته كثيرا منها ، بينما أعطى الكاتب إشارة أملا لاستمرار الخير، فبعد أن توفيت نرجس أيقونة بهجت فى الخير إذا بالدكتوره فكرية تعود إ‘لى الوطن محققة آمالها وأهدافها ومعلنة التواصل مع الدكتور بهجت ليستمر نبع الخير فياضا
Oooلمحة فنية:
لقد برع الأديب نشأت المصرى في استخدام كل ملكاته السردية و، وتمكنه من فنه الروائي في تقديم عمل سردي ممتع وشائق، إن مزج صراعات الواقع بروح رومانسية نفتقدها فى الكثير من الأعمال التى تنشر اليوم، إنها عملية صعبة، تتطلب وعيا شديدا بحيث لا يطغى جانب على آخر.
وبدءا من العنوان تشعر بهذه القدرة على تحقيق الهدف ،، ملائكة في الجحيم ،، فالملائكة نورانية ومهمتها التى خلقهم الله من أجلها نشر الرحمة والدعاء للمؤمنين الصالحين، إذن فكل ما يشيعونه في الكون هو نور ، والجحيم هو قمة النيران، وحتى الملائكة والقائمون على هذا التعذيب ميزهم بإطلاق اسم الزبانية، أو ملائكة غلاظ شديدا لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون .
ومرورا باختيار أسماء كل فريق ، ففريق الخير يضم د. بهجت وأخته صفية ونرجس ود. سالم وهكذا فكل اسم من هذه الأسماء يحمل دلالة الخير والصفاء والعطر والسلامة، والفريق الآخر يحيى وميادة وزوجه فدوى سيدة الاعمال التى طمع في ثروتها، فتحكمت هى فيه وفي كل ما يملك .
لقد أحسن المؤلف فى توظيف كل تقنيات السرد من لغة عربية فصيحة وسليمة ومعبرة عن الموقف، وحتى المرات التى لجأ فيها إلى العامية استخدمها راقية خالية من الابتذال، بل استعان في أحيان كثيرة بالتعبيرات البلاغية والصور البيانية القريبة المأخذ والتى ليس فيها تقعر بحيث تثقل القارىء وتشغله عن متابعة الحكاية وتجلياتها الدرامية.
وبهذه المناسبة فإن نشأت المصري لجأ إلى المشهدية حيث يجعل من المشهد الذى يعبرعنه وصفا وحوارا مشهدا قابلا للتصوير ، ولذلك أظن أنها يمكن أن تكون موضوعا لعمل درامي أو مسلسلا أو فيلما، وسيكون ناجحا بما قدمه الكاتب لمن يريد أن يصنع السيناريو لهذا العمل الجميل ، وفى سبيل ذلك استخدم الاسترجاع وهو أجد أهم التقنيات السردية في الأعمال الروائية الجيدة ( لجأ إليه في استرجاع ماضي يحيى في المدرسة على سبيل المثال لا الحصر) وهذا ما يدعم فكرة المشهدية والتصويرية ، كما لجأ إلى تناصات قليلة متلائمة مع الموقف، وغالبا ما جاءت في المواضع التى أراد أن يطرح فيها رؤيته التى تقف وراء هذا الموضوع . والرواية يمكن أن تبوح بأكثر من ذلك .
د. محمد على سلامة
(آخر ما كتبه الراحل الأستاذ الدكتور محمد على سلامة)