(1)
أذكر على الوجه الأكمل، تلك الواقعة التراجيدية والكوميدية في ذات الآن التي حظرت عليَّ بالمطلق منذ تلك الواقعة، اصطحاب أمي وأختي إلى الحمَّام الشعبي. فقد دأبت الأعراف، على ارتباط حظر ولوج الفضاء النسائي بطابع الخِتان من عدمه، بحيث تستفسر المراقِبة من أول وهلة أمّ الطفل، دون اهتمام مباشر بأرطال حجمه أو مؤشرات عمره ، ولا أيضا قياس مستويات عظمته في عين المكان، بل فقط الجملة/الجواز؛ ثم الترخيص أو الطرد:
-"هل الصبي مختون؟''، يعني قد استأصل حلاق الحي مضغة لحم رقيقة من مقدمة جهازه. الجواب بنعم أو لا! سيتيح لموضوع السؤال إمكانية الولوج إلى الحمَّام أو صدِّه كي يعود من حيث أتى.
يماثل هذا السؤال، آخر ملتصقا به تماما كظلِّه، يأخذ مجاله بأريحية حينما يرافق طفل شخصا راشدا في حافلة عمومية أو سيارة أجرة، ويحاول الأخير التحايل بطريقة ما على أداء التذكرة الخاصة بالطفل ساعيا إلى إبقاء مبلغ ثمنها نائما مطمئنا داخل حلكة جيبه. هكذا، سرعان ما يكون جوابه جاهزا دون تلكؤ، بخصوص إفحام المتسائل وغباوة المرجعية :
-'' هل الطفل تلميذ في المدرسة، أم ليس بعد؟''. إن انطوى جوابه على الإيجاب، تحتم عليه لزوما تأدية التذكرة لامفر.
تساءلت دائما بناء على المتواليتين ، أيّ علاقة جامعة ضمنيا بين الختان ثم انتفاء إمكانية النساء داخل الحمام؟ أيضا، الانتماء إلى أسلاك المدرسة وحتمية أداء ثمن التذكرة؟ ربما، يكمن الرابط المفصلي ضمنيا بين المعيارين، في الخروج من مرحلة قصور الطفل نحو بداية تفطّنه لما يجري حوله، بالتالي أضحى''فاعلا'' وسط هذا العالم.
عموما، لم أكن إبانها مندرجا ضمن قائمة المختبرين لطقس الختان، من ثمة لازال المجال واسعا أمامي كي ألج عتبة حمام النساء بكل يسر ودون ارتياب يذكر في أمري.
طبعا، مثلما أشرت بين فقرات سرد سابق(1)، تخللت حصة الاستحمام تلك وقائع متباينة قد تطول أو تقصر تبعا للسياق وحيثياته، قوامها الأساسي اللعب مع زمرة أخرى من الأطفال. نبرمج سلسلة مسابقات للتزلج وفق أوضاع مختلفة ضمن مدار السطح اللزج، جراء تراكم بقايا مواد التنظيف. حقيقة، لم يكن التباري سوى تمويها كي لاتنتبه الأمهات المنشغلات فيما يظهر بحكِّ جلودهن؛ منغمرات في دوامة أحاديث ثنائية وثلاثية ورباعية، ذات موضوعات لا تنتهي، بينما انصب تركيزنا الأولي على وجهة ثقب بحجم رأس دبوس انطوى عليه باب المرحاض، اتفقنا قصدا على تحديده نقطة نهاية بالنسبة للمتسابقين. فجوة صغيرة جدا، فاضحة ميكروسكوبيا؛ وإن بالكاد لتلك الأجساد المكتنزة غالبا من خلال تضاريس حميمتها.
لاأعلم كيف صادفنا مغارة علي بابا تلك؟ فوقع انتباهنا على الفجوة الكرنفالية؛ ذات المناحي الشيطانية اللامتناهية ؟ولماذا ذهب فضولنا نحو اكتشاف ما يجري خلف الباب.
غير ما مرة انتهت العملية بنجاح، بحيث ينساب المترشِّح برأسه دون اعتدال مع نهاية كل دحرجة، صوب الثقب السحري ثم يتجمد قليلا، كأنه ميت وباقي رفقاء السوء يحاولون ثنيه عن صنيعه بكيفية تهكمية، لأنهم يستعجلون في الوقت نفسه دورهم، بينما يتمسك بموقعه.هنا تندلع شرارة الضجيج، فيغدو الوضع مضطربا، بل قد يخرج عن السيطرة، مما أدى خلال إحدى المناسبات إلى افتضاح أمرنا، فأثار الموقف موجة سخط عارمة داخل الحمَّام وحالة استنفار غير مسبوقة، أنهت منذ ذلك اليوم مسألة التسامح مع تواجد أطفال بلغوا سن الختان، داخل حمَّام النساء، وكنتُ بالتأكيد ضمن زمرة المطرودين إلى غير رجعة والانتقال صوب حمَّام الرجال تبعا لقصصه الأخرى.
(2)
أمها صديقة لأمي، يأتيان كل أسبوع تقريبا لزيارتنا ويمكثان عندنا عشية بأكملها. إنها مريم، تقاربني سنّا وعقلا وشعورا. مليحة الوجه. عينان خضراوتان كأنهما ''غابتا نخيل''.غضة وشهية. صدر فائض ضمن مقاس معقول لثديين متوثبين.أستعيد الطيف بطراوة يانعة، رغم تقادم الزمان.
شكَّل دائما قدومها غبطة لا توصف بالنسبة لنا معا.لا تتوانى قبل أن تستعيد ثانية إيقاع أنفاسها جراء ضغط صعود الأدراج الحلزونية، كي تجذبني من يدي مسرعة نحو صحن الدار أو الصعود إلى السطح كي نمثل مشاهد من لعبة عريس وعروسة، وتخليد طقوس زواجنا الافتراضي، رغم التهديد القائم فعليا نتيجة تربص ثعبان مسكون بروح شريرة يسكن جحرا في إحدى زوايا السطح، مثلما أخبرنا فقيه المسجد وطلب منا أن نتركه في سلام وإلا لحقنا عقاب شديد.
أنا العريس وهي العروسة، بينما تمثل أختاي الحضور والضيوف، واضعة وسطهما دمية كبيرة ممتلئة الفخذين بشعر أشقر وعينين تختلسان النظر، ترتدي تنورة قصيرة وضيقة. شغلت موقع رفيقتها الوحيدة ليلا ونهارا. تشرع في تأثيث احتفالات الجلسة، بعبارات تعلق من خلالها على الأدوار التي أوكلتها إلى كل واحد منا، وأحظى لديها باهتمام المقام الأول باعتباري زوجها. استشرفت مع تلك اللحظة جل الإستيهامات الإيروسية الممكنة؛ ومايندرج في خضمها.
(3)
أستحضرها كاملة أوصاف معلم اللغة العربية للسنة الثالثة ابتدائي، مثل شريط مسجل لازالت أصداؤه ترنّ حية بين ثنايا دواخلي رغم الهوة السحيقة حيال الفترة. كان صاحب قامة طويلة ونحافة متوازية الأضلاع، غلبت عليها رغم ذلك نزعة أقرب إلى الصنف الكوميدي، جعلته أشبه بأبطال الأفلام الكارتونية، يعضد ذلك الكيفية التي يتحايل بها على صلعة رأسه حتى لا تنكشف عورتها تماما عبر إخفائها بتلك الشعيرات الخفيفة المتبقية له.
ميزت هذا المعلم، الماثل بين تلابيب ذاكرتي، ثلاث معالم رئيسة :
*يفتتح حصته بألعاب ترفيهية وأناشيد جماعية تصدح بها حناجرنا، أو تقمصه بعض العروض المسرحية. امتلك الرجل حقيقة، موهبة فنية ذكية للغاية.
*عندما يرغب في أداء الصلاة، يصعد بأكمله فوق طاولة كي يجعل منها سجادة لأداء الفريضة.هنا يتحول إلى رجل طائر، لأن قامته تضاعفت مرتين ورأسه بلغ السحب.
*ينخرط باستمرار في نقاش ثنائي طويل مع التلميذة فاطمة، ذات الأصول الأمازيغية. لم تكن تهمني طبيعة المواضيع التي يخوضان فيها، غير أن هذه الفتاة تحديدا توطدت بيني وبينها علاقة طفولية خاصة. منذ نهاية الموسم الدراسي السابق، حينما التقطنا وسط ساحة المدرسة تلك الصورة الجماعية الشهيرة خلال الزمن الجميل، فاختارني المعلم كي أحمل اللوحة الصغيرة، التي توثق لسنة الموسم الدراسي. وقفت فاطمة بجانبي وهي تبدو بحكم سخاء هرمونات جسدها، مثل ظاهرة سابقة على عصرنا ذلك ومستوانا الحسي والشعوري. جسد سخي ومعطاء، تجاوز سنها كثيرا. انتابتني حقا قشعريرة غريبة لأول مرة في حياتي وأنا طفل، عندما رمت يدها بغتة ووضعتها على كتفي، ثم تمددت بتؤدة وشرعت أصابعها تداعب بليونة ساحرة مقدمة عنقي، في انتظار انتهاء المصور من العثور على الزاوية المناسبة، قصد إخراج الصورة في حلة جيدة.
(4)
أمضيت ردحا من سنوات طفولتي داخل الحافلات العمومية.أمتطي كل يوم الأوتوبيس لثلاث أو أربع مرات، سواء للذهاب إلى المدرسة، أو زيارة جدتي التي تقطن الجهة الأخرى من المدينة، أو بهدف قضاء مآرب أخرى.قصص عدة، عاينتها داخل الحافلة؛ وهي وسيلة نقل متطورة تبدو قياسا لتلك السنوات جهازا خرافيا، اختُزلت بفضله مصاعب جمة، وصارت معه الحياة أكثر يسرا من السابق، بحيث حدث التسيّد على جانب معتبر من عوائق ومتاهات الزمكان.
شكلت الحافلة بالنسبة إلي وأنا في مقتبل العمر، مدرسة أخرى غير المؤسسة النظامية كي أحيا جانبا من التفاصيل التي تنطوي عليها حيوات الناس، بحيث تتبدى تلوينات شتى للنفس البشرية فقط على امتداد برهة زمانية معدودة. كما أدركت بذات القوة أو أكثر، ما يفعله الاحتكاك الجسدي بين كائنين. يحتشد الناس و يزدحمون فتضيع حرمات الأجساد، ثم تتداخل الرغبات وتندفع دون كابح يذكر. يضيع العقل ويتخلص من عقاله وتنطلق حروب اللذة الضروس، لكل حسب ما يقدر عليه.
(1) ذكريات الطفولة : الحمَّام الشعبي.
أذكر على الوجه الأكمل، تلك الواقعة التراجيدية والكوميدية في ذات الآن التي حظرت عليَّ بالمطلق منذ تلك الواقعة، اصطحاب أمي وأختي إلى الحمَّام الشعبي. فقد دأبت الأعراف، على ارتباط حظر ولوج الفضاء النسائي بطابع الخِتان من عدمه، بحيث تستفسر المراقِبة من أول وهلة أمّ الطفل، دون اهتمام مباشر بأرطال حجمه أو مؤشرات عمره ، ولا أيضا قياس مستويات عظمته في عين المكان، بل فقط الجملة/الجواز؛ ثم الترخيص أو الطرد:
-"هل الصبي مختون؟''، يعني قد استأصل حلاق الحي مضغة لحم رقيقة من مقدمة جهازه. الجواب بنعم أو لا! سيتيح لموضوع السؤال إمكانية الولوج إلى الحمَّام أو صدِّه كي يعود من حيث أتى.
يماثل هذا السؤال، آخر ملتصقا به تماما كظلِّه، يأخذ مجاله بأريحية حينما يرافق طفل شخصا راشدا في حافلة عمومية أو سيارة أجرة، ويحاول الأخير التحايل بطريقة ما على أداء التذكرة الخاصة بالطفل ساعيا إلى إبقاء مبلغ ثمنها نائما مطمئنا داخل حلكة جيبه. هكذا، سرعان ما يكون جوابه جاهزا دون تلكؤ، بخصوص إفحام المتسائل وغباوة المرجعية :
-'' هل الطفل تلميذ في المدرسة، أم ليس بعد؟''. إن انطوى جوابه على الإيجاب، تحتم عليه لزوما تأدية التذكرة لامفر.
تساءلت دائما بناء على المتواليتين ، أيّ علاقة جامعة ضمنيا بين الختان ثم انتفاء إمكانية النساء داخل الحمام؟ أيضا، الانتماء إلى أسلاك المدرسة وحتمية أداء ثمن التذكرة؟ ربما، يكمن الرابط المفصلي ضمنيا بين المعيارين، في الخروج من مرحلة قصور الطفل نحو بداية تفطّنه لما يجري حوله، بالتالي أضحى''فاعلا'' وسط هذا العالم.
عموما، لم أكن إبانها مندرجا ضمن قائمة المختبرين لطقس الختان، من ثمة لازال المجال واسعا أمامي كي ألج عتبة حمام النساء بكل يسر ودون ارتياب يذكر في أمري.
طبعا، مثلما أشرت بين فقرات سرد سابق(1)، تخللت حصة الاستحمام تلك وقائع متباينة قد تطول أو تقصر تبعا للسياق وحيثياته، قوامها الأساسي اللعب مع زمرة أخرى من الأطفال. نبرمج سلسلة مسابقات للتزلج وفق أوضاع مختلفة ضمن مدار السطح اللزج، جراء تراكم بقايا مواد التنظيف. حقيقة، لم يكن التباري سوى تمويها كي لاتنتبه الأمهات المنشغلات فيما يظهر بحكِّ جلودهن؛ منغمرات في دوامة أحاديث ثنائية وثلاثية ورباعية، ذات موضوعات لا تنتهي، بينما انصب تركيزنا الأولي على وجهة ثقب بحجم رأس دبوس انطوى عليه باب المرحاض، اتفقنا قصدا على تحديده نقطة نهاية بالنسبة للمتسابقين. فجوة صغيرة جدا، فاضحة ميكروسكوبيا؛ وإن بالكاد لتلك الأجساد المكتنزة غالبا من خلال تضاريس حميمتها.
لاأعلم كيف صادفنا مغارة علي بابا تلك؟ فوقع انتباهنا على الفجوة الكرنفالية؛ ذات المناحي الشيطانية اللامتناهية ؟ولماذا ذهب فضولنا نحو اكتشاف ما يجري خلف الباب.
غير ما مرة انتهت العملية بنجاح، بحيث ينساب المترشِّح برأسه دون اعتدال مع نهاية كل دحرجة، صوب الثقب السحري ثم يتجمد قليلا، كأنه ميت وباقي رفقاء السوء يحاولون ثنيه عن صنيعه بكيفية تهكمية، لأنهم يستعجلون في الوقت نفسه دورهم، بينما يتمسك بموقعه.هنا تندلع شرارة الضجيج، فيغدو الوضع مضطربا، بل قد يخرج عن السيطرة، مما أدى خلال إحدى المناسبات إلى افتضاح أمرنا، فأثار الموقف موجة سخط عارمة داخل الحمَّام وحالة استنفار غير مسبوقة، أنهت منذ ذلك اليوم مسألة التسامح مع تواجد أطفال بلغوا سن الختان، داخل حمَّام النساء، وكنتُ بالتأكيد ضمن زمرة المطرودين إلى غير رجعة والانتقال صوب حمَّام الرجال تبعا لقصصه الأخرى.
(2)
أمها صديقة لأمي، يأتيان كل أسبوع تقريبا لزيارتنا ويمكثان عندنا عشية بأكملها. إنها مريم، تقاربني سنّا وعقلا وشعورا. مليحة الوجه. عينان خضراوتان كأنهما ''غابتا نخيل''.غضة وشهية. صدر فائض ضمن مقاس معقول لثديين متوثبين.أستعيد الطيف بطراوة يانعة، رغم تقادم الزمان.
شكَّل دائما قدومها غبطة لا توصف بالنسبة لنا معا.لا تتوانى قبل أن تستعيد ثانية إيقاع أنفاسها جراء ضغط صعود الأدراج الحلزونية، كي تجذبني من يدي مسرعة نحو صحن الدار أو الصعود إلى السطح كي نمثل مشاهد من لعبة عريس وعروسة، وتخليد طقوس زواجنا الافتراضي، رغم التهديد القائم فعليا نتيجة تربص ثعبان مسكون بروح شريرة يسكن جحرا في إحدى زوايا السطح، مثلما أخبرنا فقيه المسجد وطلب منا أن نتركه في سلام وإلا لحقنا عقاب شديد.
أنا العريس وهي العروسة، بينما تمثل أختاي الحضور والضيوف، واضعة وسطهما دمية كبيرة ممتلئة الفخذين بشعر أشقر وعينين تختلسان النظر، ترتدي تنورة قصيرة وضيقة. شغلت موقع رفيقتها الوحيدة ليلا ونهارا. تشرع في تأثيث احتفالات الجلسة، بعبارات تعلق من خلالها على الأدوار التي أوكلتها إلى كل واحد منا، وأحظى لديها باهتمام المقام الأول باعتباري زوجها. استشرفت مع تلك اللحظة جل الإستيهامات الإيروسية الممكنة؛ ومايندرج في خضمها.
(3)
أستحضرها كاملة أوصاف معلم اللغة العربية للسنة الثالثة ابتدائي، مثل شريط مسجل لازالت أصداؤه ترنّ حية بين ثنايا دواخلي رغم الهوة السحيقة حيال الفترة. كان صاحب قامة طويلة ونحافة متوازية الأضلاع، غلبت عليها رغم ذلك نزعة أقرب إلى الصنف الكوميدي، جعلته أشبه بأبطال الأفلام الكارتونية، يعضد ذلك الكيفية التي يتحايل بها على صلعة رأسه حتى لا تنكشف عورتها تماما عبر إخفائها بتلك الشعيرات الخفيفة المتبقية له.
ميزت هذا المعلم، الماثل بين تلابيب ذاكرتي، ثلاث معالم رئيسة :
*يفتتح حصته بألعاب ترفيهية وأناشيد جماعية تصدح بها حناجرنا، أو تقمصه بعض العروض المسرحية. امتلك الرجل حقيقة، موهبة فنية ذكية للغاية.
*عندما يرغب في أداء الصلاة، يصعد بأكمله فوق طاولة كي يجعل منها سجادة لأداء الفريضة.هنا يتحول إلى رجل طائر، لأن قامته تضاعفت مرتين ورأسه بلغ السحب.
*ينخرط باستمرار في نقاش ثنائي طويل مع التلميذة فاطمة، ذات الأصول الأمازيغية. لم تكن تهمني طبيعة المواضيع التي يخوضان فيها، غير أن هذه الفتاة تحديدا توطدت بيني وبينها علاقة طفولية خاصة. منذ نهاية الموسم الدراسي السابق، حينما التقطنا وسط ساحة المدرسة تلك الصورة الجماعية الشهيرة خلال الزمن الجميل، فاختارني المعلم كي أحمل اللوحة الصغيرة، التي توثق لسنة الموسم الدراسي. وقفت فاطمة بجانبي وهي تبدو بحكم سخاء هرمونات جسدها، مثل ظاهرة سابقة على عصرنا ذلك ومستوانا الحسي والشعوري. جسد سخي ومعطاء، تجاوز سنها كثيرا. انتابتني حقا قشعريرة غريبة لأول مرة في حياتي وأنا طفل، عندما رمت يدها بغتة ووضعتها على كتفي، ثم تمددت بتؤدة وشرعت أصابعها تداعب بليونة ساحرة مقدمة عنقي، في انتظار انتهاء المصور من العثور على الزاوية المناسبة، قصد إخراج الصورة في حلة جيدة.
(4)
أمضيت ردحا من سنوات طفولتي داخل الحافلات العمومية.أمتطي كل يوم الأوتوبيس لثلاث أو أربع مرات، سواء للذهاب إلى المدرسة، أو زيارة جدتي التي تقطن الجهة الأخرى من المدينة، أو بهدف قضاء مآرب أخرى.قصص عدة، عاينتها داخل الحافلة؛ وهي وسيلة نقل متطورة تبدو قياسا لتلك السنوات جهازا خرافيا، اختُزلت بفضله مصاعب جمة، وصارت معه الحياة أكثر يسرا من السابق، بحيث حدث التسيّد على جانب معتبر من عوائق ومتاهات الزمكان.
شكلت الحافلة بالنسبة إلي وأنا في مقتبل العمر، مدرسة أخرى غير المؤسسة النظامية كي أحيا جانبا من التفاصيل التي تنطوي عليها حيوات الناس، بحيث تتبدى تلوينات شتى للنفس البشرية فقط على امتداد برهة زمانية معدودة. كما أدركت بذات القوة أو أكثر، ما يفعله الاحتكاك الجسدي بين كائنين. يحتشد الناس و يزدحمون فتضيع حرمات الأجساد، ثم تتداخل الرغبات وتندفع دون كابح يذكر. يضيع العقل ويتخلص من عقاله وتنطلق حروب اللذة الضروس، لكل حسب ما يقدر عليه.
(1) ذكريات الطفولة : الحمَّام الشعبي.