أعتقد أن الخاتمة في المسرحية هي أهم جزء فيها – ولو أن تقسيم المسرحية لعرض وأحداث متصاعدة وخاتمة أصبح مفهومًا كلاسيكيًّا عند كثير من المهتمين بالمسرح في الوقت الحالي –. وحتى مع تطور أشكال المسرح وظهور العبثيين والتجريبيين تبقى الخاتمة جزءًا مهمًّا في بناء المسرحية، وبعض من شاهد أو قرأ مسرحية بيت الدمية لإبسن تمنى لو تنتهي المسرحية نهاية سعيدة بأن تقبل نورا توسلات زوجها لها في عدم مغادرة البيت، ولكن لو فعل إبسن هذا لفسدت المسرحية كلها، ولانهار بناؤها، لقد وجب على نورا بعد أن اكتشفت أن زوجها كان يعاملها طوال الوقت كدمية أن تهجره، وتتخلى عنه، فهو أناني لم يكن يتعامل معها على أنها شريكة حياته، بل كان يعدها كقطعة أثاث في بيته ودمية، وبينما جازفت بنفسها لإنقاذه كان يخشى الفضيحة بمفهومه الأناني، وحين زال الخطر عنه أراد أن يستعيد دميته، ولكن الدمية بثت فيها الحياة، وصممت على فراق ذلك الزوج الأناني.
ولنتأمل مسرحية أوديب ملكًا لسوفوكليس – أعظم تراجيديا كتبت في العصور القديمة في رأي كثير من النقاد – هل كان يمكن أن تنتهي أحداثها نهاية مختلفة عن التي صورها بها سوفوكليس بانتحار جوكاستا وفقأ أوديب عينيه، وخروجه من موطنه كمتسول بائس يجول البلاد بعد أن كان ملكـًا عظيما؟
لقد حاول توفيق الحكيم في مسرحية الملك أوديب أن يغير تلك النهاية بافتعال الصراع بين الواقع والحقيقة، فالواقع أن أوديب يحب جوكاستا وأنجب منها أربعة أبناء، والحقيقة أنها أمه التي تزوجها دون علمهما بهذه الحقيقة، ويحاول أوديب أن يغري جوكاستا بأن يتجاهلا هذه الحقيقة، ويعيشا في واقعهما السعيد الذي كانا عليه قبل معرفة هذه الحقيقة.
وفي مسرحية علي أحمد باكثير مأساة أوديب تحاول جوكاستا أن تستبقي أوديب زوجًا لها بعد معرفتها بأنه ابنها.
لا شك أن هاتين النهايتين من قبل الحكيم وباكثير فيهما إفساد لما قام به عملاق التراجيديا سوفوكليس، وفيهما قبل ذلك ما يخالف الفطرة التي خلق الله عليها الإنسان في نظرته لأمه.
وكان لابد في التراجيديات القديمة أن تنتهي بموت البطل
أو تشرده وإيلامه حتى يحدث التطهير أو الكاثرسيس الذي أشار إليه أرسطو في كتابه فن الشعر، وذلك بإثارة عاطفتي الخوف والشفقة لدى المتلقي: الخوف من أن يحدث له ما حدث للبطل من نهاية أليمة، والشفقة عليه من هذه النهاية. ولا نعجب بعد ذلك حين نرى مآسي شكسبير تنتهي بكثير من حوادث القتل، كهاملت والملك لير وماكبث وروميو وجولييت؛ ولهذا عاب بعض النقاد الكلاسيكيين على كورني انتهاء مسرحيته التراجيدية السيد نهاية سعيدة بزواج البطلين بها.
وكذلك كان الشائع في المسرح الكلاسيكي أن تنتهي الملهاة نهاية سعيدة، ولكن موليير ضرب عرض الحائط بهذه القوانين التي سنها صديقه بوالو في كتابه فن الشعر وغيره من النقاد المعاصرين له، فنرى لهذا بعض ملاهيه لا تنتهي نهاية سعيدة، بل فيها قدر من الأسى، كمسرحية عدو البشر التي يقرر بطلها إلسست في نهايتها أن يهجر الناس، ويذهب لمكان ناءٍ؛ لأنه لم يعد يستطيع معايشتهم لما بهم – من وجهة نظره – من شرور كثيرة، وبطل مسرحية مدرسة الزوجات يفجع في الفتاة التي رباها على تعاليمه؛ لتكون زوجة له بزواجها من شاب أحبته، ويعود هو لأحزانه وعزلته، وكذلك سجاناريل بطل مسرحية زواج بالإكراه كان عازفًا عن الزواج خشية ان يتزوج امرأة تخونه، ولكنه حين هم بالزواج من فتاة اكتشف أنها ماجنة، وحاول أن يوقف زواجه منها، ولكنه لم يستطع، وأجبر على زواجه منها.
والكتاب الواقعيون كإبسن يأتون بالنهايات المريحة للمشاهد، وفيها يلقى المخطئ جزاءه، ويزال الستار عن مرتكبي الجرائم والمفسدين، ويعاقبون، كما نرى في مسرحية أعمدة المجتمع ومسرحية بيت آل روزمر. أما الرمزيون فنهايات مسرحياتهم غالبًا ما تكون مفتوحة تحتمل التأويلات الكثيرة، كنهايات مسرحيات متيرلنك، مثل مسرحية العميان ومسرحية الدخيل.
وكثير من مسرحيات بريخت ذات الطابع الملحمي تنتهي بتوجيه الكورس أو بعض الممثلين الخطاب للجمهور؛ ليفصل في أبعاد القضايا التي تطرحها هذه النوعية من المسرحيات،كما نرى في مسرحية القائل نعم والقائل لا ومسرحية القاعدة والاستثناء.
والخاتمة عند العبثيين ليست فقط مفتوحة تحتمل التأويلات، بل هي كثيرًا ما تكون غريبة وصادمة، ففي مسرحية الكراسي ليونسكو نرى الشخص الذي ينتظره الزوجان ليتحدث عن مشاكلهما ومعاناتهما أمام جمهور متخيل ليس غير شخص أخرس، وفي مسرحية الدرس ليونسكو بعد أن يعطي المعلم الدرس لتلميذته يقتلها، ونعرف من حديثه مع خادمته أن هذه عادته مع تلميذاته.
وفريدريش دورينمات كاتب طليعي، ولكنه ليس من كتاب العبث، وتتصف مسرحياته بنهاياتها الغريبة الصادمة، وغالبًا ما يكون فيها حوادث قتل، كما نرى في مسرحية زيارة السيدة العجوز التي تنتهي بإعدام عشيق السيدة العجوز بضغط منها من خلال الإغراء بأموالها، ومسرحية القرين يقتل فيها البطل قرينه وزوجة هذا القرين، وفي مسرحية حادث في الشفق تنتهي المسرحية بقتل المؤلف للشخص الذي كان يعمل مخبرًا، وتجسس على جرائمه التي صورها في رواياته، وأيضًا في مسرحية العطب يكتشف بطل المسرحية في محاكمة – بدأت مع أشخاص على أنها لعبة – أنه قاتل بالفعل لشخص كان يتحداه في عمله.
وهكذا نرى الخاتمة جزءًا مهمًّا في كيان المسرحية عبر عصورها، إن لم تكن الجزأ الأهم فيها، وصياغتها غالبًا ما تحمل رؤية كل مبدع، وتكشف جزءًا كبيرًا من أسرار مواهبه في كتابة المسرحية.
ولنتأمل مسرحية أوديب ملكًا لسوفوكليس – أعظم تراجيديا كتبت في العصور القديمة في رأي كثير من النقاد – هل كان يمكن أن تنتهي أحداثها نهاية مختلفة عن التي صورها بها سوفوكليس بانتحار جوكاستا وفقأ أوديب عينيه، وخروجه من موطنه كمتسول بائس يجول البلاد بعد أن كان ملكـًا عظيما؟
لقد حاول توفيق الحكيم في مسرحية الملك أوديب أن يغير تلك النهاية بافتعال الصراع بين الواقع والحقيقة، فالواقع أن أوديب يحب جوكاستا وأنجب منها أربعة أبناء، والحقيقة أنها أمه التي تزوجها دون علمهما بهذه الحقيقة، ويحاول أوديب أن يغري جوكاستا بأن يتجاهلا هذه الحقيقة، ويعيشا في واقعهما السعيد الذي كانا عليه قبل معرفة هذه الحقيقة.
وفي مسرحية علي أحمد باكثير مأساة أوديب تحاول جوكاستا أن تستبقي أوديب زوجًا لها بعد معرفتها بأنه ابنها.
لا شك أن هاتين النهايتين من قبل الحكيم وباكثير فيهما إفساد لما قام به عملاق التراجيديا سوفوكليس، وفيهما قبل ذلك ما يخالف الفطرة التي خلق الله عليها الإنسان في نظرته لأمه.
وكان لابد في التراجيديات القديمة أن تنتهي بموت البطل
أو تشرده وإيلامه حتى يحدث التطهير أو الكاثرسيس الذي أشار إليه أرسطو في كتابه فن الشعر، وذلك بإثارة عاطفتي الخوف والشفقة لدى المتلقي: الخوف من أن يحدث له ما حدث للبطل من نهاية أليمة، والشفقة عليه من هذه النهاية. ولا نعجب بعد ذلك حين نرى مآسي شكسبير تنتهي بكثير من حوادث القتل، كهاملت والملك لير وماكبث وروميو وجولييت؛ ولهذا عاب بعض النقاد الكلاسيكيين على كورني انتهاء مسرحيته التراجيدية السيد نهاية سعيدة بزواج البطلين بها.
وكذلك كان الشائع في المسرح الكلاسيكي أن تنتهي الملهاة نهاية سعيدة، ولكن موليير ضرب عرض الحائط بهذه القوانين التي سنها صديقه بوالو في كتابه فن الشعر وغيره من النقاد المعاصرين له، فنرى لهذا بعض ملاهيه لا تنتهي نهاية سعيدة، بل فيها قدر من الأسى، كمسرحية عدو البشر التي يقرر بطلها إلسست في نهايتها أن يهجر الناس، ويذهب لمكان ناءٍ؛ لأنه لم يعد يستطيع معايشتهم لما بهم – من وجهة نظره – من شرور كثيرة، وبطل مسرحية مدرسة الزوجات يفجع في الفتاة التي رباها على تعاليمه؛ لتكون زوجة له بزواجها من شاب أحبته، ويعود هو لأحزانه وعزلته، وكذلك سجاناريل بطل مسرحية زواج بالإكراه كان عازفًا عن الزواج خشية ان يتزوج امرأة تخونه، ولكنه حين هم بالزواج من فتاة اكتشف أنها ماجنة، وحاول أن يوقف زواجه منها، ولكنه لم يستطع، وأجبر على زواجه منها.
والكتاب الواقعيون كإبسن يأتون بالنهايات المريحة للمشاهد، وفيها يلقى المخطئ جزاءه، ويزال الستار عن مرتكبي الجرائم والمفسدين، ويعاقبون، كما نرى في مسرحية أعمدة المجتمع ومسرحية بيت آل روزمر. أما الرمزيون فنهايات مسرحياتهم غالبًا ما تكون مفتوحة تحتمل التأويلات الكثيرة، كنهايات مسرحيات متيرلنك، مثل مسرحية العميان ومسرحية الدخيل.
وكثير من مسرحيات بريخت ذات الطابع الملحمي تنتهي بتوجيه الكورس أو بعض الممثلين الخطاب للجمهور؛ ليفصل في أبعاد القضايا التي تطرحها هذه النوعية من المسرحيات،كما نرى في مسرحية القائل نعم والقائل لا ومسرحية القاعدة والاستثناء.
والخاتمة عند العبثيين ليست فقط مفتوحة تحتمل التأويلات، بل هي كثيرًا ما تكون غريبة وصادمة، ففي مسرحية الكراسي ليونسكو نرى الشخص الذي ينتظره الزوجان ليتحدث عن مشاكلهما ومعاناتهما أمام جمهور متخيل ليس غير شخص أخرس، وفي مسرحية الدرس ليونسكو بعد أن يعطي المعلم الدرس لتلميذته يقتلها، ونعرف من حديثه مع خادمته أن هذه عادته مع تلميذاته.
وفريدريش دورينمات كاتب طليعي، ولكنه ليس من كتاب العبث، وتتصف مسرحياته بنهاياتها الغريبة الصادمة، وغالبًا ما يكون فيها حوادث قتل، كما نرى في مسرحية زيارة السيدة العجوز التي تنتهي بإعدام عشيق السيدة العجوز بضغط منها من خلال الإغراء بأموالها، ومسرحية القرين يقتل فيها البطل قرينه وزوجة هذا القرين، وفي مسرحية حادث في الشفق تنتهي المسرحية بقتل المؤلف للشخص الذي كان يعمل مخبرًا، وتجسس على جرائمه التي صورها في رواياته، وأيضًا في مسرحية العطب يكتشف بطل المسرحية في محاكمة – بدأت مع أشخاص على أنها لعبة – أنه قاتل بالفعل لشخص كان يتحداه في عمله.
وهكذا نرى الخاتمة جزءًا مهمًّا في كيان المسرحية عبر عصورها، إن لم تكن الجزأ الأهم فيها، وصياغتها غالبًا ما تحمل رؤية كل مبدع، وتكشف جزءًا كبيرًا من أسرار مواهبه في كتابة المسرحية.