مديح الصادق - شاعراً مثليَ، لا تعشقي

إيَّاكِ... إيَّاكِ أنْ بشاعرٍ شِبهيَ
يوماً تُغرمينَ، وحاذِرِي
أنْ تتبعي نبْضَ قلبِكِ إذ يرِقُّ
وصوبَ تاجرٍ رأسمالُهُ الحروفُ
مِن كلِّ صِنفٍ، ومِن كلِّ لونٍ
يُجيدُ اقتناصَ رَويٍّ، ورصفَ القوافي
وفي النفوسِ كما الغوّاصُ ينفذُ
فيستجلي البواطِنَ والخَوافي
مِن دُرَرِ الكلامِ أحلى العقودِ صاغَ
هدايا، بلا مُقابلٍ يُهدي
للحِسانِ، مُنيراتِ الوجوهِ،
ومَنَ سَلبنَ العقولَ بلا رحمةٍ
على شِغافِ قلبِهِ أجَدنَ عَزفاً
وعلى نايِهِ عزفنَ ما رقَّ وطابَ
إيّاكِ وعِشقَ الشعراءِ مِن صِنفي؛ فهُم
مُغرمونَ بعِشقِ أوطانِهِم
وإذْ على رقابِ شعوبِهِم أحكَمَ الطغاةُ
أصفاداً، والحمائمَ وراءَ أسوارِهِم قيَّدوا
فلا تعجَبي...
أنَّ مَنْ عشِقتِ؛ على الأعوادِ مَصلوبٌ
بنصفِ اللسانِ، بجُرمِ قولِ حقٍّ
وبالخيانةِ العظمى أمامَ إمَّعةٍ
مخفورَ مِعصمَينِ يُقادُ
إلى حتفِهِ...
شاعراً شديدَ بأسٍ، مِثليَ
لا تعشقي...
فقدْ يَنفَضُّ عنْ مجلسِهِ الوثيرِ
مَنْ كانَ بِهِم يومَ عِزٍّ عامراً
اللاحسونَ فتاتَ موائدِ الرعاعِ أمثالِهِم
اللاهثونَ وراءَ سرابِ عرشٍ خادِعٍ
مَن لا دينَ لهُم، وليسَ لهُم مذهَبٌ
وعليهِ كما على الحسينِ أغارَ الذينَ
بأغلظِ الأيمانِ بايَعوهُ قبلَ ليلةٍ
وصوبَ مَنْ أجادَ، كما تُخرَسُ النوابحُ
بالمالِ؛ اشترى نِباحَهُم
تذكَّري وصيَّتي، صديقتي...
قلبُ الشاعرِ لا مزلاجَ، ولا قفلَ لهُ
وشبهُ رياضِ الجنَّةِ للصالحينَ
مُتاحة رياضُهُ
حاتمِيٌّ، بلا حدودٍ يجودُ
ساعةَ ذو الحاجةِ نادى، أو استعانَ بِهِ
هوَ مُلكٌ مُشاعٌ، بعقلِهِ، وكِيانِهِ
للناسِ، كلِّ الناسِ، مَن أوفى الطِيبَ مِنهُم
ومَنْ فَضلاً مِنهُ قد أنكرُوا
آهٍ، بقدرِ صَبرِ العراقِ على البلوى
وأمَّهاتِ اليتَامى
ومَن بكواتمِ غَدرٍ غادرُوا
إيّاكِ وعِشقي، صديقَتي...
أحسِني الظنَّ بي
قبلَ أنْ لِعتبةِ داريَ تَخطينَ
وبابي تطرقين...
فبعضُ الصداقاتِ حُبٌّ مصيرُها
كالغيثِ حينَ بقطرٍ يُستهلُّ
وأُولى ملاحِمِ الجنونِ
قد كانَ صداقةً مُستهلُّها
ومِنْ هناكَ أولى الخيوطِ حِيكَتْ
وكانتْ الحكايةُ...

مديح الصادق... من كندا

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...