عصام الدين محمد أحمد - أرملة

طال الليل.
أتقلب علي فراشي،أتلولب كالأفعى.
تاه النوم عن دربي،أتصفح تلال الورق دون فائدة،ما بال الوهن تفصدني!
أستحلب حبة المنوم،أدير الكاسيت،حتي الأنغام الهادئة الناعمة توترني أكثر.
أجرب الإغماء،لا يجدي معي.
أقوم متكاسلة،وأمام المرآة أترنح،الشحوب يهدل تقاطيعي،والعينان تجوبان السراب،ألتصق بالمرآة،ألمس سطحها الأملس،أبتعد مذعورة.
أراه منزوياً في ركن قصي،يكسر بأنامله الطويلة عوداً من الحطب،ينكس الرأس،ما رأيتك هكذا من قبل!!
أهز عيني بقوة وتتابع،يترنح المشهد،ولكن مازالت هامته تركن بين ركبتيه المتعامدتين علي الأرض،أذرف الدمع،وما برح مكانه!
أبحث عن جسدي،وجهي،جيدي،صدري،قدمي.
يطاردني بهيئته المنكسرة أينما فتشت.
أتقهقر إلي سريري،أضطجع،اليقظة تركل النوم محدثة به العاهات،أقلّب ألبوم الصور الملازم لي دوما هذه الأيام:
ها هي أميمة ووليد يمتطيان ظهره ووجهه مشرق بالأبتسام،أهمس:
أبتسامتك تنخر عظامي!
ألقف صورة أخري،ها هو يتوسط حديقة الزهور؛فل ونرجس وياسمين وورد،أشقلب الصورة؛الأرض تمتطيه،أهذي:
ألا يكفيك النعيم والشذا؟
شيءما يرفل داخلي في حياء،تنفتح مسامي،أزيح قميص السواد عن جسم بض،تطوف بي الخيالات:
نركب الطريق الممهد،نتنافر ونرتع كؤوس الراح،أختبئ بين الأشجار،أكركر،أدمعت عيناي حبوراً،ألف حول الجذوع،فص ملح ذاب،أرتاب،تخنع أعضائي،يتجمد وجهي،أنده،ما من مجيب!
أمكث طويلاً،أبكي،ألطم الخدود،خار عزمي،تطردني الخيالات.
أدخل غرفة أميمة ووليد،أدثرهما بالغطاء،أعرج إلي المطبخ،أشرب ماءًمثلجاً،أملأ الكنكة،ألقمها بالبن الغامق،أشعل البوتجاز،ثوان وتفور القهوة،أحمل الكوب الكبير،أدلف غرفة المكتب،يواجه مقعدي الكتب واللوحات،أفكر أن أخط رسالة إليه،ولكن ماذا أقول؟
لا بأس من تحريك القلم:
عزيزي
اليوم تطعنني بمدية لا ترحم،لماذا تعترض سكوني؟
ما الذي شجعك علي اقتحام حصوني؟
حروفك الهوجاء زلزلتني،لا أدري كيف قطعت مشوار العودة؟
زميلاتي تنظرن لي بعيون متفرسة،تشع الغمزات اتهاماً،وطوال الأيام الماضية طيفك لا يغادر مخدعي،أأنت حقيقة أم وهم؟
ماذا دفعني للتفكير؟
مجرد التفكير!
تلفظ الأوراق سن القلم الأبري،أتأمل تصاوير الزيت الموزعة علي الحائط،نهود منتفشة،نظرات شبقية،وألوان جائعة،تماذج وأحضان.
صقعت القهوة،أرتشف الكوب دفعة واحدة،طويت الورقة،مزقتها،أطفأت النور،أعود الهوينى إلي فراشي،غلبني الخدر،غفوت:
أخرجتني سيارة في مفترق طرق،ميدان شاسع،أحتار،أأمشي يميناً أم يساراً؟
بل أظل مكاني لا أبرحه،أخطو يميناً؛تعتريني الهواجس،تتناقلني الوجهات،تنسرب اللحظات،ينصبون المتاريس،ولا أتمكن من العبور،تتصايح الأبواق،يشكل الفراغ قبضات.
طاف الهواء حول جيدي المرمري،ضاقت حلقاته،يخنقني،أصرخ،أرفس الغطاء،جبيني يتصبب عرقاً،جف ريقي،جسدي هامد كخرقة بالية،ساعة الحائط تعلن الخامسة صباحاً،أرتدي ملابسي،أقصد الباب،أتساءل:
الوقت مازال مبكراً؛فلمَ العجلة؟
جلست بمواجهة الساعة،سحلتني عقاربها المتباطئة،لا بد من دحر السأم،أخرجت من الثلاجة الجبن والزيتون،أعددت الساندويتشات،حفظتها أسفل فوطة بيضاء،أشغل التلفاز،ادير وجهي،في المرآة صورتي تتوسط الأطار،أطبقت جفنيّ،لم أطق انتظاراً.
أنفلت مهرولة،أصعد الباص الفارغ،أمام مقر الوزارة هبطت،لمحته،صحت عليه.
لبي النداء،دون كلمات ركبنا الكورنيش،ابتدرته:
نفضت الغبار عن الجمرات ثم ماذا بعد ذلك؟
يبتسم في خفر،يجيب:
الاستقرار.
تستنفرني الكلمات،أتفلسف:
تقصد الشتات وتشريد الأولاد.
يتأمل سطح النهر المتماوج،يلقي بحجر،تلد دوامات،تتنامى أقطارها،أنتوي الرحيل،تنبس شفتاه:
أولادك أولادي.
أواري ثغري الباسم،تراودني التناقضات،وفي حذر وترقب أقول:
آل البيت للسقوط و...
يقطع استرسالي:
شقة جديدة في الطريق.
أنحرف منتهية إلي مكتبي،تتعاقب أحجاره،تتسع الدوامات.

عصام الدين محمد أحمد
التفاعلات: ماءالعينين بوية

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...