(١)
فاوست قصة أو حكاية شعبية ألمانية انتشرت بين الناس أحداثها في العصور الوسطى، وهي تحكي عن شخِّص اسمه فاوست كان شديد النهم للمعرفة، ورأى أن وسائل المعرفة المحدودة في عصره لا تمكنه من إرواء نهمه الشديد لها، وأتاه الشيطان، وعقد معه عهدا بدمه تعهد فيه فاوست للشيطان أن يأخذ روحه عند موته في مقابل أن يمكنه من الحصول على معارف وعلوم كثيرة، وأن يمكنه من الحصول على كثير من المتع والغرائز.
ويقال في هذه الحكاية الشعبية: إن فاوست ليلة موته قد سمع صراع شديد في بيته، ولم يعثر في صباح تلك الليلة على أي جثة له.
(٢)
وقد انتشرت هذه القصة الشعبية في أوروبا كلها، وكان لها آثار كبيرة على الأدب وبعض الفنون قديما وحديثا، وألف كريستوفر مارلو معاصر شكسبير مسرحية عنها بعنوان الدكتور فاوست، وسار فيها على الخطوط الرئيسة لقصة فاوست، وتعد هذه المسرحية أقرب للمسرحيات الوعظية التي كانت تقدمها الكنائس في العصور الوسطى.
وكتب بعد ذلك جوتة مسرحية فاوست، وتعد صياغته لقصة فاوست أهم صياغة مسرحية لها، كما تعد هذه المسرحية من أهم مسرحيات جوتة، وفيها يندم فاوست على الجرائم التي ارتكبها بمساعدة الشيطان ومساعده موفيستوفيليس، ولا يستطيع الشيطان لهذا أن يأخذ روحه وجثته بعد موته.
وكثير من الكتاب الذين تناولوا حكاية فاوست بعد معالجة جوتة لها في مسرحية فاوست - تأثروا بمسرحيته ومعالجته هذه القصة فيها، مثل يوجين أونيل في مسرحية أيام بلا نهاية، وبول فالير في مسرحيته عن فاوست.
(٣)
وتأثر بعض الكتاب والأدباء المصريين والعرب بهذه الأسطورة في بعض قصصصهم ومسرحياتهم، ومنهم الكاتب علي أحمد باكثير في مسرحية فاوست الجديد، وقد جعل باكثير فاوست في هذه المسرحية يندم في نهايتها على الجرائم التي قام بها بمساعدة الشيطان ومساعده موفيستوفيلس، كما صنع جوتة في مسرحيته عن فاوست، وكذلك جعل باكثير لهذه المسرحية بعض الإسقاطات على العصر الحديث.
أما عن كاتبنا الكبير توفيق الحكيم فإنه قد تأثر بهذه الحكاية الشعبية عن فاوست في بعض قصصه ومسرحياته، فنراه قد تأثر بها في قصة عهد الشيطان التي نشرها في كتاب عهد الشيطان، وفيها نرى الراوي - وهو يمثل المؤلف نفسه - يقوم بكتابة عهد مع الشيطان بدمه -كما فعل فاوست في تلك الحكاية الشعبية - وفيه يتعهد المؤلف - توفيق الحكيم - أن يعطي الشيطان شبابه في مقابل ان ينيله المعرفة.
ويفاجأ المؤلف بعد ذلك - في هذه القصة - أنه قد فقد شبابه، واقترب من الشيخوخة، فقد نفذ الشيطان عهده معه، فقد أخذ منه شبابه في مقابل المعارف التي حصل عليها عن طريقه.
ونرى أثر قصة فاوست الشعبية ومعالجة جوتة لها على وجه الخصوص في قصة امرأة غليت الشيطان لتوفيق الحكيم - وكان توفيق الحكيم قد نشر هذه القصة في كتاب ارني الله، وهو كتاب اشتمل على قصص يغلب عليها التوجه الفلسفي والتأملي عليها - وفي هذه القصة نرى امرأة فقيرة، وقبيحة الشكل ترى أن اكثر من يراها يزدريها لفقرها وقبحها، فتشعر بنقمة شديدة على الناس وعلى الحياة، ويأتيها الشيطان في لحظة ضعف شديد منها، ويعرض عليها أن يقدم لها الجمال والمال في مقابل أن يأخذ روحا عند موتها، وتوافق على ذلك دون تردد، ويقوم الشيطان بكتابة وثيقة بدمها تتعهد فيها بإعطاء الشيطان روحها عند موتها في مقابل ما سيقدمه لهامن جمال ومال ومتع حسية.
وتستمتع هذه المرأة بعد أن صارت جميلة وغنية ببعض المتع المادية والحسية، ثم تزهد فيها، وتميل للمتع الروحية، فتتقرب الى الله، وتتعبد له، وتشعر بمتعة كبيرة في ذلك، وحين تموت لا يستطيع الشيطان ان يأخذ روحها؛ لكونها قد تطهرت من المعاصي قبل موتها.
(٤)
وترى أثر قصة فاوست ومعالجة جوتة لها في مسرحية فاوست في مسرح توفيق الحكيم كما رأينا أثر ذلك في قصصه.
ونرى هذا الأثر واضحا في مسرحية نحو حياة أفضل، ففي هذه المسرحية نرى مصلحا اجتماعيا يقرأ مسرحية فاوست لجوتة، وينام، ويحلم خلال نومه أنه قد أتاه الشيطان وعقد معه عهدا يلتزم فيه الشيطان بأن يجعل تلك القرية التي زارها ذلك المصلح الاجتماعي مع زوجته حديثة متطورة كالقرى الأوروبية، وأن ينصلح حال الفلاح فيها خلاف حال القرى المصرية وحال الفلاح فيها آنذاك، وفي مقابل ذلك يتعهد ذلك المصلح للشيطان أن يصدق في كل أقواله وأفعاله، وقد اشترط الشيطان على ذلك المصلح الاجتماعي هذا الشرط؛ لكونه يعرف عجز أكثر البشر عن الصدق، واستسهالهم طريق الكذب.
ونرى الشيطان في ذلك الحلم يجعل تلك القرية كالقرى الأوروبية في عمرانها وتطورها، ويعيش الفلاحون في بحبوحة من العيش فيها، فيطلب ذلك المصلح إلى الشيطان أن يصلح نفوس الفلاحين ودواخلهم وليس شكلهم الخارجي فقط، وذلك بأن يهتموا بالعمل وإتقانه وليس التمتع بالمتع المادية التي نتجت عن تطور قراهم وتحديثها، فيخبره الشيطان أن هذا ليس في مقدوره، ويستيقظ ذلك المصلح من نومه، ويدرك من ذلك الحلم أن إصلاح تفوس الناس لا يكون من خلال معجزات، ولكنه يحدث بجهود أمثاله من المصلحين الاجتماعيين ببث الوعي بين الناس وحثهم لتغيير أنفسهم للأفضل.
ونرى وجود ظلال قصة فاوست ومعالجة جوتة لها في مسرحية فاوست في مسرحية شهرزاد لتوفيق الحكيم، فشهريار في هذه المسرحية شأنه مثل فاوست، فهو قد رغب في الحصول على المزيد من المعارف، وقد جعلته قصص شهرزاد يدرك أهمية المعرفة بعد أن كان لا يعنيه غير متع الجسد، ونرى شهريار في هذه المسرحية يسلك عدة طرق للحصول على المعرفة، فيستعين بالسحر كفاوست، ثم نراه يرتحل في البلاد كالسندباد، وأخيرا نراه يدخن الحشيش في خان أبي ميسور واهما نفسه بأنه خلال سكره يكون قد تخلص من ثقل الجسد وعبء المكان، وصار يتلقى المعارف العليا.
ولا يشعر شهريار بيأس في هذه المسرحية من كونه لا يستطيع أن يصل للمعرفة الكاملة التي يطمح فيها، بل يواصل اليحث عنها، ويستعين بوسائل مختلفة خلال ذلك، ولكنه لا يلجأ للشيطان في ذلك خلاف ما فعله فاوست في الحكاية الشعبية المعروفة عنه.
(٥)
وهكذا نرى أن قصة فاوست ومعالجة جوتة لها في مسرحية فاوست أثرا بشكل واضح في بعض قصص توفيق الحكيم ومسرحياته، وكان هذا التأثر مباشرا في بعض هذه الأعمال، مثل: قصة عهد الشيطان، وقصة امرأة غلبت الشيطان، ومسرحية نحو حياة أفضل، وظهر بشكل غير مباشر في مسرحية شهرزاد.
فاوست قصة أو حكاية شعبية ألمانية انتشرت بين الناس أحداثها في العصور الوسطى، وهي تحكي عن شخِّص اسمه فاوست كان شديد النهم للمعرفة، ورأى أن وسائل المعرفة المحدودة في عصره لا تمكنه من إرواء نهمه الشديد لها، وأتاه الشيطان، وعقد معه عهدا بدمه تعهد فيه فاوست للشيطان أن يأخذ روحه عند موته في مقابل أن يمكنه من الحصول على معارف وعلوم كثيرة، وأن يمكنه من الحصول على كثير من المتع والغرائز.
ويقال في هذه الحكاية الشعبية: إن فاوست ليلة موته قد سمع صراع شديد في بيته، ولم يعثر في صباح تلك الليلة على أي جثة له.
(٢)
وقد انتشرت هذه القصة الشعبية في أوروبا كلها، وكان لها آثار كبيرة على الأدب وبعض الفنون قديما وحديثا، وألف كريستوفر مارلو معاصر شكسبير مسرحية عنها بعنوان الدكتور فاوست، وسار فيها على الخطوط الرئيسة لقصة فاوست، وتعد هذه المسرحية أقرب للمسرحيات الوعظية التي كانت تقدمها الكنائس في العصور الوسطى.
وكتب بعد ذلك جوتة مسرحية فاوست، وتعد صياغته لقصة فاوست أهم صياغة مسرحية لها، كما تعد هذه المسرحية من أهم مسرحيات جوتة، وفيها يندم فاوست على الجرائم التي ارتكبها بمساعدة الشيطان ومساعده موفيستوفيليس، ولا يستطيع الشيطان لهذا أن يأخذ روحه وجثته بعد موته.
وكثير من الكتاب الذين تناولوا حكاية فاوست بعد معالجة جوتة لها في مسرحية فاوست - تأثروا بمسرحيته ومعالجته هذه القصة فيها، مثل يوجين أونيل في مسرحية أيام بلا نهاية، وبول فالير في مسرحيته عن فاوست.
(٣)
وتأثر بعض الكتاب والأدباء المصريين والعرب بهذه الأسطورة في بعض قصصصهم ومسرحياتهم، ومنهم الكاتب علي أحمد باكثير في مسرحية فاوست الجديد، وقد جعل باكثير فاوست في هذه المسرحية يندم في نهايتها على الجرائم التي قام بها بمساعدة الشيطان ومساعده موفيستوفيلس، كما صنع جوتة في مسرحيته عن فاوست، وكذلك جعل باكثير لهذه المسرحية بعض الإسقاطات على العصر الحديث.
أما عن كاتبنا الكبير توفيق الحكيم فإنه قد تأثر بهذه الحكاية الشعبية عن فاوست في بعض قصصه ومسرحياته، فنراه قد تأثر بها في قصة عهد الشيطان التي نشرها في كتاب عهد الشيطان، وفيها نرى الراوي - وهو يمثل المؤلف نفسه - يقوم بكتابة عهد مع الشيطان بدمه -كما فعل فاوست في تلك الحكاية الشعبية - وفيه يتعهد المؤلف - توفيق الحكيم - أن يعطي الشيطان شبابه في مقابل ان ينيله المعرفة.
ويفاجأ المؤلف بعد ذلك - في هذه القصة - أنه قد فقد شبابه، واقترب من الشيخوخة، فقد نفذ الشيطان عهده معه، فقد أخذ منه شبابه في مقابل المعارف التي حصل عليها عن طريقه.
ونرى أثر قصة فاوست الشعبية ومعالجة جوتة لها على وجه الخصوص في قصة امرأة غليت الشيطان لتوفيق الحكيم - وكان توفيق الحكيم قد نشر هذه القصة في كتاب ارني الله، وهو كتاب اشتمل على قصص يغلب عليها التوجه الفلسفي والتأملي عليها - وفي هذه القصة نرى امرأة فقيرة، وقبيحة الشكل ترى أن اكثر من يراها يزدريها لفقرها وقبحها، فتشعر بنقمة شديدة على الناس وعلى الحياة، ويأتيها الشيطان في لحظة ضعف شديد منها، ويعرض عليها أن يقدم لها الجمال والمال في مقابل أن يأخذ روحا عند موتها، وتوافق على ذلك دون تردد، ويقوم الشيطان بكتابة وثيقة بدمها تتعهد فيها بإعطاء الشيطان روحها عند موتها في مقابل ما سيقدمه لهامن جمال ومال ومتع حسية.
وتستمتع هذه المرأة بعد أن صارت جميلة وغنية ببعض المتع المادية والحسية، ثم تزهد فيها، وتميل للمتع الروحية، فتتقرب الى الله، وتتعبد له، وتشعر بمتعة كبيرة في ذلك، وحين تموت لا يستطيع الشيطان ان يأخذ روحها؛ لكونها قد تطهرت من المعاصي قبل موتها.
(٤)
وترى أثر قصة فاوست ومعالجة جوتة لها في مسرحية فاوست في مسرح توفيق الحكيم كما رأينا أثر ذلك في قصصه.
ونرى هذا الأثر واضحا في مسرحية نحو حياة أفضل، ففي هذه المسرحية نرى مصلحا اجتماعيا يقرأ مسرحية فاوست لجوتة، وينام، ويحلم خلال نومه أنه قد أتاه الشيطان وعقد معه عهدا يلتزم فيه الشيطان بأن يجعل تلك القرية التي زارها ذلك المصلح الاجتماعي مع زوجته حديثة متطورة كالقرى الأوروبية، وأن ينصلح حال الفلاح فيها خلاف حال القرى المصرية وحال الفلاح فيها آنذاك، وفي مقابل ذلك يتعهد ذلك المصلح للشيطان أن يصدق في كل أقواله وأفعاله، وقد اشترط الشيطان على ذلك المصلح الاجتماعي هذا الشرط؛ لكونه يعرف عجز أكثر البشر عن الصدق، واستسهالهم طريق الكذب.
ونرى الشيطان في ذلك الحلم يجعل تلك القرية كالقرى الأوروبية في عمرانها وتطورها، ويعيش الفلاحون في بحبوحة من العيش فيها، فيطلب ذلك المصلح إلى الشيطان أن يصلح نفوس الفلاحين ودواخلهم وليس شكلهم الخارجي فقط، وذلك بأن يهتموا بالعمل وإتقانه وليس التمتع بالمتع المادية التي نتجت عن تطور قراهم وتحديثها، فيخبره الشيطان أن هذا ليس في مقدوره، ويستيقظ ذلك المصلح من نومه، ويدرك من ذلك الحلم أن إصلاح تفوس الناس لا يكون من خلال معجزات، ولكنه يحدث بجهود أمثاله من المصلحين الاجتماعيين ببث الوعي بين الناس وحثهم لتغيير أنفسهم للأفضل.
ونرى وجود ظلال قصة فاوست ومعالجة جوتة لها في مسرحية فاوست في مسرحية شهرزاد لتوفيق الحكيم، فشهريار في هذه المسرحية شأنه مثل فاوست، فهو قد رغب في الحصول على المزيد من المعارف، وقد جعلته قصص شهرزاد يدرك أهمية المعرفة بعد أن كان لا يعنيه غير متع الجسد، ونرى شهريار في هذه المسرحية يسلك عدة طرق للحصول على المعرفة، فيستعين بالسحر كفاوست، ثم نراه يرتحل في البلاد كالسندباد، وأخيرا نراه يدخن الحشيش في خان أبي ميسور واهما نفسه بأنه خلال سكره يكون قد تخلص من ثقل الجسد وعبء المكان، وصار يتلقى المعارف العليا.
ولا يشعر شهريار بيأس في هذه المسرحية من كونه لا يستطيع أن يصل للمعرفة الكاملة التي يطمح فيها، بل يواصل اليحث عنها، ويستعين بوسائل مختلفة خلال ذلك، ولكنه لا يلجأ للشيطان في ذلك خلاف ما فعله فاوست في الحكاية الشعبية المعروفة عنه.
(٥)
وهكذا نرى أن قصة فاوست ومعالجة جوتة لها في مسرحية فاوست أثرا بشكل واضح في بعض قصص توفيق الحكيم ومسرحياته، وكان هذا التأثر مباشرا في بعض هذه الأعمال، مثل: قصة عهد الشيطان، وقصة امرأة غلبت الشيطان، ومسرحية نحو حياة أفضل، وظهر بشكل غير مباشر في مسرحية شهرزاد.