محمد مزيد - خيانة

نظر أيوب الى المرآة، فلم ير وجهه، أصابه الذعر، لانه يرى الجدار خلفه في المرآة، ولا يرى وجهه؟
لا يريد ان يتسبب بالهلع لعائلته، زوجته وابنته الصغيرة النائمة في غرفة أخرى، ذهب الى مرآة الحمام، نظر الى وجهه، فلم يكن موجودا، أزداد خفقان قلبه ، المشكلة ليست في المرايا، بل في وجهه، ذهب الى غرفة النوم، مازالت زوجته تغط في نومها، حدق بمرآة منضدة الزينة، لا أثر لوجهه،أضاء مصباح الغرفة بأصابع مرتعشة ، كي يتأكد، رآى انه بلا وجه، استيقظت زوجته وتقدمت الى زر المصباح، لم تنظر اليه، بل الى المصباح الذي اضاء الغرفة، اطفأته، عادت الى النوم، مرت بقربه من دون أن تراه ، نظر الى جسده، وجده مختفيا كله، غطت زوجته في النوم ثانية. لاحظ تململها، خرج من الغرفة باشد حالات الذعر ، ذهب الى المطبخ اعد شايا بالحليب، شربه بغير متعة، أشعل سيجارته الصباحية، نفث الدخان نظر الى الدخان عبر المرآة ليتأكد من وجود وجهه، شاهده يخرج من مكان ما، لكنه لم ير وجهه، تحسس كل أعضاء جسده، صدره وبطنه وما تحتها، كل شيء موجود في مكانه، أمسك باشيائه الأخرى، فوجدها " الحمد لله، انها موجودة ". أستيقظت زوجته، جاءت الى المطبخ ولم تره حيث يجلس الى طاولة الطعام، فكر، انه إذا القى عليها تحية الصباح، ستشعر بالرعب، يعلم أن حساسيتها رهيفة، قالت " اين ذهب من الصبح؟ " تأكد انه مختف عن الوجود، لكن أعضاء جسده كلها سالمة ، قالت زوجته " يبدو انه ذهب قبل قليل، لأن رائحة سيجارته المكروهة تملأ المطبخ " أراد ان يضحك، غير انه وضع يده على فمه، ولكي لا يجعلها في قلق دائم ، كتب على ورقة " ذهبت الى الجوار بشأن يخص أحد أصدقائي لا تقلقي من غيابي " علق الورقة على مرآة فوق مغاسل المطبخ، أعدت زوجته لنفسها الشاي والبيض المقلي، قبل تناول فطورها، قرأت الورقة، هزت يدها " يا صديق هذا الذي جعلك تخرج من الصبح؟ أعرف سوالفك، تركض خلف النساء في كل اوقاتك " كتم ضحكة كادت تنفجر لسوء ظنها به، نهض، ذهب الى غرفة النوم، أستبدل منامته بملابس الخروج، وقبل أن يخرج، أطل ببصره من نافذة الصالة، فوجد الفاتنة التي يعشق جسدها منذ اشهر عديدة، مازالت تنتظر الباص الذي سيأخذها الى عملها، قرر أن يخرج ، تجول في الحديقة المجاورة للعمارة ، اقترب منه كلب سائب، في اذنه قراصة تدل على انه غير مؤذ، تشمم الارض قرب قدميه ، شم حذاءه ، نظر الكلب الى الفراغ ، حيث وجهه ، ثم نبح مرة واحدة وغادر مصطبته ، منذ ليلة البارحة لم ينم جيدا بسبب تلفون زوجته ، رنين متقطع ، ثم يسكن ، منذ زمن بعيد لايقنرب منها ، بسبب جرح الحرب ، هناك في المكان الحساس ، لا يريد ان يتذكر ما تسببه الجرح من الم في كبريائه ورجولته ، ها هو يشعر بالسعادة، لان الله عوضه اخيرا عن فقدانه للحياة ، بقدرته على رؤية اشياء لا يستطيع البشر ان يروها .. قرر العودة الى الشقة ، والعيش مع زوجته بالخفاء ، افضل له من العيش شبه رجل وهو لا يقدم ولا يؤخر ..
فتح باب الشقة، ثم أغلقه خلفه بهدوء، كي لا يُسمعها صوت الاغلاق، يشعر بالسعادة لانه لم يعد مرئيا من أحد، ، يشعر بالاتقاد، حرارة عالية صعدت الى رأسه، أمسك رأسه بكلتا يديه، فقال نعم رأسي موجود، لا احد سيراه بعد الان ، فتح باب الشرفة ، اطل على شرفة جارته الجميلة المثيرة ، علبة سجائره فارغة ، يمكنه شراء علبة آخرى من المحل تحت العمارة، نزل السلم بسرعة، دخل الى محل العطار، فلم يجده، لكنه سمع صوت ماكنة حلاقة كهربائية تدوي خلف باب يؤدي الى المخزن، اخذ علبته المفضلة، وضع المبلغ على سطح المعرض الزجاجي، ابتعد بسرعة ، خرج من المحل، دخن سيجارته، رآى الموظفة الجميلة التي يهواها مازالت تنتظر الباص، يتحسر على جمال جسدها التي تحتار كل يوم بابراز مفاتنه، جاءت الباص، صعدت الجميلة، ذهب الى شقته ، فتح الباب بهدوء ، بحث عن زوجته، فلم يجدها، لكنه وجد الورقة نفسها التي كتبها وعلقها على مرآة المغاسل في المطبخ، كانت قد كتبت زوجته تحت عبارته " انا في السوبر ماركت عزيزي" ، ذهب الى غرفة النوم ، سمع صوتها تتحدث بخفوت ، من دون ان تعلم بوجوده ، جلس يصغي الى حديثها . لم تكن في السوبر ماركت كما زعمت.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...