سعيد رفيع - حكايتي مع الفروج

من حفر حفرة لزوجته وقع فيها ، تلك هي الحكمة البليغة التي تعلمتها من الفروج.
الفروج كلمة صعيدية تعني الدجاج ومفردها فروجة أى دجاجة ، وحكايتي مع الفروج بدأت بعد أن كبر الأولاد . إذ بدأت زوجتي تشكو من الوحدة ، وشرعت تطالبني بأن أكف عن السفر والسرمحة لکي أجلس معها في البيت مثل كل الأزواج المحترمين.
ولأن حب السفر جزء لا يتجزأ من شخصيتي ، بل ومن سلوکیاتي التي لا استطيع الاستغناء عنها ، فقد شرعت أفكر في حيلة أشغل بها وقت زوجتي ، ومن هنا سارعت باصلاح الدش ، الذي تكاسلت عن إصلاحه ، مع التركيز على قنوات الدراما والتمثيليات ، ولكن هذه الحيلة لم تفلح كثيرا ، فبعد بضعة أسابيع من تركيب الدش عادت زوجتي تطالبني بأن أبقى معها في المنزل کي أشاركها الفرجة على التمثيليات.
كان لابد عندئذ من التفكير في حيلة أخرى أكثر ذكاء ، وخطر لي أن الفروج هو الحل ، ومن هنا بدأت فورا في اقناع زوجتي بحاجتنا الماسَّة لتربية الفروج ، خاصة وأن لدينا حوشا واسعا تمرح فيه الخيل، ولكن زوجتي لم ترحب بالفكرة ، بل رفضتها تماما ، بدعوى أن تربية الفروج شغلانة مرهقة ، فالفروج يحتاج إلى عشة ، والعشة تحتاج لمن يواظب على فتحها في الصباح واغلاقها في المساء، كما أن الفروج يحتاج إلى متابعة مستمرة وتزويده بالغذاء والماء طوال النهار .
ورغم معارضة زوجتي ، الا أنني نجحت في النهاية في اقناعها بأن تربية الفروج سوف تعود علينا بالنفع الكثير ، يكفي أن يمدنا الفروج بالبيض البلدي الطازج ، ويكفي أن نمتنع عن شراء الفروج الأبيض من السوق ، وحتی تقتنع زوجتي أكثر وعدتها بأنني لن أتخلى عنها ، بل سأعاونها في رعاية الفروج بقدر الإمكان.
وحتى أضمن أن تنشغل زوجتی تماما بالفروج ، وتتركني أتسرمح على مزاجی ، فقد قمت بشراء خمسين فروجة دفعة واحدة ، بعد أن بنيت عشة تتناسب مع هذا العدد الكبير ، وهكذا نجحت الخطة وساعدني أن زوجتي قد انشغلت بالفروج بالفعل ، وأصبح بإمكاني أن أسافر دونما اعتراض منها ، اذ لم يكن الفروج يكلفني في البداية أكثر من شراء كمية من الذرة البيضاء مرة واحدة في الأسبوع فقط.
ولكن سعادتي لم تستمر طويلا للأسف الشديد ، اذ سرعان ما عاودت زوجتي الشكوى ، وبدأت تطالبني بمساعدتها في رعاية الفروج كما وعدت ، ومن هنا بدأت متاعبي ، اذ اضطررت أولا لمساعدتها بفتح العشة صباحا واغلاقها مساء ، ورويدا رويدا أصبح فتح وأغلاق العشة من مسئولياتي أنا ، وليس من مسئوليات زوجتي، ثم تطور الأمر عندما أخبرتني زوجتي بأن الذرة البيضاء ليست كافية وحدها ، وأن التغذية السليمة للفروج تقتضي أن يتناول بعض الخضروات الى جانبها ، وهو ما يتطلب أن أمر يوميا على السوق ، لشراء كمية من الطماطم المفعصة والخضار البایت لکی يتناوله فروجنا العزيز الى جانب الذرة.
وهكذا تحولت دون أن أشعر إلى مجرد موظف عند الفروج ، بل وبدأت زوجتي تلاحقني بمشاكل الفروج عن طريق المحمول حتى أثناء وجودی خارج المنزل :
- الو .. انت فين يا حبيبي ؟
- في الشبان المسلمين .
- وبتعمل إيه في الشبان المسلمين ؟
- عندي ندوة.
- والندوة حتتأخر كتير ؟
- ليه .. فيه حاجه ؟
- أصل الفروج ما عندوش أكل .. ما تنساش وأنت راجع تجیب درة.
بل أن الحديث عن الفروج كان يلاحقني حتى أثناء زياراتي لعجائز العائلة من العمات والخالات :
- ازيك يا سعید ؟
-الحمد لله يا عمتی .
- عيالك وأمهم بخير ؟
- بخير يا عمتی .
- وفروجاتكم كويسين ؟
- كويسين يا عمتی .
ثم تصمت عمتي قليلا .. ولكن الحديث عن الفروج لايلبث أن يفرض نفسه من جديد :
- عندكم كام فروجة ياسعيد ؟
- حوالي خمسين ياعمتی .
- ما شاء الله .. وكلهم بيبيضوا ؟
- مش كلهم .. تلاتين فروجة بس .
- ماشاء الله .. ربنا يزيدكم يا ولدي .
وهكذا أصبحت مشغولا طوال اليوم بشئون الفروج : فتح وإغلاق العشة يوميا .. تزويد الفروج بالماء والذرة عدة مرات في اليوم الواحد .. المرور على السوق كل صباح لشراء الطماطم المفعصة والخضار البايت .. فك الاشتباكات المستمرة بين الديك الأحمر العكيس و الديك الأبيض الغلبان .. جمع البيض من العشة قبل أن تفترسه العرس والفئران .. مراقبة كل فروجة عليها بيضة حتى تضع بيضتها بسلام .. ثم أخيرا مطاردة القطط والغربان التي تحاول مهاجمة الفروج.
الميزة الوحيدة التي عادت عليَّ من الفروج هي أنني توقفت عن متابعة التليفزيون ، ونسيت مناظر نعوش الشهداء الفلسطينيين ، الذين يسقطون بيد الإحتلال الإسرائيلي الظالم ، ولم اعد حتى اتابع تصريحات الكاوبوي الأمریکی التي يتوعد فيها العرب والمسلمين.
ولكن رغم هذه الميزة الا أنني قررت أن أستقيل من وظيفتي كمسؤول عن الفروج .. بل واصدرت فرمانا بضرورة التخلص من الفروج بأسرع ما يمكن .. ورغم أن زوجتي عارضت الفكرة بشدة ، فقد اقسمت بأنني لن أسمح ببقاء فروجة واحدة في البيت . ولذلك فقد الزمت نفسي والعيال بتناول ثلاث فروجات يوميا على الغداء .. ولم تمر ثلاثة اسابيع حتی کنت احتفل بتحرير الحوش من أخر فروجة .. وبعدها مباشرة هرعت إلى التليفزيون لكي أعرف مايدور حول فلسطين وأفغانستان .. ولكن قبل أن أضغط على زر التليفزيون .. هبطت زوجتي فوق رأسي .. ثم بادرتنی قائلة :
- إيه رأيك يا حبيبي لو نشتري عنزه ؟!

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...