علي حزين - ذات صباح...

في الحديقة كنت جالساً لحالي , أستمتع بأشعة الشمس الدافئة , في أواخر فصل الشتاء تقريباً, والسماء كانت صافية, والدنيا هادئة, والجو بديع والدنيا ربيع, وكان الهواء النقي العليل يضرب وجهي ومعطفي الرمادي ويعبث بشعري وبأوراق الشجر, وكان الطير يحلق في جو السماء مبتهجاً سعيداً, والسحب تسير ببطء على وجه الماء, وكان كل شيء على ما يرام حينها أقبلت فراشة جميلة , وقفت أمامي , متوهجة , كشعلة ضوء , وأريج العطر يفوح منها ليملأ الأرجاء , وقَفتْ , ابتسمتْ , قالت :
ــ طاب صباحك سيدي ..
نظرت إليها على استحياء , والشمس كانت مبتسمة , وكانت جميلة, وبنات أفكاري حائرة في رأسي , لحظات أحاولت فيها أن أجمع شتات أفكاري, لأعصر فيها ذاكرتي المختلة التي كثيراً ما تخونني , أسترجع وجه كل فتاة مرت بي أو عرفتها في يومٍ ما , لعل وعسى أن أتذكرها, ولكني فشلت فشلاً زريعاً .. بلعت ريقي , وقلت لها والأفكار تعصف في رأسي :
ــ طاب صباحكِ سيدتي ..؟!,
فقالت لي والابتسامة الساحرة الجذابة توأم شفتيها , وهالة من النور راحت تحيط بها , وطاقة الشباب تملأها , وكأنها قرأت أفكاري الحائرة :
ــ أنت أكيد لا تعرفني ..!
ــ .........
تلعثمتُ , وأنا في حرج شديد , أومئت لها برأسي موكداً لها ذلك , وعينيَّ لم تستطع التحول عن وجهها الجميل الأخاذ , فأنا لم أجد لهذا الجمال مثيلاً في روعته وجماله, فسبحان من خلق وأبدع, وصور هذا الوجه الملائكي البريء , ثم ابتسمت لها قائلاً:
ــ هذا الوجه الجميل لم أره من قبل , وأظن أن لن أرى له مثالاً إلا في الجنة ,
فحمر وجهها خجلاً , وهي تمسك حقيبتها بيدٍ مرتعشة معجونة بالعاج الأبيض والمرمر ,
وأنا قد أخذتني الدهشة , ورحت أسأل نفسي في نفسي :
ــ من تلك الفتاة الجميلة التي داهمتني فجاءة , وأخذني وجهها الملائكي البريء علي حين غرة , وعطرها الأخاذ ذهب بي إلى بساتين من الدهشة والخيال ..؟ّ!!
اقتربت مني خطوة أو خطوتين, ولم تتركني أن أذهب بعقلي بعيداً أكثر من ذلك , والبسمة الجميلة على مُحيّاها تملأ الدنيا بهجة وسعادة, وبريق عينيها قد ازداد لمعاناً , ......
أخرجتْ كتاباً من حقيبتها , مدته إليَّ بنفس ذات اليد البض , وقد بدى عليها الارتباك والخجل وصوتها راح يقطر شهداً وقد أخذته رعشة جميلة, وأنا كلي فضول , واعجاب أشتم رائحتها,
سابحاً في زرقة عينيها , وقد أخذني الخيال كل مأخذ , ثم قالت لي :
ــ أكون سعيدة جداً لو تركت لي توقيعك على كتابك هذا.. ؟!,
أخذت كتابي من يدها , وأنا لا أدري أأشكره لأنه كان السبب في لقاءنا هذا, أم أحقد عليه لأنه معها يصحبها أنَّى ذهبتْ أو حلتْ , ابتسمتُ في نفسي وقلتُ .. يا ليتني كنت كتابي ..
ــ طبعاً , أكيد , بكل ممنونية ...
وقبل أن أُخرج القلم من جيبي, وجدتها قد مدت لي قلماً جميلاً , شكرتها , وأمسكت القلم, وداعبت مخيلتي , لأكتب لها شيئاً , فكرت للحظة , وهي لم تزل واقفة فوق رأسي , تنظر لي , والابتسامة الجميلة في وجهها نور وزهور , وتنتظر حتى أفرغ .. ووجدتني في حيرة من أمري , أردد في نفسي قائلاً في سري:... يا الهي ماذا أكتب لها ..؟!, نظرت إليها , سألتها , وكأن الكلام من رأسي قد اختفى : ــ ما اسمك ..؟,
ــ صباح
رددتُ عيني إلى كتابي الذي بين يديَّ, وقد سندته على فخذي, وأخذت أكتب لها مرتجلاً .. إهداء
" إلى فتاتي الصغيرة, تلك الوردة الجميلة العطرة, والفراشة الرشيقة , إلى أجمل صباح ..
أهدي إليكِ كتابي هذا, وقد أوصيته بكِ خيراً , وأن يكون لكِ خير صاحب ورفيق, ولتعلمي بأني قد كتبتُ لكِ عنك كثيراً من قبل أن أراكِ , وحين رأيتكِ تمنيتُ لو كنتُ التقيتكِ في زمان غير هذا الزمان , ومكان غير هذا المكان .. فشكراً لهذه اللحظات التي وهبها لنا القدر لنلتقي فهنيئاً لكتابي هذا لأنه معكِ .. ويا ليتني كنتُ كتابي .. "
ثم أمهرت الاهداء توقيعي , وأرّخته , ثم أغلقتُ الكتاب, وقدمته لها, فأمسكتْ الكتاب بيدها الجميلة , وفتحته لتقرأه .. فطلبتُ منها رجاءً , ألا تقرأه أمامي , فاحترمتْ رغبتي , وطوتْ كتابي في حقيبتها , ثم مدتْ يدها , تشكرني, بعدما سلَّمتْ عليَّ , وودعتني, وانصرفتْ ..
انصرفت لكن عطرها الفواح مازال يسري في وجداني , وصورتها طبعت في ذهني , وسحر عيناها راح يطاردني ورحت أبحث عنه في كل مكان , وأبحث عن عينيها وبسمتها وصوتها الذي سحرني , وقض مضجعي ,
انصرفتْ بعدما سكنتْ في كل خلايا جسدي , وانطبعتْ في ذاكرتي , وفي كل كرات دمي, وفي كل ذرة من ذرات جسدي .. انصرفتْ بعدما أصبح وصار وأمسى وبات خيالها يراودني حتى الأن في صحوي وفي نومي , ووجهها المخملي لم يزل محفوراً في مخيلتي إلى الأن يلاحقني في كل مكان ...........
******************************
على السيد محمد حزين ــ طهطا ــ سوهاج ــ مصر
تمت مساء الأحد 25 / 9 / 2022

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...