فوز حمزة - بين أبي وأمي.. قصة قصيرة

أغلقت حاسبتي الصغيرة و الكتاب الذي كنت أقرأ فيه لأذهب للنوم .. فالنعاس قد تمكن مني بعد تجاوز الليل منتصفه .. بينما الأفكار كانت تتجاذبني وأنا بين النوم واليقظة، سمعت همسًا قادمًا من الصالة .. الهمس بدأ يعلو قليلًا، تركت سريري وخرجت من الغرفة لاسترق السمع، يؤازرني الظلام فيما عزمت على فعله.
كان يبدو واثقًا من كلامه عندما تناهت إلى سمعي كلماته:
- لا تظني أبدًا إنكِ ستنجحين في إقصائي وأبعادي عنها. لطالما افصحت لي عن الراحة التي تستشعرها معي .. لن تستطيعي مهما بلغت من قوة، أن تحلي محل ذكرياتي معها.. أنا التي تلقفتها بين ذراعي هاتين، وهي لم تزل طفلة، فأين كنتِ من كل هذا ؟!
صدرت منها ضحكة استهزاء قصيرة قبل أن تقول له:
- الغرور سيقتلكَ بعد أن أعمى بصيرتك .. لا أنكر أن سطوتكَ في الماضي كانت محكمة عليها ليس بسبب قوتك، بل لأنك كنت الوحيد الذي تعرفه .. أما الآن .. عليك الاعترف أن الزمن قد تغير، بل عليك أن تطأطىء رأسك لرياحي التي غيرت المسار، وستحمل معها كل ما هو قديم لترميه خارج الزمن .. وجودك معي الآن، لا يعني مساواتك لي، ثم عن أي ذكريات تتحدث .. إنها ذكريات من ورق.
بحماس غير معتاد قال:
- كنت أنام إلى جانبها، لا أتركها إلا بعد أن تأخذها الأحلام مني .
بتهكم أجابت:
- هي الآن لا تفارقني ليل نهار.٠، تسألني عن كل صغيرة وكبيرة.
ساد صمت قصيرة بينهما قبل أسمعه يقول:
- ما رأيكِ في ترك أمر الاختيار لها؟
قالت على مضض:
- أنا أيضًا أرى ذلك، علينا بحسم الأمر وإنهاء هذا الجدل العقيم.
جلست على الأرض مغتمة من حديثهما الذي يتخلله الكثير من الانفعال .. أفكر هل حقًا لزامًا عليّ اختيار أحدهما، حياتي تستقيم مع الاثنين .. عليهما إدراك ذلك.
بهدوء، ودون أن أحدث صوتًا، جلست بينهما .. قلت له بينما يدي تمسد على أعلى جبهته:
- لم أعش مراهقة طائشة، لم أغرق كما الفتيات بأشياء سخيفة، لم يعرف الملل طريقه إلى روحي .. حصل ذلك كله بفضلك .. معك كنت أكبر كل يوم عامًا كاملًا .. من خلال عينيك نظرت إلى العالم.
حديثي بعث الابتسامة على محياه.
التفت أبحث عن نظارتي، وحينما ارتديتها قلت لها بحنان، بينما يدي تستشعر ملمسها الناعم:
- أما أنتِ .. يكفي أن أصفك بالمعجزة.
ثم وجهت حديثي لهما:
- هل حقًا تنتظران مني الاختيار بينكما؟ كيف يمكن للمرء الفصل بين ماضيه وحاضره؟ .. ها .. أجيباني !!
نهضت من مكاني، بينما الضياء الساطع بدأ يغمر المكان .. نظرت إلى كتابي والحاسبة .. أرسلت لهما قبلة في الهواء، قبل أن أغيب داخل فراشي.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...