هجيرة نسرين بن جدو - جدتي وعقد الياسمين.

... أتذكر جيدا عندما كانت جدتي تستيقظ في الصباح الباكر لتصلي الفجر ثم تذهب مباشرة إلى المطبخ لتحضر فطور الصباح، كنت و جدتي نتشارك نفس الغرفة و أحيانا نفس السرير عندما أشعر بتوعك، بمجرد أن تجهز القهوة ، تضع الصينية المزينة بعراقة الماضي على الطاولة الموجودة في غرفتها، تفتح النافذة على مصراعيها للتهوية... تحت بطانيتي؛ كنت أسترق بعض النظرات، أراها عندما تخرج إلى الشرفة لتقطف بعض أزهار الياسمين التي زرعتها في إصيص كبير من طين منذ فترة طويلة، كانت تضع الأزهار فوق أسرتنا بعد أن تقوم بترتيبها، بعضها على الطاولة والبعض الآخر تصنع منه قلادات و ذلك أثناء الإستمتاع بقهوتها، كانت الجدة "خيرة" أنيقة للغاية، وكانت تعد لكل منا عقده: "هذا العقد لوالدك.... هذا عقد آخر لوالدتك.... أما لك فقد صنعت طاقما كاملا سيعطرك طوال اليوم.... أتسمعينني؟... هل استيقظت؟... اذهبي لتغتسلي وتعالي لتحتسي قهوتك معي..."
كنت أستيقظ بفرح كبير و أشرب قهوتي بسرعة ،فقط لأرتدي طاقم الياسمين الذي أعدته لي الجدة، بالنسبة لي كان أجمل من طاقم الذهب.
كانت جدتي تعتني بي كل يوم، تغير لي ثيابي، تمشط شعري الذهبي الطويل ، و تعطرني بطاقم الياسمين الذي تصنعه لي كل صباح.
عاشت جدتي قرنا كاملا من العطاء و المعرفة، و عندما توفيت لم تترك وراءها سوى ذكريات جميلة تعطر كل ركن من أركان بيتنا، و عطر الياسمين الذي تدغدغ رائحته أنفي في كل مرة أذكر فيها جدتي.

هجيرة نسرين

تعليقات

ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...