لم أعد إلى البيت هذا المساء، أيتها المرأة العذبة، لا تظني أنني ذهبت إلى البحر.
فأنا أحب البحر في عري النهار، حين تسقط الشمس حارقة كالفضيحة.
ابحثي عني في مكان آخر !
إذا لم أعد إلى البيت هذا المساء، لا تتصوري أنني ذهبت أرتاد الغابات. فانا أحب الغابة في الصباح، حين تكون الأوراق في الشجر منداة، وغبش الفجر متسربلا في أمواج دخان من الضباب الأبيض.
ابحثي عني في مكان آخر !
إذا أوغل المساء في ظلام الليل، ولم اعد إلى البيت، أيتها البنت الصغيرة الواقفة على الشرفة، بكتاب المطالعة الرشيدة والنحو الواضح بأسئلتهما الملتبسة، لا تظني، أنني تعثرت في درج البارات، فأنا لا أحب أن أهرب همومي إلى الاقبية، ولا أن اصادر محنة الوعي بإغراقها في متاهات النسيان المؤقت وحبات الفاليوم المسكنة لندوب الروح. فكي طلاسم أسئلتك بشجاعة.. وابحثي عني في مكان آخر !
إذا لم أعد إلى البيت هذا المساء، في موعدي بين العشاءين، لا تظني، أيتها السيدة التي أثقلها الحزن، أنني اعتكفت. تعرفين أنني لا أغالب هذا الدين حتى لا يغلبني، وتعرفين أنهم، منذ بعض زمان، يقفلون أبواب المساجد بالاقفال الحديدية الثقيلة، ولم تعد، كما نذكر، ملجأ الغريب وعابري السبيل من ضيوف الله.
ابحثي عني في مكان آخر !
إذا لم أعد إلى البيت، وقد جاء المساء ينهي دورة أخرى من دورات الشمس، واشتعلت شموخ الأكواخ وثريات القصور، لا تظني أن ساحرة البحر "عائشة قنديشة" قد أغوتني في مفترق طريق، وأخذتني إلى مملكتها العجائبية، فانت تعترفين أنني أخاف الكلاب وأطياف جنيات الليل.
وابحثي عني في مكان آخر !
وإذا جاء هذا المساء، وأنا بعد لم أطرق باب البيت، لا تظني أنني تهت عن الطريق، فانا أعرفه مغمض العينين، يقودني إليه التعب والفرح والشوق.
ابحثي عني في مكان آخر !
.......
وإذا عاد المساء ولم أعد.
لا تبحثي عني في قسم المستعجلات. ولا تزعجني أحدا من الأصدقاء والأهل. ولا تفكري في رفع دعوى ضد مجهول.
إذا عاد المساء ولم أعد..
لا تصدقي إذا قالوا لك: إنني انتحرت، فانت تعرفين أنني أحب الحياة.. أحبها كثيرا وعميقا..
---------------------------------------------
* مصدر المقالة: بخط اليد، عبد الجبار السحيمي، سلسلة شراع، العدد: 3، سنة النشر: ماي 1996
فأنا أحب البحر في عري النهار، حين تسقط الشمس حارقة كالفضيحة.
ابحثي عني في مكان آخر !
إذا لم أعد إلى البيت هذا المساء، لا تتصوري أنني ذهبت أرتاد الغابات. فانا أحب الغابة في الصباح، حين تكون الأوراق في الشجر منداة، وغبش الفجر متسربلا في أمواج دخان من الضباب الأبيض.
ابحثي عني في مكان آخر !
إذا أوغل المساء في ظلام الليل، ولم اعد إلى البيت، أيتها البنت الصغيرة الواقفة على الشرفة، بكتاب المطالعة الرشيدة والنحو الواضح بأسئلتهما الملتبسة، لا تظني، أنني تعثرت في درج البارات، فأنا لا أحب أن أهرب همومي إلى الاقبية، ولا أن اصادر محنة الوعي بإغراقها في متاهات النسيان المؤقت وحبات الفاليوم المسكنة لندوب الروح. فكي طلاسم أسئلتك بشجاعة.. وابحثي عني في مكان آخر !
إذا لم أعد إلى البيت هذا المساء، في موعدي بين العشاءين، لا تظني، أيتها السيدة التي أثقلها الحزن، أنني اعتكفت. تعرفين أنني لا أغالب هذا الدين حتى لا يغلبني، وتعرفين أنهم، منذ بعض زمان، يقفلون أبواب المساجد بالاقفال الحديدية الثقيلة، ولم تعد، كما نذكر، ملجأ الغريب وعابري السبيل من ضيوف الله.
ابحثي عني في مكان آخر !
إذا لم أعد إلى البيت، وقد جاء المساء ينهي دورة أخرى من دورات الشمس، واشتعلت شموخ الأكواخ وثريات القصور، لا تظني أن ساحرة البحر "عائشة قنديشة" قد أغوتني في مفترق طريق، وأخذتني إلى مملكتها العجائبية، فانت تعترفين أنني أخاف الكلاب وأطياف جنيات الليل.
وابحثي عني في مكان آخر !
وإذا جاء هذا المساء، وأنا بعد لم أطرق باب البيت، لا تظني أنني تهت عن الطريق، فانا أعرفه مغمض العينين، يقودني إليه التعب والفرح والشوق.
ابحثي عني في مكان آخر !
.......
وإذا عاد المساء ولم أعد.
لا تبحثي عني في قسم المستعجلات. ولا تزعجني أحدا من الأصدقاء والأهل. ولا تفكري في رفع دعوى ضد مجهول.
إذا عاد المساء ولم أعد..
لا تصدقي إذا قالوا لك: إنني انتحرت، فانت تعرفين أنني أحب الحياة.. أحبها كثيرا وعميقا..
---------------------------------------------
* مصدر المقالة: بخط اليد، عبد الجبار السحيمي، سلسلة شراع، العدد: 3، سنة النشر: ماي 1996