أحضن خوفي كل مساءٍ وفي فنجاني طعم السنين، تحدق بي الصور وتصغي إلى دندنتي، تتحرر من إطارها، تهطل كالدموع وتتناثر من حولي كأوراق الشجر فيما أسترق النظر من خلف نافذتي على صبيةٍ يلهون بالتراب والكرة، تطاردهم نظراتي كما تطارد الغروب وتذكر نسيم (العصر) الذي صاحبني عمراً دون أن يحادثني، محملاً بريح الغربة التي تخترقني وتلفني وتمر بجواري وكأنني بعضٌ من سراب..
لا أغادر مقعدي أو شرفتي ولا أملُ من مشاهدي التي تلونها السماء بفرشاتها ويتعلق قلبي بها أكثر من ذكرياتي، بتلك اللحظات التي ظننتها ذخيرتي قبل أن أدرك أنها لم تكن يوماً لي، تماماً كما ملامحي التي لم أخترها وابتسامتي التي أغلق شفتاي عليها خوفاً من مصادرتها، لتختنق وسط كلماتٍ لم أستطع قولها وأغنياتٍ خفت من ترديدها أمام عقارب الساعة التي خانتني بأناقةٍ ونعومة، وتركتني أغرق في ليلٍ من الحزن الشاسع على مد البصر دون أن أبتل وأرتحل من شتاءٍ لآخر، ووحده البرد من لا يخون أو يشارك فراشي مع الغرباء ويعرف معنى أن أبوح له بأحلامي المستحيلة التي أخفيتها عن البشر، بعيداً عن كلماتهم ونزواتهم التي لا تنتهي، فهي لا تتحدث لغتهم ولا تعيش في عالمهم ولا تقف عند حدود ترسمها كذبتهم..
فلا يعرف أحدهم معنى أن تنتمي روحك لزمنٍ يرفضه عقلك ويختنق فيه جسدك، تغمض عينيك في كل ليلةٍ بحثاً عن قلبك، قلبك الذي سقط منك كما طفولتك وأنت تعبر الطريق بحثاً عن رفيق.. لم تجده ولم تجد ما سقط منك بينما كنت ترسم ابتسامةً على جدران الحياة المهجورة، تخاف من مدينةٍ غارقةٍ في مساحيق التجميل يناقض كل وجهٍ فيها الآخر، تترك طيورها وأطفالها لموتٍ رمادي يلتهمهم بين بردٍ وجوع، تشيعهم بفستانها المثير وشعرها الأحمر الناري، تبكي عليهم (بسرعة) قبل موعدها التالي ويبدو ادخار بعض العاطفة فيها قبل العاصفة المقبلة نوعاً من الجنون، تماماً كالبحث عن الراحلين في ملامح من لا يعرفونهم ورؤية آثارهم في أرضٍ لم تطأها أقدامهم، في ليلٍ جمعنا بعطرهم ووهبنا شيئاً من رائحتهم التي سكنتنا حتى سلبتنا حلمنا، طريقنا وحتى خطانا..
في عالم من ضوءٍ ورمال، جراحٍ وملح، دموعٍ وصمت، وأحلامٍ لا تنتهي بالعيد، في مكانٍ ما بين الأمس واليوم يرويه حنينٌ بملمس المخمل والضباب ومعزوفةٌ تتناثر في الوجدان كحبات البرد التي لا تذوب ولا تبقى..
خالد جهاد..
لا أغادر مقعدي أو شرفتي ولا أملُ من مشاهدي التي تلونها السماء بفرشاتها ويتعلق قلبي بها أكثر من ذكرياتي، بتلك اللحظات التي ظننتها ذخيرتي قبل أن أدرك أنها لم تكن يوماً لي، تماماً كما ملامحي التي لم أخترها وابتسامتي التي أغلق شفتاي عليها خوفاً من مصادرتها، لتختنق وسط كلماتٍ لم أستطع قولها وأغنياتٍ خفت من ترديدها أمام عقارب الساعة التي خانتني بأناقةٍ ونعومة، وتركتني أغرق في ليلٍ من الحزن الشاسع على مد البصر دون أن أبتل وأرتحل من شتاءٍ لآخر، ووحده البرد من لا يخون أو يشارك فراشي مع الغرباء ويعرف معنى أن أبوح له بأحلامي المستحيلة التي أخفيتها عن البشر، بعيداً عن كلماتهم ونزواتهم التي لا تنتهي، فهي لا تتحدث لغتهم ولا تعيش في عالمهم ولا تقف عند حدود ترسمها كذبتهم..
فلا يعرف أحدهم معنى أن تنتمي روحك لزمنٍ يرفضه عقلك ويختنق فيه جسدك، تغمض عينيك في كل ليلةٍ بحثاً عن قلبك، قلبك الذي سقط منك كما طفولتك وأنت تعبر الطريق بحثاً عن رفيق.. لم تجده ولم تجد ما سقط منك بينما كنت ترسم ابتسامةً على جدران الحياة المهجورة، تخاف من مدينةٍ غارقةٍ في مساحيق التجميل يناقض كل وجهٍ فيها الآخر، تترك طيورها وأطفالها لموتٍ رمادي يلتهمهم بين بردٍ وجوع، تشيعهم بفستانها المثير وشعرها الأحمر الناري، تبكي عليهم (بسرعة) قبل موعدها التالي ويبدو ادخار بعض العاطفة فيها قبل العاصفة المقبلة نوعاً من الجنون، تماماً كالبحث عن الراحلين في ملامح من لا يعرفونهم ورؤية آثارهم في أرضٍ لم تطأها أقدامهم، في ليلٍ جمعنا بعطرهم ووهبنا شيئاً من رائحتهم التي سكنتنا حتى سلبتنا حلمنا، طريقنا وحتى خطانا..
في عالم من ضوءٍ ورمال، جراحٍ وملح، دموعٍ وصمت، وأحلامٍ لا تنتهي بالعيد، في مكانٍ ما بين الأمس واليوم يرويه حنينٌ بملمس المخمل والضباب ومعزوفةٌ تتناثر في الوجدان كحبات البرد التي لا تذوب ولا تبقى..
خالد جهاد..