قلة ممن يكتبون روايات تدور أحداثها في أمكنة غريبة عنهم، ولم يزورونها يوما، معتمدين على ما يجمعونه من معلومات ومنهم من يمتطي الخيال. العطار نسجت روايتها الثانية "غواية روح" معتمدة على البحث المسبق حول تفاصيل المكان، لتنسج أحدث روايتها بداية من "الدوحة" مجنحة بخيالها لتصف لنا السجن الذي سجن فيه "صلاح" الشخصية المحورية في عملها، وذلك السوق "واقف" بمحلاته ومقاهيه. سوق تراثي يمثل للكثيرين مقصد سياحي وترفيهيا.
الكاتبة شاعرة وناقدة، تستهويها كتابة الرواية بعد الشعر، ثم النقد. وهي تكتب الرواية بنضج واضح، ممتلكة قدرة على الحكي الشيق، ومناقشة قضايا في غاية الأهمية.
تنطلق العطار في أحداث "غواية رواح" من لحظة خروج "صلاح" من سجن قضى خلف جدرانه سنوات طويلة. لم يكن شخصية عادية بل شاب طموح ونجم من نجوم الرياضة. والأمر المحير أن تخلى عنه الجميع، أصدقاءه، بل ووالده مدرس الجامعة ووالدته وأخوته. من خلال مأساة صلاح تسلط الرواية الضوء على قضية الهوية، وذلك التناقض الذي تعيشه المجتمعات العربية وبالذات الخليجية، ضياع للحقوق وامتهان لإنسانية الإنسان. تذكرنا هذه الرواية بعدة روايات عربية ناقشت الهوية، وأبرزها رواية الكويتي "سعود السنعوسي"،وروايات أخرى ناقشت ذات القضية وإن من زوايا مختلفة.
صلاح تلده أمه في دولة قطر، ويعيش طفولته وصباه فيها وشبابه فيها، بل ويصبح ممثلا لها في المحافل الرياضية. ولا يعرف وطنا غير ما هم فيه، إلا أن المجتمع يظل يعامله كغريب. حتى كاد أن يحصل على التجنس، ليس بسبب مولده وسنوات عمره التي عاشها هناك، بل لتفوقه في مجال كمال الأجسام، ولحاجتهم ليمثل البلد في المسابقات الرياضية كقطري.
أن يعيش فرد سنوات وسنوات ولا يعرف مجتمع غير مجتمعه ثم يجد نفسه دون وطن، دون حقوق دون مستقبل.
الرواية تناقش قضية أخلاقية. ليست قضية صلاح بل ملايين العرب، ولا تقتصر القضية على قطر بل تمتد إلى جميع دول الخليج والوطن العربي. لنكتشف ما تمارسه الأنظمة على مجتمعاتها العربية. فما يرددونه وما تروجه الأجهزة الإعلامية العربية حول أمة واحدة ومستقبل واحد. حول التكامل والتواشج يظهر بأنه محض هراء وأنها لا تراعى مصالح المواطن العربي، بل ترعى مصالح من يتسلطون على ثروات ومقدرات تلك الدول، ويظل المواطن العربي غريبا مطارد.
ذكرتنا هذه الرواية بتشرد الملايين العربية بداية من سورية، مرورا بالعراق واليمن، ممن فروا خوفا من الحروب، عابرين القفار والبحر بحثا عن الأمان، وتلك الدول لها حدود طويلة مع دول خليجية، لكنه الرصاص ينتظر من حاول عبور الحدود بحثا عن أمان. وبالتالي يتجهون إلى قارات بعيدة بالملايين.
"غواية روح" الصادرة حديثا عن دار المفكر العربي بالقاهرة، تذهب بقارئها إلى نبش في ذاكرته حول أوضاعنا كعرب، وتلك العلاقات والمعاملات الشائكة التي تمارسها أجهزة الدول القمعية على رعايا يرددون بأنهم أشقاءهم. رواية تبعث فينا تساؤلات شتى حول الهوية العربية ودعاة القومية، وأبواق تجار الدين.
غواية روح صرخة في ليل عربي دامس، ليست حالة صلاح إلا حالة الملايين ممن يعيشون مشطري الهويات، فلا مجتمع المنشأ أحتضنهم، ولا يعرفون مجتمع هاجر منه أباءهم، وإن عادوا إليه سيعيشون غربة مضاعفة، حيث تجابههم عادات وتقاليد غير مألوفة لديهم، بل وينظر إليهم كغرباء وطارئين.
وعودة على بدئ، العنوان، "غواية" و "روح" غواية مفردة أرادت الكاتبة أن تذهب بقارئها إلى معان شتى، ثم تأتي روح لتحد من تناسل التأويلات، مضيفة دلالات روحية، ليست ذات صلة بالحسية. وذلك بعد جمع المفردتين تختلف من قارئ إلى آخر في الوصول إلى معانيها. إضافة إلى أن العنوان أقرب لأن يكون عنوان نص شعري. أو لمجموعة نصوص وجدانية. ومن المعروف أن الكاتب بعد انتهائه من صياغة عمله، يحتار في وضع عنوان يرضيه، ليقع في شرك عدة خيارات، محتارا أيها أفضل، اللافت، والمعبر، مثير التساؤلات بغموضه. ومع ذلك وفقت الكاتبة في عنوان يحمل دلالات عدة.
وإن عرجنا على الإهداء، سنجده غير تقليدي: "إلى الباحثين عن حقيقة الأمان، الحالمين بحياة وهم موتى، العازفين عن تبني أمل، المتشوقين لصراع دون ضرر..
أهديكم ورد أفكاري". ذلك ما خطته الكاتبة في صفحاتها الأولى لتزيد التساؤلات.
من يقرأ حياة صلاح غي هذا العمل يشعر بأن هذه الشخصية حقيقية، وتلك الاحداث حقيقية، أو معظمها. وذلك قد يعود لمقدرة الكاتبة على الكتابة بصدق فني عميق. أن يمسك الكاتب بطرف خيط حكاية سمعها ممن حوله، أو تلفت انتباهه شخصية بغرائبيتها، أو ثراء حيواتها. ليلتقط ذلك ناسجا بداية عمله من واقع معاش، ثم يحلق بخياله إلى أفاق التشويق، مقدما عملا يدهش الجميع. وذلك دال على موهبة وقدرات لا يمتلكها إلا قلة من الأدباء. قدرات مزج الواقع بالمتخيل. مضيفا رؤى إنسانية عميقة كما في غواية روح. تحسب للكاتبة. بفنيات منتهجة لإخراج العمل ببناء لافت. أنا على يقين بأن القارئ سيشارك الكاتبة خيالها، وقد اصطحبته إلى عوالم لم يألفها في أي عمل سابق.
أراها قبل أن تبدأ بنسج هذا العمل، تقف مفكرة أمام عدة خيارات وطرائق لإخراجه في هذا القالب السلس والرائع، ضمنيا وفنيا. ذلك يقودنا إلى أن نتخيل الكاتبة أثناء كتابتها لهاذ العمل، تقلب خياراتها، بداية بالعنوان، مرورا بالإهداء إلى أحداث المتن، تلك التي تدور بدايتها في الدوحة، ثم بيروت لتنتهي في القاهرة، مستخدمة التقديم والتأخير من خلال ذكريات صلاح تلك التي يعود بالقارئ إلى ماضي أيامه لمزيد من الإضاءة وتنوير القارئ.
تتعدد الشخصيات، لتتنوع الحكايات، وتلك العلاقات المتداخلة بينها. الأحداث التي توزعت على ثلاث عواصم عربية، لماذا الدوحة بيروت القاهرة بالذات، فالدوحة برمزيتها الخليجية، تدعونا إلى استدعاء العديد من المفاهيم حول التوجهات الخليجية. بيروت عاصمة الرقي الفعلي، بل أنها تأخذ رمزيتها وسط دول تتصارع دوما، رمزية باريس عاصمة النور والثقافة والفن في الوسط الأوربي. ثم القاهرة، القلب النابض بوهجها العظيم، كل ذلك يشير إلى أبعاد عديدة لفهم ما ترمي إليه رواية العطار من توجهات وتنوعات اجتماعية وسياسية.
أنساق حكائية مدهشة. قُطبها صلاح، كضحية لسلبية أب وتحجر قلب أم، وديكتاتورية أنظمة. فماذا أرادت العطار قوله بتقديمها لأم بتلك السمات الغير متسقة مع طبيعة الأمومة. واقتران ذلك بضياع الهوية. مقرون بالتسلط السياسي. رامزة إليهما كعملة بوجهين؟. إذ تعود القارئ أن يقرأ أب متسلط دوما، فارضا قناعاته على أفراد أسرته، صراع الأجيال ممثلا بهيمنة الأب، ورفض الأبناء ورغبتهم بالتمرد، أن يتخلصوا من ظله وتعنته، بل وأن يسعوا لقتله في أعماقهم، ليصنعوا حيواتهم دون وصي.
في هذا العمل نجد السلطة الأمومية بديلة للسلطة الأبوية، تلك التي تتطابق مع السلطة السياسية الدكتاتورية، لتلتبس صورة الأم أو تتماهى بصورة الديكتاتور العربي. ما يشير إلى مساهمتها بضياع الهوية من خلال شخصية صلاح.
ختاما لهذه الأسطر القليلة في حق رواية تستحق العديد من الدراسات النقدية، أشير إلى جانب فني متمثلا في استخدام الكاتبة طريقة التصاعد الزمني لسرد أحدث روايتها، مع العودة إلى الماضي من خلال سرد صلاح لذكريات حياته بين فينة وأخرى، وذلك ما أدى إلى كسر رتابة السرد التصاعدي زمنيا. كما استخدمت تداعيات الشخصيات، حين تحاور الشخصية ذاتها حول رؤاها، وأوضاع تعيشها. وذلك أسلوب من أساليب الرواية الحديثة، أن يتعرف القارئ على شخصيات العمل ليس من خلال الوصف الخارجي، بل برؤاه الشخصية لما يحيطه، ولتلك المفاهيم التي تجعل القارئ يتعرف على أعماقه. تفكيره، مفهومه للوجود، ونظرته لمحيه ولذاته...
لنتعرف ونتساءل: هل صلاح جلاد، وقد قرأنا حياته بداية بتجبر أمه مرورا بتألقه كنجم رياضي مرورا بعلاقاته المشبوهة، ثم بسجن مبكر، أم أنه ضحية!.
تساؤل تفرضه تلك الأحداث المتدخلة التي عاشها صلاح كمواطن عربي. يشبه في ظروفه ملايين الشباب العرب من يعيشون تحت أنظمة تمتهن الكذب على شعوبها.
نهاية الرواية يبزغ الأمل، بعد أن أسودت الدنيا في عيني صلاح، بصديقه هاني أحد رجال طارق الذي سامه سوء العذاب واراد انها حياته، هاني الذي خدعه بداية الأمر يقول له: "أرجوك أسمع مني هذه المرة وأطلق ساقيك للريح، لا تنظر وراءك، مصر كبيرة وتستطيع احتضان كل الفارين من أقدارهم...". ثم دس في كفه قصاصة بها عنوان المصحة التي ترقد فيها ابنته سلوى، ليزورها.
تأتي الخاتمة لتزرع الكاتبة الأمل، بعد أكثر سعادة على أرض مصر. بعد أن أراد له زوج طليقته نسمة الموت.
القاهرة . المصري اليوم
الكاتبة شاعرة وناقدة، تستهويها كتابة الرواية بعد الشعر، ثم النقد. وهي تكتب الرواية بنضج واضح، ممتلكة قدرة على الحكي الشيق، ومناقشة قضايا في غاية الأهمية.
تنطلق العطار في أحداث "غواية رواح" من لحظة خروج "صلاح" من سجن قضى خلف جدرانه سنوات طويلة. لم يكن شخصية عادية بل شاب طموح ونجم من نجوم الرياضة. والأمر المحير أن تخلى عنه الجميع، أصدقاءه، بل ووالده مدرس الجامعة ووالدته وأخوته. من خلال مأساة صلاح تسلط الرواية الضوء على قضية الهوية، وذلك التناقض الذي تعيشه المجتمعات العربية وبالذات الخليجية، ضياع للحقوق وامتهان لإنسانية الإنسان. تذكرنا هذه الرواية بعدة روايات عربية ناقشت الهوية، وأبرزها رواية الكويتي "سعود السنعوسي"،وروايات أخرى ناقشت ذات القضية وإن من زوايا مختلفة.
صلاح تلده أمه في دولة قطر، ويعيش طفولته وصباه فيها وشبابه فيها، بل ويصبح ممثلا لها في المحافل الرياضية. ولا يعرف وطنا غير ما هم فيه، إلا أن المجتمع يظل يعامله كغريب. حتى كاد أن يحصل على التجنس، ليس بسبب مولده وسنوات عمره التي عاشها هناك، بل لتفوقه في مجال كمال الأجسام، ولحاجتهم ليمثل البلد في المسابقات الرياضية كقطري.
أن يعيش فرد سنوات وسنوات ولا يعرف مجتمع غير مجتمعه ثم يجد نفسه دون وطن، دون حقوق دون مستقبل.
الرواية تناقش قضية أخلاقية. ليست قضية صلاح بل ملايين العرب، ولا تقتصر القضية على قطر بل تمتد إلى جميع دول الخليج والوطن العربي. لنكتشف ما تمارسه الأنظمة على مجتمعاتها العربية. فما يرددونه وما تروجه الأجهزة الإعلامية العربية حول أمة واحدة ومستقبل واحد. حول التكامل والتواشج يظهر بأنه محض هراء وأنها لا تراعى مصالح المواطن العربي، بل ترعى مصالح من يتسلطون على ثروات ومقدرات تلك الدول، ويظل المواطن العربي غريبا مطارد.
ذكرتنا هذه الرواية بتشرد الملايين العربية بداية من سورية، مرورا بالعراق واليمن، ممن فروا خوفا من الحروب، عابرين القفار والبحر بحثا عن الأمان، وتلك الدول لها حدود طويلة مع دول خليجية، لكنه الرصاص ينتظر من حاول عبور الحدود بحثا عن أمان. وبالتالي يتجهون إلى قارات بعيدة بالملايين.
"غواية روح" الصادرة حديثا عن دار المفكر العربي بالقاهرة، تذهب بقارئها إلى نبش في ذاكرته حول أوضاعنا كعرب، وتلك العلاقات والمعاملات الشائكة التي تمارسها أجهزة الدول القمعية على رعايا يرددون بأنهم أشقاءهم. رواية تبعث فينا تساؤلات شتى حول الهوية العربية ودعاة القومية، وأبواق تجار الدين.
غواية روح صرخة في ليل عربي دامس، ليست حالة صلاح إلا حالة الملايين ممن يعيشون مشطري الهويات، فلا مجتمع المنشأ أحتضنهم، ولا يعرفون مجتمع هاجر منه أباءهم، وإن عادوا إليه سيعيشون غربة مضاعفة، حيث تجابههم عادات وتقاليد غير مألوفة لديهم، بل وينظر إليهم كغرباء وطارئين.
وعودة على بدئ، العنوان، "غواية" و "روح" غواية مفردة أرادت الكاتبة أن تذهب بقارئها إلى معان شتى، ثم تأتي روح لتحد من تناسل التأويلات، مضيفة دلالات روحية، ليست ذات صلة بالحسية. وذلك بعد جمع المفردتين تختلف من قارئ إلى آخر في الوصول إلى معانيها. إضافة إلى أن العنوان أقرب لأن يكون عنوان نص شعري. أو لمجموعة نصوص وجدانية. ومن المعروف أن الكاتب بعد انتهائه من صياغة عمله، يحتار في وضع عنوان يرضيه، ليقع في شرك عدة خيارات، محتارا أيها أفضل، اللافت، والمعبر، مثير التساؤلات بغموضه. ومع ذلك وفقت الكاتبة في عنوان يحمل دلالات عدة.
وإن عرجنا على الإهداء، سنجده غير تقليدي: "إلى الباحثين عن حقيقة الأمان، الحالمين بحياة وهم موتى، العازفين عن تبني أمل، المتشوقين لصراع دون ضرر..
أهديكم ورد أفكاري". ذلك ما خطته الكاتبة في صفحاتها الأولى لتزيد التساؤلات.
من يقرأ حياة صلاح غي هذا العمل يشعر بأن هذه الشخصية حقيقية، وتلك الاحداث حقيقية، أو معظمها. وذلك قد يعود لمقدرة الكاتبة على الكتابة بصدق فني عميق. أن يمسك الكاتب بطرف خيط حكاية سمعها ممن حوله، أو تلفت انتباهه شخصية بغرائبيتها، أو ثراء حيواتها. ليلتقط ذلك ناسجا بداية عمله من واقع معاش، ثم يحلق بخياله إلى أفاق التشويق، مقدما عملا يدهش الجميع. وذلك دال على موهبة وقدرات لا يمتلكها إلا قلة من الأدباء. قدرات مزج الواقع بالمتخيل. مضيفا رؤى إنسانية عميقة كما في غواية روح. تحسب للكاتبة. بفنيات منتهجة لإخراج العمل ببناء لافت. أنا على يقين بأن القارئ سيشارك الكاتبة خيالها، وقد اصطحبته إلى عوالم لم يألفها في أي عمل سابق.
أراها قبل أن تبدأ بنسج هذا العمل، تقف مفكرة أمام عدة خيارات وطرائق لإخراجه في هذا القالب السلس والرائع، ضمنيا وفنيا. ذلك يقودنا إلى أن نتخيل الكاتبة أثناء كتابتها لهاذ العمل، تقلب خياراتها، بداية بالعنوان، مرورا بالإهداء إلى أحداث المتن، تلك التي تدور بدايتها في الدوحة، ثم بيروت لتنتهي في القاهرة، مستخدمة التقديم والتأخير من خلال ذكريات صلاح تلك التي يعود بالقارئ إلى ماضي أيامه لمزيد من الإضاءة وتنوير القارئ.
تتعدد الشخصيات، لتتنوع الحكايات، وتلك العلاقات المتداخلة بينها. الأحداث التي توزعت على ثلاث عواصم عربية، لماذا الدوحة بيروت القاهرة بالذات، فالدوحة برمزيتها الخليجية، تدعونا إلى استدعاء العديد من المفاهيم حول التوجهات الخليجية. بيروت عاصمة الرقي الفعلي، بل أنها تأخذ رمزيتها وسط دول تتصارع دوما، رمزية باريس عاصمة النور والثقافة والفن في الوسط الأوربي. ثم القاهرة، القلب النابض بوهجها العظيم، كل ذلك يشير إلى أبعاد عديدة لفهم ما ترمي إليه رواية العطار من توجهات وتنوعات اجتماعية وسياسية.
أنساق حكائية مدهشة. قُطبها صلاح، كضحية لسلبية أب وتحجر قلب أم، وديكتاتورية أنظمة. فماذا أرادت العطار قوله بتقديمها لأم بتلك السمات الغير متسقة مع طبيعة الأمومة. واقتران ذلك بضياع الهوية. مقرون بالتسلط السياسي. رامزة إليهما كعملة بوجهين؟. إذ تعود القارئ أن يقرأ أب متسلط دوما، فارضا قناعاته على أفراد أسرته، صراع الأجيال ممثلا بهيمنة الأب، ورفض الأبناء ورغبتهم بالتمرد، أن يتخلصوا من ظله وتعنته، بل وأن يسعوا لقتله في أعماقهم، ليصنعوا حيواتهم دون وصي.
في هذا العمل نجد السلطة الأمومية بديلة للسلطة الأبوية، تلك التي تتطابق مع السلطة السياسية الدكتاتورية، لتلتبس صورة الأم أو تتماهى بصورة الديكتاتور العربي. ما يشير إلى مساهمتها بضياع الهوية من خلال شخصية صلاح.
ختاما لهذه الأسطر القليلة في حق رواية تستحق العديد من الدراسات النقدية، أشير إلى جانب فني متمثلا في استخدام الكاتبة طريقة التصاعد الزمني لسرد أحدث روايتها، مع العودة إلى الماضي من خلال سرد صلاح لذكريات حياته بين فينة وأخرى، وذلك ما أدى إلى كسر رتابة السرد التصاعدي زمنيا. كما استخدمت تداعيات الشخصيات، حين تحاور الشخصية ذاتها حول رؤاها، وأوضاع تعيشها. وذلك أسلوب من أساليب الرواية الحديثة، أن يتعرف القارئ على شخصيات العمل ليس من خلال الوصف الخارجي، بل برؤاه الشخصية لما يحيطه، ولتلك المفاهيم التي تجعل القارئ يتعرف على أعماقه. تفكيره، مفهومه للوجود، ونظرته لمحيه ولذاته...
لنتعرف ونتساءل: هل صلاح جلاد، وقد قرأنا حياته بداية بتجبر أمه مرورا بتألقه كنجم رياضي مرورا بعلاقاته المشبوهة، ثم بسجن مبكر، أم أنه ضحية!.
تساؤل تفرضه تلك الأحداث المتدخلة التي عاشها صلاح كمواطن عربي. يشبه في ظروفه ملايين الشباب العرب من يعيشون تحت أنظمة تمتهن الكذب على شعوبها.
نهاية الرواية يبزغ الأمل، بعد أن أسودت الدنيا في عيني صلاح، بصديقه هاني أحد رجال طارق الذي سامه سوء العذاب واراد انها حياته، هاني الذي خدعه بداية الأمر يقول له: "أرجوك أسمع مني هذه المرة وأطلق ساقيك للريح، لا تنظر وراءك، مصر كبيرة وتستطيع احتضان كل الفارين من أقدارهم...". ثم دس في كفه قصاصة بها عنوان المصحة التي ترقد فيها ابنته سلوى، ليزورها.
تأتي الخاتمة لتزرع الكاتبة الأمل، بعد أكثر سعادة على أرض مصر. بعد أن أراد له زوج طليقته نسمة الموت.
القاهرة . المصري اليوم